• الموقع : سماحة السيد جعفر مرتضى العاملي .
        • القسم الرئيسي : المؤلفات .
              • القسم الفرعي : المقالات والأبحاث .
                    • الموضوع : السواك .

السواك

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين

تمهيد:

إن الذي يدرس، أو يطالع التشريعات الإسلامية، والتعاليم الإلهية يخرج بحقيقة لا تقبل الشك، هي: أن تلك التشريعات والتعاليم منسجمة كل الانسجام مع طبيعة الإنسان، وفطرته، لو لم تطغ على تلك الفطرة عوامل غريبة عنها، وافدة عليها؛ لأن الإسلام قد تعهد والتزم بأن تكون كل تشريعاته، ونظمه، وسائر تعاليمه ملائمة للفطرة، ومنسجمة معها، بحيث لو ثبت منافاة أي تشريع لفطرة الإنسان لأمكن رفضه، والحكم عليه بأنه ليس من الإسلام في شيء.. وهذا التعهد والالتزام هو ما تشير إليه الآية الكريمة: ﴿.. فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم..﴾.

هذا.. ومن الواضح: أن التشريعات الإلهية، والتعاليم القرآنية، والتوجيهات النبوية.. ليس الهدف منها إلا تحقيق السعادة والهناء – كل السعادة والهناء – لهذا الموجود الذي اسمه الإنسان..، ولا تتطلب إلا الكمال له، والسلامة، والمعافاة، بكل ما لهذه الكلمات من معنى.. فهذا هو المنطلق لتشريعات الإسلام السامية، وهذا هو المبدأ لها؛ فإليه تنتهي، وعلى أساسه تقوم..

وبديهي.. أنه كلما كانت النظم دقيقة وشاملة كلما كانت السعادة والسلامة لهذا الإنسان أكمل وأتم.. ومن هنا كانت الأنظمة والقوانين الإسلامية دقيقة وكاملة وشاملة لجميع شؤون الإنسان، ومختلف أحواله وأوضاعه.. تكفل له – لو التزم بها – الحياة الفضلى، والعيش الرغيد، وتتيح له أن يكون إنساناً كاملاً وسليماً ومعافى في مختلف أنحاء وجهات وجوده.. وتحقق له السعادة والراحة والهناء على النحو الأكمل والأشمل..

ولعل ذلك واضح لا يحتاج إلى مزيد بيان، أو إقامة برهان..

ولقد كان شمول تعاليم الإسلام وتشريعاته أمراً يبعث على الدهشة والاستغراب؛ حيث قد استطاع أن يستوعب كل حركة من حركات الإنسان، وكل سكنة من سكناته.. بل وحتى خلجاته النفسية، وأفعاله القلبية، ولم يشذ عنه أي شأن من شؤونه، وأي حال من أحواله، في مختلف الظروف، وسائر الأحوال..

فقد جعل كل شيء محكوماً لقانون، ويهيمن عليه نظام، ليكون – كل شيء – في خدمة الإنسان، وموجهاً لما فيه خيره ومصلحته، مؤدياً إلى ما فيه هناؤه وسعادته.. والأمثلة على ذلك كثيرة، وكثيرة جداً.. فحتى أكل الإنسان وشربه، وقيامه ومشيه، وجلوسه، بل وحتى نبرات صوته، كل ذلك – له قانون، ويخضع لنظام.. بل لقد تدخل الإسلام حتى في اختيار الإنسان للبيت الذي يعيش فيه، والثياب التي يلبسها، وفي كيفية تصرفه بها.. إلى غير ذلك من الشؤون والأحوال، التي يمر بها الإنسان، أو تمر به، والتي غفل عنها أي تشريع آخر، سوى تشريع السماء، لأنه وحده الصادر عن خالق الكون والسماء. المتفرد بإدراك كل ما فيه خير الإنسان ومصلحته؛ فأمره به، وكل ما فيه ضرره وبلاؤه، فنهاه عنه..

وبنحو آخر أكثر وضوحاً نقول:

إننا نلاحظ مثلاً أن من الجوانب التي اهتم بها الإسلام: المظهر الخارجي للإنسان.. والذي قد يترك آثاراً على مكانته الاجتماعية كما أنه قد يؤثر في روحه ونفسه، بل وصحته البدنية.. وحتى على ذوقه وسجيته، فلم يشرع أي قانون يضر بمكانة الإنسان الاجتماعية، أو بذوقه وسجيته، وصحته البدنية بل كانت كل تشريعاته منسجمة مع ذلك كله متلائمة معه.. ومن ذلك – على سبيل المثال – تعاليمه المتعلقة بتقليم أظفاره، وترجيل شعره، وأوامره له بالتنظيف والتطهر؛ حتى لقد ورد: إن الله ليكره المؤمن القذر.. بل لقد حرم عليه بعض الألبسة التي تضر بمكانته الاجتماعية وتوجب استهانة الناس به، إلى غير ذلك مما لا يمكن تتبعه واستقصاؤه..

ولكن الشيء الذي مني به الإسلام، هو أن المسلمين، وأخص منهم بالذكر الفقهاء وعلماء التشريع، لم يهتموا بهذه التشريعات كثيراً، على اعتبار أنها مستحبات أو مكروهات.. أو أمور وتوجيهات اخلاقية ومعيشية يمكن للناس أنفسهم أن يبحثوا عنها ويطلعوا عليها، ومن ثم يطبقونها على حياتهم العملية. وأن اللازم – بنظرهم معاً – هو البحث عن الواجبات والمحرمات أولاً..

ولكن الحقيقة هي أنه كما أن المكروهات – حسبما ورد – سياج المحرمات.. فكذلك الحال بالنسبة للمستحبات؛ فإن الاتيان بها وامتثالها هو أول درجات امتثال الواجبات.. وخصوصاً إذا كانت من ذلك النوع الذي يشعر معه الإنسان بأنه يستفيد منه، ويلمس بنفسه أن نفعه عائد إليه لأن الإنسان بدافع من حب الذات يميل إلى ما يؤكد له ذاته، ويخدم وجوده.. وإذا ما التزم الإنسان بحكم، ولو من أجل الحصول على منافع دنيوية، وهو يعلم أنه من الإسلام فإن ذلك يكون موجباً لربطه بهذا الدين، الذي أصبح يشعر بأن بالإمكان الاستفادة منه.. ويصير من ثم من الممكن أن يلتزم بأحكام أخرى، إذا ما اقتنع أنها إنما شرعت من أجله ولمصلحته..

وخلاصة الأمر: أن الحال بالنسبة للمستحبات لا يختلف عنه بالنسبة للمكروهات فكما أن اجتناب المكروه يهيئ الإنسان نفسياً للاجتناب عن الحرام فكذلك امتثال المستحب يهيؤه أيضاً لامتثال الواجب..

بل إنني أعتقد أن الأخلاقيات في الإسلام – وأعني بها ما يشمل المستحبات والمكروهات والإرشاديات – لا تقل أهمية عن الالزاميات، أقصد بها الواجبات والمحرمات، ولذا نلاحظ أن اهتمام القرآن، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم، والأئمة (عليهم السلام) ببيانها، لا يقل عن اهتمامهم ببيان هذه.. حتى إن القرآن الذي يحتوي على ما يزيد على ستة آلاف آية، لا تزيد آيات الأحكام فيه عن الـ (500) آية معظمها من العمومات والمطلقات.. وأما ما تبقى فهو قصص، وتوجيهات، وعقائد، وما يتصل بذلك من قريب أو بعيد.. وذلك نهج البلاغة، أعظم كتاب بعد القرآن، والصحيفة السجادية، زبور آل محمد، لا تكاد تجد إلا القليل القليل فيهما يتعرض لبيان الأحكام الشرعية الإلزامية..

ومن أجل ذلك، فإنني أقول: إن من الواجب إعطاء هذا الجانب من التشريعات الإسلامية حقه من العناية والاهتمام، بالمقدار الذي حظي به من جانب الله تعالى، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم، والأئمة (عليهم السلام ).

ولا أرى أنني أكون مجازفاً بالقول، لو قلت: إن هناك مستحبات ومكروهات وتوجيهات يكون بيانها أهم بكثير من بيان مستحبات ومكروهات الصلاة والحج ونحوهما..

وعلى هذا الأساس، وحتى لا أكون ممن يقول، ولا يفعل، فقد بادرت في هذه العجالة، ورغم مشاغلي الكثيرة.. – بادرت – إلى البحث عن واحد من تلك الأمور التي اهتم النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة (عليهم السلام) ببيانها اهتماماً بالغاً ما كان يخطر على بال.. إلا أن فقهاءنا أيدهم الله، قد أهملوه تقريباً، وقل من يذكره منهم، مع أنه مما قام إجماعهم على استحبابه.. وهذا الأمر هو:

السواك: أي غسل الأسنان:

وحيث إنني لم أكن طبيباً، وهذا الموضوع "السواك" يتصل اتصالاً مباشراًُ بسلامة الإنسان البدنية، فقد بقيت في البحث بعض الثغرات والفجوات، بانتظار استكمال المعلومات الصحيحة عنها من أهل الاختصاص في هذا الموضوع فأقول: ومن الله استمد العون والتوفيق. وعليه التوكل وبه الاعتصام..

لم يكن يخطر في بالي، قبل أن أراجع كتب ومجاميع الحديث بخصوص هذا الموضوع، أن تزيد الروايات الواردة في هذا الموضوع عن أهل بيت العصمة، ومهبط الوحي، ومختلف الملائكة، عن عشرة أو خمسة عشر أو على أبعد التقادير على عشرين حديثاً.. ولكن يا لدهشتي عندما فوجئت بها وهي أضعاف ذلك، مما جعلني أدرك إلى حد ما مدى أهمية هذا الموضوع وخطورته، والذي لا داعي فيه، ولا رغبة للكذبة والوضاعين الذين حذر النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة.. منهم..

والسؤال الذي يطرح نفسه – بادي ذي بدء – هو:

 لماذا يهتم الشارع بالأسنان ؟

والجواب عن ذلك واضح جداً.

فإن ضرورة الأسنان للإنسان لا يمكن أن ينكرها أحد، وهي نعمة لا يشعر الإنسان –عادة بها، أو بأهميتها إلا إذا فقدها... مع أنه يستفيد منها كل يوم اكثر من مرة، وإن أي ضرر يلحق بها يوقعه ولاشك في الضيق والحرج، ويؤثر عليه تأثيراً لا يكاد يخفى، ويوجب اختلال أحواله إلى حد ما..

ولعل من الأمور الواضحة لدى كل أحد أن الاسنان الصناعية لا تستطيع حتى في أفضل حالاتها أن تقوم بوظيفة الأسنان الطبيعية، ولا هي من الكفاءة بحيث تستطيع أن تؤدي دور تلك دون أدنى تفاوت أو خلل...

ومن الواضح أيضاً أن الأسنان كما تساعد المعدة، حيث تهيئ لها الطعام وتجعله في وضع يكون معه قابلاً للهضم، أو على الأقل يجعل هضمه أسهل منه مما لو بقي على حالته الأولى.. كذلك هي تساعد الإنسان في المنطق، ويؤثر فقدانها عليه بشكل ملحوظ.. وما علينا من أجل إثبات ذلك إلا تذكر حالة من فقدوا أسنانهم، ومدى الجهد الذي يبذلونه من أجل إخراج الكلمات، بنحو تكون واضحة ومفهومة.. وكذلك مدى ما يواجهونه من أجل جعل الطعام في وضع تتمكن معه المعدة من هضمه، والاستفادة منه.

وعدا عن ذلك: فإن اختلال الوضع الطبيعي للأسنان، ومرضها وموبوئيتها يؤدي في كثير من الأحيان إلى أمراض، ومضاعفات سيئة في كثير من أجهزة الجسم.. ولسوف يتضح ذلك فيما يأتي عندما نتكلم عن الطائفة الثالثة والرابعة من الروايات إنشاء – الله تعالى..

ومن هنا.. ومن أجل أمور أخرى هامة جداً أيضاً، نرجو أن نوفق للإشارة إليها عندما نتحدث عن الطائفة الثالثة، والرابعة من الروايات – من هنا – كان اهتمام الإسلام بالأسنان، وكانت دعوته الملحة، للعناية بها والحفاظ على سلامتها؛ فأمر بكل ما يحفظها ويصونها، ونهى عن كل ما يسيء إليها، ويضر بسلامتها.. إيماناً منه بأن سلامة الأسنان الطبيعية يؤثر في سلامة الإنسان، وسقمها يؤثر في سقمه فإذن من المهم للإنسان أن يحافظ عليها ليستفيد منها أكبر قدر ممكن في حياته، وأن يحتفظ بها سليمة ومعافاة؛ لأن معنى ذلك هو احتفاظه، وكثير من أجهزة جسمه بالسلامة والمعافاة...

ومن جملة ما امر به الإسلام في نطاق اهتمامه بالأسنان مما له أثر كبير على صحتها وسلامتها كما قلنا:

"السواك": أي غسل الأسنان:

الذي أجمع الفقهاء على استحبابه مطلقاً، وخصوصاً للوضوء، والصلاة.. وقد اتبع الإسلام في دعوته إلى السواك، والحث عليه، طرقاً مختلفة، وأساليب شتى.

فلقد دأب أهل بيت العصمة (عليهم السلام) – عملاً – على السواك، وعملهم سنة لنا؛ ويجب علينا الاقتداء بهم في أفعالهم وأقوالهم.. وعندما رأوا أن الناس لم يلتفتوا إلى ذلك، حاولوا توجيه الأنظار إلى هذا الأمر فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنه (أي النبي صلى الله عليه وآله وسلم) كان يستاك في كل مرة قام من نومه. وعن المقنع أنه صلى الله عليه وآله: كان يستاك لكل صلاة وعن الباقر (عليه السلام) أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يكثر السواك، وليس بواجب.. الخ.

إلى آخر ما هنالك من الروايات التي لا مجال لنا لذكرها هنا..

وقد بلغ التزامهم (عليهم السلام) بالسواك حداً أنه لو ترك أحدهم السواك كان ذلك ملفتاً للنظر ومدعاة للتساؤل؛ فعن مكارم الأخلاق: أن الصادق (عليه السلام) ترك السواك قبل أن يقبض بسنتين؛ وذلك لأن أسنانه (عليه السلام) ضعفت..

وأما أمرهم بالسواك، وحثهم عليه بالقول.. فكير جداً أيضاً، ويمكن تقسيم النصوص التي وردت فيه، والحث عليه إلى طوائف أربع..

الأولى: تلك الطائفة من الروايات، التي تحت على السواك وتحذر من تركه، من جهة عامة، أي: من دون تعرض لبيان أية خصوصية فيه.. ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

ما عن أبي جعفر (عليه السلام) قال لا تدعه في كل ثلاث، ولو أن تمرَّه مرَّة واحدة..

وهو تعبير صادق عن مدى اهتمامهم (عليهم السلام) بهذا الأمر، كما أنه يوحي بما للسواك من عظيم الفائدة، وجليل الأثر؛ فإن إمراره مرة واحدة كل ثلاث ليال أمر مطلوب، ومرغوب فيه، وقد أشار الباقر (عليه السلام) إلى الفوائد العظيمة التي تترتب عليه حيث قال:

لو يعلم الناس ما في السواك، لأباتوه معهم في لحاف.

فإن هذه الكلمة تعطينا أن فوائد السواك أكثر مما نتصور، وأن مضار تركه لا تقل عن فوائد الاستمرار عليه.. إنه لمن المدهش حقاً أن يؤدي بنا معرفة فوائد السواك إلى أن نبيته معنا في لحاف.. مع أن أحدنا حتى لو كان مصاباً فعلاً بمرض.. فإنه لا يبيت الدواء معه في لحاف.. فكيف بالسواك الذي لا يعدو أن يكون عملية وقائية من امراض محتملة، فلولا أن تركه يستتبع أمراضاً خطيرة، تهدد حتى حياة الإنسان ووجوده لم يكن معنى لقوله (عليه السلام ): لأباتوه معهم في لحاف، ومن يدري فلعله (عليه السلام) يشير بذلك إلى أن غازات الفم الكريهة قد تنفذ إلى مجرى الدم، وتفتك من ثم بالجسم كله، أو إلى أن موبوئية الأسنان من أسباب مرض السل، وغيره مما ستجيء الإشارة إلى بعضه..

وعن أبي عبد الله (عليه السلام ): " من سنن المرسلين السواك "، وفي معناه عدة أحاديث أخرى..

وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ما زال جبرئيل يوصيني بالسواك، حتى خفت أن أحفى وأدرد.. وفي بعضها: حتى خفت أن يجعله فريضة.. وفي معناه غيره..

وعن الصادق (عليه السلام ): نزل جبرئيل بالسواك، والخلال، والحجامة..

فإذا كان السواك من سنن المرسلين فهو إذن ليس امراً عادياً يمكن إهماله، والتغاضي عنه بسهولة.. خصوصاً وأن جبرئيل ما زال يوصي النبي صلى الله عليه وآله وسلم به، حتى خاف أن يجعله فريضة.. فما أحرانا إذن أن نقتدي بالمرسلين، ونهتدي بهديهم.. حيث إنهم لم يرسلوا إلا من أجلنا، وبما فيه مصلحتنا وهذا لعله هو السر في التعبير بكلمة " المرسلين "، بدل كلمة " الأنبياء ".

ولقد قيل لأبي عبد الله (عليه السلام ): أترى هذا الخلق كلهم من الناس ؟

فقال: " ألق التارك منهم للسواك "..

وعن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: نظفوا طريق القرآن..

قيل: يا رسول الله، وما طريق القرآن ؟

قال: أفواهكم..

قيل: بماذا ؟

قال: بالسواك..

وفي معناه غيره..

بل إن الشارع لم يمنع حتى الصائم من الاستياك، رغم احتمال سبق شيء إلى جوفه..

فعن الحسين بن أبي العلاء، قال: سألنا أبا عبد الله (عليه السلام) عن السواك للصائم ؟ فقال: نعم، يستاك أي النهار شاء.

وعن الباقر (عليه السلام ): ولا بأس أن يستاك الصائم أي النهار شاء، ولا بأس بالسواك للمحرم الخ..

ونكتفي من هذه الطائفة هنا بهذا القدر، ومن أراد فعليه أن يراجع مجاميع الحديث والرواية، كالوسائل ومستدركها، ومكارم الأخلاق، وغير ذلك..

 الطائفة الثانية:

وهي التي تثبت استحباب السواك شرعاً.. حيث إنهم (عليهم السلام) لم يكتفوا بالطائفة الأولى، رغم كثرتها، ووضوح دلالتها، ولم يكتفوا أيضاً بالإشارة إلى بعض فوائده ومنافعه، حسبما سيأتي بيانه.. بل لقد أخبروا أن الله تعالى قد تكرم على عباده، بأن جعل السواك عبادة، ينال العبد على فعلها الأجر الجزيل، والثواب الجميل.. وهذا ولاشك يعطي الإنسان المؤمن قوة دافعة على ممارسة هذا العمل الهام، والاستمرار عليه؛ لما يترتب عليه من ثواب أخروي، فضلاً عن منافعه الجدية العاجلة..

فمن تلك الروايات:

ما عن الصادق (عليه السلام) من أنه: السواك شطر الوضوء..

وعنه أنه قال: صلاة ركعتين بسواك، أفضل من أربع ركعات بغير سواك.

وعنه (عليه السلام) أيضاً: ركعتان بالسواك أفضل من سبعين ركعة بغير سواك.. وفي بعض الروايات عن النبي أن صلاة بسواك خير من خمس وسبعين بدونه.. وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في وصيته لأمير المؤمنين: يا علي، عليك بالسواك، وإن استطعت أن لا تقل منه فافعل؛ فإن كل صلاة تصليها بالسواك، تفضل على التي تصليها بغير سواك أربعين يوماً.

وفي حديث الاثني عشر خصلة، قال: " ويضاعف الحسنات سبعين ضعفاً " (والتنافي الظاهر في إثبات الأجر في هذه الروايات، يمكن أن يفسح مجالاً للتشكيك في صحة أكثرها.. إلا أنه يمكن أن يجاب عن ذلك بأنه: لعل السواك الذي تكون المنافع الدنيوية هي المقصودة منه، هو الذي يفضل الركعتان معه الأربع ركعات أما الذي يقصد منه الثواب الأخروي فالصلاة معه تعدل سبعين.. والتفاوت إنما هو بمقدار الإخلاص في النية على هذا الوجه).

وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لعلي: عليك بالسواك عند وضوء كل صلاة.

وفي رواية أنه قال: عند كل صلاة..

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند وضوء كل صلاة..

والظاهر أن المراد: الأمر على نحو الوجوب، وإلا فإن الأمر الاستحبابي ثابت.

وقال أبو عبد الله (عليه السلام ): إذا قمت بالليل فاستك؛ فإن الملك يأتيك؛ فيضع فاه على فيك؛ فليس من حرف تتلوه، وتنطق به، إلا صعد به إلى السماء، فليكن فوك طيب الريح... وفي معناه غيره..

وقد ورد بطرق مختلفة أن السواك: يرضي الرحمن.

إلى آخر ما هنالك من الروايات، التي لا يتسع المجال لذكرها.. وقد أشرنا إلى أنه قام الإجماع على استحبابه..

 الطائفة الثالثة:

ما ورد في الأخبار في بيان بعض ما للسواك من المنافع، وما في تركه من المضار.. فإن مما يهتم الشارع المقدس له هو المحافظة على سلامة الإنسان، وحفظ أفضل الحالات له. وإذا كان السواك مما له أثر في ذلك؛ فإنه يكون مرغوباً ومطلوباً له تعالى بذاته، حتى ولو لم يقصد به القربة، ولا أتى به لأجل ما فيه من الأجر والثواب..

وإذا ما عرف الناس منافعه.. فإذا كان هناك من لا يفعله اقتداء بالمرسلين، أو من أجل تحصيل ما فيه من الأجر والثواب.. فإنه قد يفعله من اجل ما فيه من الفوائد والمنافع، وما يدفعه من المضار فإن الإنسان – بطبعه – محب لنفسه، يهمه جداً دفع كل بلاء محتمل عنها، وجلب كل نفع يقدر عليه لها.. وفي السواك، العديد من المنافع التي يهم الإنسان الحصول عليها، والوصول إليها.. سواء بالنسبة لصحته في ذاته، أو بالنسبة، لعلاقاته بالآخرين..

وهذه الطائفة من الروايات، المتكفلة ببيان منافع السواك كثيرة.

وقد تقدم في الطائفتين السابقتين ما يدل على أن السواك يطيب ريح الفم؛ حيث قال أبو عبد الله (عليه السلام ): فليكن فوك طيب الريح.. وتقدم أيضاً أنه ينظف الفم؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: نظفوا طريق القرآن..

ونزيد هنا على ذلك ما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام ): إن أفواهكم طرق القرآن فطهروها بالسواك...

وعن أبي جعفر (عليه السلام) لكل شيء طهور، وطهور الفم السواك..

وفي هذا المعنى عدة روايات أخرى..

وعن ابي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: لما دخل الناس في الدين أفواجاً اتتهم الأزد، أرقها قلوباً، وأعذبها أفواهاً.. فقيل يا رسول الله، هذا أرقها قلوباً عرفناه؛ فلم صارت أعذبها أفواهاً ؟.. فقال لانها كانت تستاك في الجاهلية... وفي معناه غيره..

وعن أبي جعفر (عليه السلام ): السواك يذهب بالبلغم، ويزيد في العقل..

وعن أبي عبد الله (عليه السلام ): السواك يذهب بالدمعة، ويجلو البصر..

وعنه (عليه السلام ): هو من السنة، ومطهرة للفم، ومجلاة للبصر، ويرضي الرب، ويذهب بالغم، ويزيد في الحفظ، ويبيض الأسنان، ويضاعف الحسنات، ويذهب بالحفر ويشدُّ اللثة، ويشهي الطعام، وتفرح به الملائكة.. وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: السواك يزيد الرجل فصاحة..

وعن الرضا (عليه السلام ): السواك يجلو البصر، وينبت الشعر، ويذهب بالدمعة.. وفي رواية أخرى أنه: يذهب بغشاوة البصر.. وفي ثالثة أنه: مجلاة للعين.. والروايات حول هذا المعنى كثيرة...

وعن أبي عبد الله (عليه السلام )، قال: النشرة في عشرة أشياء، وعد منها السواك..

وعنه أنه قال: ثلاثة يذهبن النسيان، ويحدثن الذكر: قراءة القرآن، والسواك والصيام...

وعنه أيضاً: عليكم بالسواك؛ فإنه يذهب وسوسة الصدر..

وورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أن السواك يوجب شدة الفهم، ويمري الطعام، ويذهب أوجاع الأضراس، ويدفع عن الإنسان السقم إلى آخر ما هنالك، مما لا يتسع المجال لذكره..

وعلى أي حال فإن المتحصل من هذه الروايات وغيرها، أو فوائد السواك هي التالية:

1-   أنه طهور ومعقم للفم.

2-   انه منظف له.

3-   يذهب برائحة الفم الكريهة ويطيب رائحته.

4-   يجعل الفم عذباًَ.

5-   يذهب بالغم.

6-   يذهب بالبلغم.

7-   يزيد في العقل.

8-   يجلو العين، ويجلو البصر، ويذهب بغشاوته..

9-   يذهب بالدمعة.

10-  يزيد في الحفظ.

11-  يبيض الاسنان.

12-  يذهب بالحفر.

13- يشد اللثة.

14-  وإذا كان بعود الآراك فهو أيضاً يسمنها.

15-  يشهي الطعام.

16-  ينبت الشعر.

17-  إنه من جملة أسباب النشرة، أو النشوة (على ما في بعض النسخ ).

18-  يزيد الرجل فصاحة.

19-  يذهب بالنسيان، ويحدث الذكر.

20-  يذهب بوسوسة الصدر.

21-  يوجب شدة الفهم.

22-  يمري الطعام.

23-  يذهب أوجاع الأضراس.

24-  يدفع عن الإنسان السقم..

وربما يتخيل أن بعضها تكرار للبعض الآخر، ولكن بعد إمعان النظر والتأمل يظهر خلاف ذلك.. بل قد يظهر أننا تكلفنا إدخال بعضها تحت بعض.. وعلى كلٍ.. فإن من المناسب أن نقف وقفة قصيرة – بقدر ما يسمح لنا به المجال، وتسمح لنا به المعلومات الطبية المحدودة المتوفرة – نقف – عند هذه النبذة، التي هي رشحة من رشحات أهل بيت العصمة (عليهم السلام )، وخريدة من خرائدهم، لنستوحي منها، ونستهدي طريق الخير، والرشاد، والسداد، فنقول، والله المستعان، ومنه نستمد الحول والقوة:

إن كثيراً مما بينته هذه الروايات قد يكون مما لا يزال العلم عاجزاً عن كشف مدى ارتباطه بالسواك، وارتباط السواك به بشكل دقيق، وشامل: إلا أن مما لا شك فيه أننا نستطيع أن نلمس من ذلك كله مدى اهتمام الإسلام بمختلف شؤون هذا الإنسان وأحواله، ومدى إحاطته وشموله لهذه الأحوال، وتلكم الشؤون.

ونستطيع أن نتبين بوضوح اهتمام الإسلام بمظهر الإسنان، وبشخصيته وحرصه الشديد على ان يبدو في أبهى منظر، وأحسن حلة؛ لأن جمال المظهر – كما قلنا – يؤثر في اجتذاب الآخرين إليه، ومحبتهم له، بل ويؤثر في روحه ونفسه. ومن هنا فقد ورد أن السواك يبيض الأسنان، وورد قوله (عليه السلام ): مالكم قلحاً ؟! مالكم لا تستاكون ؟!، والقلح: صفرة أو خضرة في الأسنان ولاشك أن بياضها افضل من صفرتها، أو خضرتها وأكثر قبولاً لدى الآخرين، لانه هو اللون الطبيعي لها.

ومن هنا ايضاً.. ورد أن السواك يطيب رائحة الفم.. ولاشك أن ذا الفم الكريه الرائحة ينفر الناس، بل وحتى الملائكة منه؛ والإنسان يريد لنفسه والله أيضاً يريد له – أن يكون محبباً لدى الناس، قريباً إلى قلوبهم ونفوسهم..

وبما أن للأسنان علاقة بجميع أجهزة الجسم الأخرى؛ حتى إنها إذا ما مرضت تأثرت تلك الأجهزة بمرضها، وإذا صحت وقويت تأثرت أيضاً بذلك، واكتسبت مزيداً من الصحة والقوة،.. فإن من الطبيعي أن يكون ذلك حافزاً ودافعاً للإنسان ليحافظ على أسنانه، وأن يهتم بصحتها؛ لأنه يكون بذلك قد حافظ واعتنى بسائر أجهزة جسمه..

ويقول علماء الطب الحديث: إن الجراثيم والميكروبات المتكونة في تجاويف الأسنان، من فضلات الطعام المتخلفة فيها.. والوافدة من الفم إلى المعدة هي السبب في عسر الهضم، وحزة المعدة أو حموضتها وهي السبب أيضاً في بعض أمراض الكلى والرئتين.. وقد تصل هذه الجراثيم أيضاً إلى اللوزتين، وتؤثر أيضاً على الأنف؛ بحيث توجب التهابات في الجيوب الأنفية.. بل إن أمراض الأسنان الناشئة من عدم تنظيفها وتعقيمها قد توجب التهابات في الأذنين. وتكون هي السبب في بعض أمراض العينين وذلك لاتصالهما – الأذنين والعينين – بالأسنان عن طريق الأعصاب.

كما أن أمراض الفم قد تؤثر في روماتيزم المفاصل، وتزيد من أعباء الكبد بل إن أسنان المريض هي أول ما يلفت نظر الطبيب في معالجته للمريض بالسل.. وأسقام عديدة أخرى..

وإن غازات الفم الكريهة قد تنفذ إلى مجرى الدم، وتفتك من ثم بالجسم كله هذه الغازات التي تنشأ – في الغالب – من تخمر فضلات الطعام، المتبقية في تجاويف الأسنان؛ حيث إنها لا تلبث أن تتعفن، وتصبح ذات رائحة كريهة جداً، يشعر بها كل من يحاول تنظيف أسنانه بعد إهماله لها مدة من الزمن.. ثم تتحول شيئاً فشيئاً إلى مكروبات وجراثيم تعد بالملايين، ويتسبب عنها الكثير من أمراض الفم، وتفد – كما قلنا – مع الطعام إلى المعدة ولتسبب للإنسان – من ثم – الكثير من المتاعب.

وإذا ما اضفنا إلى ذلك كله: أن تلك الفضلات المتبقية قد تسبب قروحاً في اللثة، وإذا كانت المكروبات المتكونة منها حاضرة وجاهزة، فإنها تعمد للفتك باللثة عن طريق تلك القروح؛ وإذا ما أدت تلك القروح إلى كشف عنق السن، فلسوف ينتج عن ذلك ضعف ذلك السن، وخلخلته وليصبح من ثم عديم الفائدة، ومستحقاً للقلع..

وهكذا.. فإن النتيجة بعد ذلك كله تكون، هي: إنه لابد للفم من منظف أولاً.. ومعقم ومطهر له ثانياً.. يقتل هذه الجراثيم التي فيه، ويزيلها، ويمنع من حدوث جراثيم أخرى..

وقد قرر الشارع المقدس، أن هذا المنظف، والمطهر والمعقم هو السواك، الذي يكون في نفس الوقت علاجاً، وعملية وقائية، من كثير من الأمراض، التي لابد وأن يتعرض لها الإنسان، نتيجة لموبوئية الأسنان.

ومن هنا نعرف الحكمة في قولهم (عليهم السلام) عن السواك: إنه طهور للفم، وإنه منظف له، وإنه يدفع عن الإنسان السقم، وإنه يذهب اوجاع الأضراس، إلى غير ذلك مما تقدم، وستأتي الإشارة إليه، إن شاء الله تعالى..

هذا.. ويتكون من تخمر فضلات الطعام في الفم حامض: " الكتيك "، الذي يؤثر في الطبقة الخارجية لتاج السن، حيث يذيبها، ويفقدها نعومتها، ويجعلها خشنة الملمس، مما يساعد على تخلف مزيد من الفضلات، وليتكون بعد المزيد من الجراثيم ومن ثم إلى مواجهة كثير من المتاعب.

كما أن هذه الأحماض المشار إليها، هي من أسباب تسوس الأسنان، ومن ثم فقدانها لصلاحيتها؛ حيث يكون لابد من التخلص منها.

ومن الواضح: أن موبوئية الفم، وكثرة الجراثيم فيه، تقلل من اشتهاء الإنسان للطعام، وميله إليه.. بل إن من الأمور التي ثبتت الآن علمياً: أن تنظيف الأسنان يدفع الإنسان إلى الأكل، ويزيد من الكميات التي يتناولها منه إلى حد ملفت للنظر ومن هنا ورد عنهم عليهم السلام أن السواك يشهي الطعام ويمريه..

هذا.. ولابد من الإشارة هنا، إلى أن وفود الجراثيم إلى الفم، لا ينحصر في تخمر فضلات الطعام فيه؛ حيث يمكن أن تصل الجراثيم إلى الفم من ملامسة أجسام أخرى غير الطعام، بل ومن الطعام الذي يكون ملوثاً بجراثيم خارجة عنه.. وأيضاً من الهواء غير النقي، الذي لابد أن يصل إلى الفم بل وغيره من أجهزة الجسم بواسطة التنفس.. ولهذا كانت أنواع الميكروبات في الفم مختلفة، وكثيرة ولا يضاهيه في اختلافها أي عضو آخر من أعضاء الإنسان على الإطلاق.. وهو اكثر أعضاء الإنسان قابلية لاستقبالها، وهو المكان الأمثل والأصلح لنموها، وازديادها وبقاءها على قيد الحياة أقصى مدى ممكنة، وذلك لوجود اللعاب الذي يتدفق باستمرار، ويكون مادة غذاء لها لو حرمت من الغذاء..

ومن هنا نستطيع أن نعرف أن السر في ترخيص الشارع للصائم بالاستياك، عند كل وضوء، أو عند كل صلاة وكذلك السر في الحث على الاستياك عند الاستيقاظ من النوم وعند قيامه بالليل، هو أن المكروبات قد تصل إلى الفم من غير فضلات الطعام كما قلنا.

وإذا كان الاستياك يوجب عذوبة الفم، ونقاوة اللعاب.

وإذا كان أيضاً يوجب تقوية عضلات الفم.. وغير ذلك فإن من الطبيعي أن يكون من اسباب فصاحة الإنسان، وطلاقته، عندما تصير عضلات الفم أكثر قدرة على الحركة، وأكثر تحكماً بالنبرات الصوتية.. وأكثر نشاطاً ودقة في أدائها لوظيفتها..

وأيضاً فإن مما لاشك فيه، أن تنظيف كل عضو من أعضاء الإنسان، وخصوصاً الفم يكون من أسباب بعث الفرح والنشوة في نفسه، والحيوية والنشاط في مختلف أجهزة جسمه الأخرى – حتى الجهاز التناسلي منها -، ويكون الإنسان حينئذٍ اكثر حيوية ونشاطاً بشكل عام.. الأمر الذي يزيد – بطبيعة الحال – من نشاطه الفكري والعقلي.. ومن هنا قيل: العقل السليم في الجسم السليم.

بل إننا نستطيع أن نؤكد على علاقة الأسنان بسلامة الإنسان النفسية.. ومن هنا نلاحظ: أن ظهور " ضرس العقل " كثيراً ما يوجب الاختلال النفسي لدى الإنسان، ومن هنا فلا يكون من المجازفة القول بأن السواك له تأثير مباشر في الصفاء النفسي للإنسان، ويذهب بكثير من الهواجس والوساوس التي قد تنتابه.. بل ويؤثر في إذهاب حالات الغم والهم، التي قد تنتاب الإنسان، ولا يعرف لها سبباً معقولاً.. مع أنها تكون ناشئة عن موبوئية الفم والأسنان، في كثير من الأحيان، حتى إذا ما نظفت ذهبت هذه الحالة عنه، ويحل محلها الحيوية والفرح والنشاط..

وإذا ما عرفنا: أن الهم والغم من الأسباب الرئيسية للنسيان، وعدم التمكن من الحفظ، بسبب اختلال الحال، واشتغال البال، وعدم القدرة على التركيز على نقطة معينة، وعرفنا: أن النشوة وصفاء الفكر من أسباب سرعة الحفظ، وزيادة قوة الحافظة إننا إذا عرفنا ذلك ندرك مدى علاقة السواك بحافظة الإنسان، وتأثيره في إذهاب حالة النسيان من الإنسان..

ومن هذا البيان.. يتضح كيف أن السواك – على حد قولهم (عليهم السلام) – يذهب بالغم ويزيد في العقل، ويزيد في الحفظ، ويشهي الطعام، ومن أسباب النشرة (النشرة هي انتشار العضو التناسلي، وذلك غير بعيد بعد أن كان السواك يبعث النشوة والقوة والنشاط في مختلف أجهزة الجسم) أو النشوة، وأنه يزيد الرجل فصاحة، ويذهب بالنسيان، ويحدث الذكر، ويذهب بوسوسة الصدر، ويوجب شدة الفهم، إلى غير ذلك مما ورد في الروايات عن أهل بيت العصمة صلوات الله وسلامه عليهم.. مما اتضح مما قدمناه..

وإذا ما أضفنا إلى ذلك كله أن للأسنان علاقة بشعر الإنسان؛ ولذا يلاحظ أن بعض المبتلين بأمراض الأسنان، يتساقط عندهم الشعر المسامت للأسنان المريضة، حتى إذا ما عولجت، وشفيت يعود ذلك الشعر إلى النمو من جديد.. فإننا ندرك أن السواك الذي يؤثر في سلامة الأسنان يؤثر أيضاً في إنبات الشعر، حسب ما ورد في الرواية.

والسواك إلى جانب ذلك كله، عامل مهم، من عوامل تقوية اللثة وسمنها؛ حيث إنه رياضة مستمرة لها، وينبه عضلاتها ويحركها، كما ويحرك الدورة الدموية فيها..

كما أنه – أي السواك – يذهب بالحفر: أي أنه يقلع الحبيبات التي تؤدي إلى جرح اللثة، وتقيحها، وجعلها في معرض الالتهابات والأمراض.. كما ويمنع من وجودها من جديد..

وأخيراً.. فإن للسواك علاقة بالعين فمرض الأسنان يؤثر في مرضها، وقد أثبت الطب الجديد أن بعض أمراض الأسنان قد تسبب بالعمى الموقت، حتى إذا ما عولجت الأسنان وشفيت، عادت الرؤية إلى العين من جديد؛ ولعل ذلك أصبح من الأمور المتسالم عليها.. ولذا نرى في كلماتهم (عليهم السلام) التأكيد على هذه العلاقة.. وان السواك يجلو البصر، ويذهب بغشاوة العين، ويذهب بالدمعة، إلى غير ذلك مما تقدم..

 الطائفة الرابعة من الروايات.

تلك التي تكفلت بالإرشاد إلى كيفية، وأوقات، وأمكنة السواك، وما يتصل بذلك، ويرتبط به، بنحو من الارتباط والاتصال..

وقد تقدم ما يدل على استحباب السواك عند كل وضوء، أو عند كل صلاة، وعند قراءة القرآن، ونزيد هنا:

ما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، من أنه نهى أن يتخلل بالقصب، وأن يستاك به.. وفي دعائم الإسلام أنه صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن السواك بالقصب والريحان، والرمان..

وما ورد عن أبي جعفر (عليه السلام ): من أن الكعبة شكت إلى الله عز وجل ما تلقى من أنفاس المشركين؛ فاوحى الله تعالى إليها: قرى كعبة؛ فإني مبدلك بهم قوماً يتنظفون بقضبان الشجر؛ فلما بعث الله محمداً، أوحى الله إليه مع جبرئيل بالسواك والخلال.. وهو مروي بعدة طرق..

وفي مكارم الأخلاق، وغيره: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يستاك بالأراك؛ أمره بذلك جبرئيل (عليه السلام ).

وعن الرسالة الذهبية للرضا (عليه السلام ): واعلم يا أمير المؤمنين، أن أجود ما استكت به ليف الأراك؛ فإنه يجلو الأسنان، ويطيب النكهة ويشد اللثة، ويسمنها، وهو نافع من الحفر، إذا كان باعتدال.. والإكثار منه يرق الأسنان، ويزعزعها، ويضعف أصولها..

وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: نعم السواك الزيتون؛ من الشجرة المباركة يطيب الفم، ويذهب بالحفر وهي سواكي، وسواك الأنبياء قبلي. وعن أبي الحسن (عليه السلام ): أنه كان يستاك بماء الورد..

وعن أبي عبد الله (عليه السلام ): أنه كره للصائم أن يستاك بسواك رطب، ولكنه لم يكن يرى بأساً بالاستياك باليابس...

وكان الرضا (عليه السلام ): إذا صلى الفجر جلس في مصلاه، إلى أن تطلع الشمس ثم يؤتى بخريطة فيها مساويك؛ فيستاك بها واحداً بعد واحد، ثم يؤتى بكندر فيمضغه الخ...

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) أن الصائم: يستاك أي النهار شاء..

وعن أبي جعفر أنه قال: لا تدعه في كل ثلاث، ولو أن تمره مرة..

وعنهم (عليهم السلام ): أدنى السواك أن تدلكه بإصبعك.

وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أنه كان يستاك كل ليلة ثلاث مرات: مرة قبل نومه، ومرة إذا قام من نومه إلى ورده ومرة قبل خروجه إلى صلاة الصبح.

وروي ان السنة في السواك وقت السحر.

وروي أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يستاك في كل مرة قام من نومه.

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إني لاحب للرجل إذا قام بالليل أن يستاك..

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال: وإياك والسواك في الحمام؛ فإنه يورث وباء الأسنان.. وفي معناه عدة روايات أخر..

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) السواك على المقعد يورث البخر..

وعنه أيضاً في حديث: والسواك في الخلا يورث البخر..

وعن أبي عبد الله (عليه السلام ): من استاك فليتمضمض..

وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: اكتحلوا وتراً، واستاكوا عرضاً..

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم استاكوا عرضاً، ولا تستاكوا طولاً..

إلى آخر ما هنالك من الروايات الكثيرة التي لا مجال لنا هنا لذكرها..

ونستفيد من هذه الروايات عدة فوائد هامة.. بالنسبة لهذا الأمر الذي اهتم به الإسلام – ومن حقه أن يهتم به – غاية الاهتمام..

فإن مجرد إخراج الفضلات من تجاويف الأسنان، وإن كان مفيداً.. إلا أنه إذا كان بطريقة غير صالحة قد تنشأ عنه أضرار تفوق ما سوف يجلبه من نفع.. ومن هنا تبرز الحاجة إلى الطريقة الأفضل والأصلح، التي تؤدي المهمة المتوخاة من السواك، على أكمل وأفضل وجه، بحيث تتلافى معها جميع الأضرار والمضاعفات المحتملة. وهذا هو ما تكفلت به الطائفة الرابعة من الروايات، التي قدمنا شطراً منها.. ونحن بدورنا نشير إلى بعض الملاحظات، المتعلقة بهذه الطائفة، مع الاعتراف بالقصور والعجز عن إدراك كل ما يشيرون ويرمون إليه، مع روم الاختصار؛ حيث قد نكون قد أطلنا على القارئ الكريم، الذي لابد وان يمنحنا العذر؛ بعد أن صار من الواضح له مدى تشعب هذا الموضوع، واختلاف مناحيه وأطرافه، فنقول:

إن من الواضح: أن إخراج الفضلات من تجاويف الأسنان، بواسطة آلة صلبة – كدبوس، أو أي آلة معدنية أخرى – مما يتسبب عنه جرح الجدار الصلب، الذي يغلف تاج السن.. كما وأنه قد يؤدي إلى جرح النسيج اللثوي، الأمر الذي يكون من نتيجته تعرض الأسنان للنخر، واللثة للالتهابات، بفعل تلك الجراثيم الموجودة في الفم، والتي تعد بالملايين.. ومن هنا نعرف أنه لابد وأن يكون السواك والخلال بوسيلة لا صلابة فيها، يؤمن معها جرح الجدار لتاج السن، وجرح النسيج اللثوي.. وقد اختار الإسلام لهذه المهمة قضبان الشجر، وبالخصوص عود الأراك، أو "الزيتون " حيث يؤمن معها إلى حد ما.. ذلك.. كما أننا نعرف لماذا منع الإسلام عن السواك، والخلال بالقصب وعود الرمان، التي قد تجرح النسيج اللثوي وتؤثر في تاج السن ولعل منعه عن عود الريحان يرجع إلى وجود مواد فيه تضر باللثة والأسنان على حد سواء.. هذا..

ونلاحظ ان الإسلام قد أجاز السواك ولو بأن يكون الدلك بالإصبع وهو وإن لم يكن محققاً للغاية المرجوة منه، إلا أن الميسور لا يترك بالمعسور إذ هو على الأقل مفيد في تقوية اللثة، وتحريك عضلاتها..

ومن الأمور الملفتة للنظر هنا أن الرضا كان يستاك كل مرة بأكثر من مسواك واحد.. وأن أبا الحسن (عليه السلام ): كان يستاك بماء الورد، وأما الاستياك للصائم، فقد أشرنا فيما سبق إلى وجه الحكمة فيه..

ثم إن لكيفية السواك مدخلاً في التنظيف الكامل وعدمه؛ إذ أنه مرة يمر المسواك على الأسنان مروراً ظاهراً.. وهذا بطبيعة الحال لا يكفي في الوصول إلى الغاية التي شرع من أجلها السواك.. ومرة يصل المسواك إلى جميع تجاويف الأسنان، ويخرج الفضلات منها.. وهذا هو الذي يرمي إليه قوله (عليه السلام ): استاكوا عرضاً، ولا تستاكوا طولاً.. والمراد أن تدعك الاسنان بالمسواك صعوداً ونزولاً؛ من أجل أن تدخل شعب المسواك إلى جميع التجاويف، والفجوات، والخلايا؛ حتى لا يبقى فيها أي شيء من الفضلات، يمكن أن يسبب ضرراً على الأسنان، أو أي من أجهزة الجسم الأخرى.. وقد تنبه علماء الطب حديثاً لهذه الطريقة، وبدؤوا ينصحون باتباعها..

إلا أن من الواضح: أن مجرد إجراء هذه العملية، لا يكفي في إخراج الفضلات من الفم وتنظيفه وتطهيره، مع أن هذا هو أحد الأهداف الهامة من السواك، كما صرحت به الكثير من الروايات.. بل لابد لنا من القيام بعملية أخرى لإخراج الفضلات من الفم، وليكون الفم من ثم نظيفاً طاهراً، طيب الرائحة... الخ.. وقد بين الأئمة (عليهم السلام) هذه الطريقة، فأرشدونا إلى المضمضة بعد الوضوء: "فمن استاك فليتمضمض"..

وكان أن لم يأمر الإسلام باتخاذ فرشاة ولا أرشد إلى صنع معاجين من مواد معينة، معقمة ومطهرة للفم، ومضادة إلى حد ما للجراثيم.. على النحو الشائع في هذه الأيام.. حيث لم يكن في ذلك الزمان معاجين، ولا كان الناس يتخيلون، أو يخطر في بالهم أنه لابد في تنظيف الأسنان من الاستعانة بمواد كيماوية من نوع معين.. ولو أنه فعل صلى الله عليه وآله وسلم ذلك وقال لهم لابد من فرشاة ومعاجين مركبة من كذا وكذا.. لم يسلم أن ينسب إلى ما لا يرضى أحد أن ينسب إليه..

إلا أنه – أي الإسلام – أمرهم عوضاً عن ذلك باتخاذ عود الأراك مسواكاً، وذكر له في الروايات منافع هامة، أشرنا إليها في ما تقدم.

وإننا إذا ما أخذنا تلك المنافع وغيرها بنظر الاعتبار فإننا نحصل على القناعة التامة بأنه ليس من اللازم، بل ولا من الراجح العدول إلى الفرشاة ولا إلى المعاجين التي يدعى أنها تساعد على التنظيف والتعقيم والتطهير.. بل لابد من الاقتصار على عود الأراك؛ حيث قد أثبتت المختبرات الحديثة أن عود الأراك – الذي أمر به الإسلام – أفضل بكثير من الفرشاة؛ إذ " قد وجد أحد معامل الأدوية في ألمانيا مادة خاصة في المسواك المأخوذ من شجر الأراك، تكسب الأسنان مناعة على النخر، شبيهة بمادة: " الفلور"، وقاتلة للجراثيم.. ولوحظ أن نسبة نخر الأسنان لدى الذين يستعملون المسواك، أقل بكثير من الذين يستعملون فرشاة الأسنان. ومازال هذا المعمل يواصل بحوثه وتحرياته، ويحاول الاستفادة من هذه المادة، وإضافتها إلى معاجين الأسنان ".

أما الفرشاة: فليس فيها هذه المادة القاتلة للجراثيم؛ ولهذا ينصح الأطباء بوضع الفرشاة في الماء والملح، بعد تنظيف الأسنان بها، حتى يقضى بواسطة ذلك على الجراثيم العالقة، أو التي ربما سوف تعلق بها، وحتى لا تعود تلك المكروبات للفم مرة ثانية..

أما عود الأراك فكل ما علق أو يعلق به يقضى عليه بواسطة تلك المادة التي فيه، من دون حاجة إلى الماء والملح.. أو غير ذلك.. هذا إذا استطاع الماء والملح أن يقضي على جميع أنواع المكروبات، وذلك مما لم يثبت حتى الآن..

وأما بالنسبة لأوقات استعمال المسواك فقد ورد بالإضافة إلى ما تقدم من السواك حتى وضوء كل صلاة أو عند كل صلاة، أو عند قراءة القرآن، وأنه لا بأس بالاستياك في النهار أي وقت يشاء، وأيضاً بالإضافة إلى ما ورد من الإشارة إلى حسن الاستياك قبل النوم، وهو ما ينصح به الأطباء اليوم – بالإضافة إلى ذلك – قد ورد التأكيد على استعمال المسواك عند الاستيقاظ من النوم، والحكمة في ذلك واضحة؛ فإنه يقضي بذلك على الجراثيم التي تصل إلى الفم حال النوم؛ نتيجة لتلوث الهواء الذي يصل إليه بواسطة التنفس أو بدونه، وليقضي على ما تبقى منها، مما بقي يسرح ويمرح، ويفتك ويقوي نفسه في خلايا الفم الليل بطوله، بكل هدوء وراحة واطمئنان..

وأخيراً.. فلعل من الأمور التي لا تحتاج إلى بيان.. أن السواك في الحمام غير صحي ولا صحيح، لأن السواك عبارة عن تنظيف الخلايا والفجوات من الفضلات، فإذا تعرضت لجو الحمام الذي يزدحم بالمكروبات فإنها سوف تتعرف لغزو عنيف منها، ولسوف لا يمكن إخراجها بعد بسهولة ويسر، لاسيما وأنه وهو في ذلك الجو كلما أخرج فوجاً، استقر فوج آخر في مكانه واتخذ مواقعه، ولا يوجد هناك أي شيء يحجز هذه الميكروبات والجراثيم عن الوصول إلى الأمكنة الحساسة، حيث تبدأ عملها رأساً.. أما لو كان هناك لعاب؛ فإنه يمنعها إلى حد ما من الوصول إلى الأمكنة الحساسة؛ وذلك بسبب تغطيته لها، ولزوجته، التي يحتاج اختراقها إلى بعض الوقت؛ مضافاً إلى تبدله – أي اللعاب – وتغيره باستمرار، ولو بقى شيء منها مع هذا التبدل فإن النوبة الثانية لاستعمال السواك تكون قد أزفت.. وأما أثناء السواك في الحمام فاللعاب لا يصل إلى المناطق التي عليها المسواك، بل هي مكشوفة معرضة للعطب بأسرع ما يكون.. ومن هنا نعرف سر النهي عن منعهم (عليهم السلام) السواك في الحمام المعلل بأنه يورث وباء الأسنان.

ونفس هذا الكلام – تقريباً – يأتي بالنسبة إلى السواك في الخلاء فإن نفس تلك الرائحة عبارة عن جراثيم.. فإذا وصلت إلى الفم واستقرت فيه، وتناسلت، وتكاثرت؛ فإن النفس يبدأ بقذف الزائد منها إلى الخارج؛ فتلتقطه حواس الشم لدى الآخرين، مما يكون سبباً في تنفرهم وانزعاجهم.. ومن هنا نهوا (عليهم السلام) عن السواك في الخلاء.. وهكذا.. يتضح أخيراً: أن السواك يؤثر في مظهر الإنسان وفي سلامته البدنية بل وحتى النفسية والروحية والعقلية إلى آخر ما هنالك مما تقدم.. فما أحرانا إذن. أن نلتزم به، ونستفيد منه الكثير الكثير، مما عرفنا ومما لم نعرف بعد. وليس ما ذكرناه بالنسبة إلى ما لم نذكره والذي لا نعرفه إلا بمثابة غيض من فيض.. ولم يكن ما ذكرناه إلا بمثابة خطوة أولى على طريق التعرف على كافة الحقائق التي ترتبط بهذا الموضوع، الذي هو واحد من تلك التعاليم السامية، التي أهملناها، ولم نعد نلتفت إليها، وأصبحنا نستوردها – فيما نستورد – من أوربا وغيرها من مناطق العالم.. ولا يسعنا هنا إلا أن نذكر بقول الله عز وجل: ﴿ ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض.. ﴾.

جعفر مرتضى العاملي


  • المصدر : http://www.al-ameli.com/subject.php?id=141
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 02 / 06
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28