• الموقع : سماحة السيد جعفر مرتضى العاملي .
        • القسم الرئيسي : المؤلفات .
              • القسم الفرعي : المقالات والأبحاث .
                    • الموضوع : الإسلام وحقوق الإنسان .

الإسلام وحقوق الإنسان

فهرسة إجمالية لرسالة الحقوق للإمام زين العابدين عليه السلام

ألقيت في المؤتمر الفكري في طهران

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

الحديث عن حقوق الإنسان في الإسلام طويل ومتشعب، لا يمكن الالمام به ولا جمع أطرافه في عجالة كهذه، بل إن ذلك مما لا يتيسر إلا ثُلة كبيرة من المحققين والمفكرين، بعد دراسة مستوعبة وشاملة، لمئات، إن لم يكن لألوف النصوص القرآنية والحديثية والتاريخية الإسلامية، والمقارنة بينها، وفق الأسس والمعايير العلمية الصحيحة والمعترف بها.

 

ويمكن أن نخص بالذكر رسالة الحقوق، المروية عن الإمام زين العابدين، صلوات الله وسلامه عليه حيث يمكن اعتبارها نموذجاً فذاً، وجديراً بالدراسة، والاهتمام، سواء فيما تضمنته من علل وأحوال ومناشئ اقتضت شيئاً من الحقوق، أو بالنسبة للحقوق نفسها، بملاحظة تنوعها، واختلافها في أنفسها، أو في الآثار والنتائج.

 

وإذا أردنا أن نسجل هنا نظرة إجمالية وسريعة، فيما يرتبط بنظرة الإسلام في هذا المجال، وما تضمنته رسالة الحقوق المشار إليها، من دون ذكر للنصوص والمؤيدات، محيلين في ذلك على الرسالة المذكورة فإننا نجد:

أن الإسلام حين قرر الحقوق، كانت له نظرة أكثر شمولية واتساعاً، وأبعد من أن تتحدد بحدود هذا الإنسان.

 

فقرر ثبوت الحق لغير الإنسان أيضاًَ. فهناك:

حق الله، وحق الجوارح، كاللسان، واليد، والرجل، والبطن، والسمع، والبصر، وغير ذلك. وهناك حق الحيوانات، وهناك حق المال. وحق المركوب، والركوب.. الخ..

وهناك حق الأفعال، كحق الصلاة، والصيام، والهدي.

وحتى بالنسبة لحقوق الإنسان، نجدها كثيرة، ومختلفة، ومتنوعة باختلاف مواردها، ومناشئها.

فهناك: حق المؤمن على الله تعالى، وهناك حق المؤمن على المؤمن.

وهناك حقوق الرحم، كالولد، والأخ، والأب، والأم، والزوج، والزوجة.

وهناك حقوق الغير، كحق الإمام، والصاحب، والجار، والجليس، والشريك، والغريم، والمؤذن، والسائس، والعالم، والناصح، والمستنصح، والمتعلم.

وهناك حقوق أهل الذمة أيضاً. وحق الرعية.

إلى غير ذلك من عناوين، وموارد كثيرة لا مجال لتتبعها.

 

فنلاحظ هنا:

إننا لابد وأن ندرس هذه الحقوق من نواح مختلفة، فتارة ندرسها بملاحظة ما لها من دواع ومناشئ. وأخرى بملاحظة طبيعتها في أنفسها. وثالثة بملاحظة ما لها من آثار ونتائج. ولعل بيان ذاك الأمر الثاني يكفي لتوضيح الأمر الثالث والأخير، كما سنرى.

فإذا نظرنا إليها من الناحية الأولى.

 

فإننا نجدها قد جاءت على نحوين:

أحدهما: ما كان يستند إلى دواع ومناشئ ثابتة وراسخة، كالإنسانية، والأبوة والبنوة، والأخوة الرحيمة، وما إلى ذلك. فتتخذ الحقوق المترتبة عليه صفة الدوام والثبات، تبعاً لها. كما أنها في نفس الوقت لابد وأن تتخذ صفة العموم والشمول، تبعاً لشمولية مناشئها واستقطابها لسائر الأفراد.

وهذا النوع من الحقوق لا يختص بالإنسان، بل يثبت لغيره أيضاً.

وفيما يرتبط بالإنسان، فإنه إذا ثبت اشتراك الناس جميعاً في الإنسانية، وكونهم جميعاً لآدم، وآدم من تراب، كما ورد في الحديث الشريف، وكون بعضهم من بعض. فإن ذلك يوجب اشتراك الجميع في مستوى معين من الحقوق، لا يختلف ولا يتفاوت، فلا يكون ثمة لبني إسماعيل فضل على بني إسحاق، كما قال أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام، كما لا يكون ثمة فضل لعربي على عجمي، ولا لأبيض على أحمر، ولا لأحد على أحد إلا بالتقوى.

 

الثاني: ذلك النوع من الحقوق الذي ارتبط بمناشئ وأحوال متغيرة، وغير ثابتة. وهذا النوع على أنحاء:

فقد تكون تلك المناشئ والأحوال المتغيرة لا تمثل في نفسها قيمة أخلاقية معينة، سوى أنها حالة حياتية ذات صلة بالتكوين الاجتماعي العام، أو بغيره من أمور الحياة. وهي تتفاوت وتختلف في ظروفها ومناسباتها من فرد لآخر، ومن ظرف وحالة لأخرى.

وذلك من قبيل حقوق الجار، والجليس، والصديق، والناصح، وغير ذلك.

وقد فصل الإمام السجاد جانباً كبيراً مما يرتبط بهذا النوع في الرسالة المروية عنه. كما أنه عليه السلام قد صرح في أولها بما يشير إلى دواعيه ومناشئه، فقال:

"ثم الحقوق الجارية، بقدر علل الأحوال، وتصرف الأسباب..".

ونحو آخر منه تكون دواعيه ومناشئه ذات طابع طوعي اختياري، ويتصل بكمالات إنسانية، أو أخلاقية أو نحوها، وذلك من قبيل العالم، والإيمان وذي المعروف والمعلم، وغير ذلك.

 

ومن الواضح: أن الاهتمام بهذا الجانب، وجعله منشأ لحقوق معينة، من شأنه أن يرسخ الشعور بقيمة وأهمية هذه الكمالات والقيم، ويذكي الطموح إلى امتلاك هاتيك الخصائص.

وبالنسبة للناحية الثانية، أعني ملاحظة طبيعة تلك الحقوق في أنفسها، فإننا لا نستطيع أن نستوعب الملامح المختلفة والمتنوعة لها في عجالة كهذه، ولكننا نكتفي بالإشارة إلى التالي:

 

ألف ـ أن قسماً منها يهتم بتركيز الاحساس بالمسؤولية الاجتماعية، على أسس إيمانية. وأخلاقية متجذرة وراسخة، تنطلق من ثوابت عقائدية، وقناعات أساسية اهتمت رسالة الحقوق للتركيز على تربية الإنسان عقلاً وروحاً على إدراكها والتفاعل معها، ولاسيما على صعيد الحركة والواقع، بالإضافة إلى إعطاء الرؤية الصحيحة للمنطلقات والضوابط، التي لابد وان تحكم علاقات هذا الإنسان بالله سبحانه، ثم بإخوانه المؤمنين، ثم بنظرائه من سائر بني الإنسان، ثم سائر ما يحيط به، مما لابد له من التعامل معه، أو أن يسجل موقفاً تجاهه. مع وضوح الهدف، وسلامة وعمق النظرة للكون، وللحياة.

ثم هي تؤهله لمواجهة وحل ما يعترض طريقه من مشكلات، يمكن أن يعاني منها مجتمع يريد أن يحيا حياة الإباء، والكرامة، والبقاء والسلامة.

هذا كله عدا عن أنها تمنح هذا الإنسان بعد النظر، ودقة الملاحظة، وسلامة الإحساس، وحسن التقييم للواقع الذي يحيط به، ويفترض فيه أن يتعامل معه، بحسن روية، وبإدراك وتفهم عميقين لكل العوامل المؤثرة فيه، فيجمع بين حسن السلامة وسلامة المنطلقات والحفاظ على الغاية.

 

ب ـ كما أن قسماً آخر قد اهتم بأن يبني الإنسان من الداخل، من خلال شحنه عقائدياً وإيمانياً، ثم إعطائه الفرصة الكافية والأسلوب الأمثل، الذي يمكنه من أن يجعله يسير في الخط الصحيح على صعيد بناء الذات، بالشكل المتكامل والمتوازن وليجد الفرصة على صعيد بناء الذات، بالشكل المتكامل والمتوازن وليجد الفرصة ـ من ثم ـ متاحة لمواصلة السمو الروحي، والارتباط بالله سبحانه، من خلال العمل، والممارسة، القائمة على أساس الفهم الصحيح والسليم لما فرضه الله تعالى عليه من عبادات.

ولعل بالإمكان هنا تلمس الأهمية البالغة التي أولتها رسالة الحقوق للسلوكيات الشخصية، وضبط الأعمال الجوارحية، وتوجيهها بصورة صحيحة وسليمة، من خلال دراسة نصوصها المرتبطة بحقوق الجوارج، كحقوق اللسان، والسمع، والبصر، والبطن، واليد، والرجل.

هذا.. بالإضافة إلى ما زخرت به هذه الرسالة، من التأكيد على الالتزام بالأحكام الإلهية في مختلف المجالات.

 

ج ـ وهناك القسم الآخر من الحقوق التي تعرضت لها الرسالة، والذي يهتم بإيجاد حالة من المناعة في الإنسان، والتصلب في مواجهة المغريات، وإبعاده عن الرذائل، مع الحرص على إيجاد الدوافع الذاتية له في هذا المجال، عن طريق تحسيسه بنقاط الضعف والقوة الموجودة في نفسه، ثم إفهامه عواقب وآثار تلك الرذائل، والأخطاء، لينطلق إلى التخلص منها، بوعي، وقناعة وجدانية، تعينه على مواجهة المغريات، وعلى تصفية نفسه من كل النقائص، والخصال الذميمة، ومن كل ما من شأنه أن يحدث خللاً في مجمل مواقفه، ثم في مجمل علاقاته مع غيره، أياً كان ذلك الغير، وأياً كان موقعه.

 

د ـ ثم هناك ما يرتبط بتربية العواطف الإنسانية، لتكون المحرك والدافع، والوقود، الذي لابدّ منه في مجال دفع النظرية، إلى مجال الواقع، لتتحرك فيه، ولتكون – من ثم – حياة، وأسلوباً، وموقفاً، وسلوكاً في آن.

وبالنسبة للمجال الثالث، وهو آثار هذه الحقوق ونتائجها، فقد اتضح من البيان السابق، ولو بصورة جزئية، ولذا فلا نرى حاجة لإفراد القول فيه هنا.

وقيل أن نمضي في الحديث نرى من المناسب الإشارة إلى أمور لها مساس بهذا البحث وهي:

 

1 ـ إن ما ذكر من حقوق ومزايا للإنسان قد جاء على نحوين:

الأول: ما يعالج سلبيات التعامل مع الآخرين، ويهدف إلى التحفظ، وكبح الجماح، والمنع من التعدي، والحاق الأذى بالغير، ولو بصورة غير مباشرة، وهو ما نطلق عليه اسم " الحرمة " فجعل المؤمن أعظم حرمة من الكعبة، حسب ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام، كما ورد في الحديث أن من ردّ على مؤمن، أو طعن عليه، فقد رد على الله في عرشه، وليس من الله في ولاية.

بالإضافة إلى التحذيرات الكثيرة من الحقد عليه، أو اتهامه، أو غيبته، أو أن يقول له: أف.

 

والثاني: ما جاء على سبيل إثبات وظيفة، وجعل واجب وتكليف على عاتق الآخرين تجاه ذلك الغير، مثل أن من حق المؤمن على المؤمن: أن يشبع جوعته، ويفرج عنه كربته، ويقضي دينه. وأن يعوده إذا مرض، ويسلم عليه إذا ليقه. إلى آخر ما يدخل في هذا المجال.

ثم هناك ما يرتبط بأمور أخرى لسنا هنا بصدد الحديث عنها.

 

2 ـ قد اتضح من عرضنا السابق: أن كثيراً من الأمور، والمجالات مما لا تتعرض له القوانين والوثائق الحضارية المعترف والمعمول بها في العصر الحديث، ولا فكر فيها العلماء والمفكرون، ولا عرفوه في تشريعاتهم الحديثة لحقوق الإنسان.

 

3 ـ إن الإسلام قد جعل حقوق الناس ناشئة من حقوق الله سبحانه، كما ورد في أول رسالة الحقوق. كما أنه قد جعل هذه الحقوق متكافئة، فقد روي عن علي عليه السلام قوله: "... ثم جعل سبحانه من حقوقه حقوقاً افترضها لبعض الناس على بعض، فجعلها تتكافأ في وجوهها، ويوجب بعضها بعضاً، ولا يستوجب بعضها إلا ببعض" (ميزان الحكمة ج2 ص479و480).

 

4 ـ بل لقد جعل حق الناس مقدماً على حق الله سبحانه، فعن علي عليه السلام "جعل الله سبحانه حقوق عباده مقدمة على حقوقه ؛ فمن قام بحقوق عباد الله، كان ذلك مؤدياً إلى القيام بحقوق الله" (ميزان الحكمة ج2 ص479و480).

 

5 ـ إنه إذا كان ثمة مناشيء للحقوق تكون ثابتة، وأخرى متغيرة، مع ملاحظة اختلاف تلك الحقوق، وتداخلها، واختلافها من فرد لآخر. ومن ظروف لأخرى فقد يكون هناك إنسان تثبت له حقوق من حيث كونه إنساناً، ثم هو أب، أو أخ، وجار، وناصح، وعالم، ومؤمن، و.. و.. الخ.. ـ إنه إذا كان كذلك ـ فإن حقوقه لسوف تزيد وتختلف وتتفاوت تبعاً لمناشئها.

كما أن التفريط في هذه الحقوق لابد وأن يعتبر جريمة تختلف في حجم بشاعتها وفظاعتها باختلاف تلك الحقوق، كماً، ونوعاً، وأهمية أيضاً.

فقد يكون الاعتداء على شخص اعتداءً على الإنسانية، وعلى العلم، وعلى الإيمان، وعلى الأب، وعلى الجار، وعلى الناصح، و.. و.. الخ.. وجرم هذا أعظم من ذلك الذي يعتدي على الإنسان، فقط وعلى الإنسانية، وعلى الجار، دون سائر المناشئ والموارد الأخرى.

 

6 ـ وبعد.. فإن حجاج بيت الله الحرام، الذين كانوا كلاً أو بعضاً يجمعون الكثير من المناشئ والموارد، التي ثبتت لها حقوق ومزايا، لهو جريمة نكراء، وكبيرة جداً، لأن ذلك في الحقيقة عدوان على الإنسان المسلم والإسلام، وعلى المؤمن والإيمان، وعلى العابد والعبادة وفي الحجاج بالإضافة إلى ذلك: العالم، والكبير، والصغير، ثم هو اعتداء على ضيوف الرحمن.. الخ. ولا ذنب لهم إلا أن يقولوا: ربنا الله.

كما ان ذلك قد كان في الحرم، وفي الأشهر الحرم، وفي جوار بيت الله سبحانه. إلى غير ذلك من امور وصفات وفضائل وكمالات، ومزايا ومناشئ لحقوق فرضها الإسلام للإنسان انطلاقاً من ذلك.

فهم قد اعتادوا على إنسانية هؤلاء، وعلى كل الخصائص والمزايا والكمالات الإنسانية والأخلاقية وغيرها مما جعله الله سبحانه مناشئ لحقوق فرضها على الناس لهم.

 

فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

طهران – ليلة 12 جمادى الثانية 1408ﻫ.ق الموافق 12 بهمن 1366ﻫ.ش.

جعفر مرتضى العاملي

 


  • المصدر : http://www.al-ameli.com/subject.php?id=147
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 02 / 06
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19