• الموقع : سماحة السيد جعفر مرتضى العاملي .
        • القسم الرئيسي : النتاجات العلمية والفكرية .
              • القسم الفرعي : تقريظات ومقدمات كتب .
                    • الموضوع : مقدمة لكتاب ظلامه الزهراء فی روایات اهل السنه .

مقدمة لكتاب ظلامه الزهراء فی روایات اهل السنه

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين

وبعد.

فإننا نشهد في السنوات الأخيرة هجمة شرسة على أتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام، من دون أن يراعى رواد هذه الهجمة أدنى درجات الإنصاف، أو الموضوعية، فضلاً عن أن يراعوا الشكليات، أو أبسط آداب الخطاب؛ فإنَّ أظهر سمات خطابهم هذا هي الرعونة، والغلظة، والخشونة البالغة. رغم أن هؤلاء أنفسهم يبدون في غاية الانضباط والتواضع، والنعومة والرقة، حين يخاطبون غير الشيعة، حتى لو كانوا أشر الأشرار، وأعظم الفجار، من عتاة الصهاينة، وطواغيت الأرض، ومرتكبي المجازر العظمى في حق المسلمين في فلسطين وغيرها.

ولعل سبب حرصهم على التعبئة ضد شيعة أهل البيت ،أمران:

أحدهما: ظهور الشيعة كقوة سياسية مؤثرة، وقادرة على مقارعة قوى الاستكبار العالمي بصلابة وحنكة، ونجحت في بث الوعي - ليس فقط لدى عامة شباب الأمة ـ وأثارت الاهتمام بالإسلام، لدى المثقفين والمفكرين في أكثر بقاع الأرض، على اختلاف مللهم ونحلهم، وتوجهاتهم.

كما أن الشيعة قد حققوا إنجازات هامة جداً حين أقاموا دولة الإسلام في إيران، وعملوا على بنائها على أسس صحيحة وسليمة، وبلغوا خلال أقل من ثلاثة عقود درجات رفيعة من التقدم والرقي، لم تكن تمر في وهم أحد من الناس، رغم ما واجهته هذه الدولة من الحروب الصعبة والطويلة، ورغم الحصار المتواصل، والعراقيل الجمة التي لا يزال المستكبرون وأذنابهم يضعونها في طريق استقرار تلك الدولة الفتية.

ثانيهما: الثورة العارمة في عالم الإنترنت والكمبيوتر، فإنها استطاعت أن تسقط أسواراً هائلة كانت عقول الناس مسجونة في داخلها، وكانت ثقافاتهم، وعقلياتهم ومشاعرهم، ونفسياتهم، رهينة بيد فريق يتولى هو صناعتها وتكوينها، وصياغتها، وفق مواصفات معينة اختاروها على ما سواها.

فلا يصل إلى الناس إلا ما يختارون هم وصوله لهم، ولا يتعلمون ولا يعرفون إلا ما يريدون لهم أن يعلموه أو يعرفوه، ولا يحبون ولا يبغضون إلا من يسوقون لهم حبه أو بغضه.

نعم، لقد جاء الإنترنت ليطلق المارد الإنساني من أسره، وليسقط الأسوار التي كان العقل قد سجن خلفها، وقد أغرق الفريق الذي وضع نفسه موضع المناوئ للشيعة في استفادته من هذه الوسيلة في تغذية الحقد الطائفي، ونَشَر مئات إن لم يكن الآلاف من المواقع للتشنيع على الشيعة، وكيل التهم لهم.

أما الشيعة، فقد كانت استفادتهم من هذه الوسيلة محدودة ومتواضعة جداً بالقياس إلى حجم استفادة الطرف الآخر منها. ولكن ما قدموه من حقائق دامغة، ومن تراث حي قد فاجأ الآخرين، لما يرونه فيه من صدق وصفاء، ورونقٍ وبهاء، ومن انسجام تام مع ما تقضي به الفطرة، ويحكم به العقل السليم، وظهور موافقته لمعايير البحث العلمي الموضوعي والرصين.

واطَّلع الكثيرون على اعتقادات الشيعة، وفكرهم، وفقههم، وتاريخهم. وعرفوا مدى الظلم الذي نالهم من خصومهم.

وأفلت الزمام من يد الذين كانوا يهيمنون على عقول الناس، ويمنعونهم من قراءة فكر الشيعة، ويجهدون لمنعهم من الاتصال بهم، والسماع منهم، ويشككونهم بكل قول أو فعل يصدر عنهم، لقد أفلت الزمام، وأصبح بإمكان الشاب أن يقرأ ما يشاء، ويدع ما يشاء، وكثير منهم صار يعبر عن استيائه من التجهيل الذي مورس عليه، وعلى أهله وأحبائه من قبله.

فثارت ثائرة أصحاب الفكر الإقطاعي، وطاشت عقولهم، ودهشت ألبابهم، فصبوا جام غضبهم على الشيعة وعلى كل ما ينسب إليهم أو يأتي من قبلهم، وحيث إنهم كانوا يدركون ضعف حجتهم، وبوارها، فقد عملوا على إثارة الأحقاد، والعصبيات المذهبية، وعلى تعبئة أهل السنة عموماً، وشبابهم على وجه الخصوص ضد الشيعة، ليوجدوا حاجزاً نفسياً بينهم أولئك وهؤلاء، مستعينين بقاموس شتائمهم واتهاماتهم، التي أغدقوها على أتباع أهل البيت عليهم السلام بقسوة وغزارة.

ولكنهم حاولوا تطعيم ذلك كله بتهم باطلة، ألبسوها لباس الحق، وأعطوها سمة الدليل والحجة.

وظهروا على أولئك البسطاء، وهم يتأبطون كيساً يزعمون أنه مملوء بجواهر الحجج والبيّنات، وهو في الحقيقة مملوء بالأباطيل والترهات..

وهذا الكتاب الذي بين يدي القارئ الكريم المسمى بـ «ظلامة الزهراء في روايات أهل السنة» قد تكفل ببيان جانب من الزيف والزيغ الذي قدّمه أحدهم، وهو المسمى بـ «عبد الرحمن الدمشقية» للناس، زاعماً لهم أنه علم وهدى، وما هو في الحقيقة إلا عمى وردى.

وفق الله مؤلف هذا الكتاب، وهو العلاّمة الجليل الشيخ( يحيى عبد الحسن الدوخي)، وأثابه على عمله بما يثيب به أولياءه المخلصين، والعلماء العاملين، وسدده لكل خير وصلاح وفلاح، ونجاح. إنّه خير مأمول وأكرم مسؤول.

 

جعفر مرتضى العاملي

 

 

 

بيروت في 21 / 5 / 1428 هـ . ق

 

 

الموافق 7 / 6 / 2007 م. ش


  • المصدر : http://www.al-ameli.com/subject.php?id=234
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 03 / 28
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19