• الموقع : سماحة السيد جعفر مرتضى العاملي .
        • القسم الرئيسي : الأسئلة والأجوبة .
              • القسم الفرعي : الأسئلة القرآنية .
                    • الموضوع : اقعدوا لهم كل مرصد .

اقعدوا لهم كل مرصد

بسم الله الرحمن الرحيم

سماحة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي حفظه الله..

ما المراد من هذه العبارة: ﴿وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ﴾

نرجو من سماحتكم الإجابة..

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..

وبعد..

فقد قال تعالى عن المشركين الذين نكثوا عهدهم: ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾([1])، فقد أشارت هذه الآية المباركة إلى العديد من الأمور نذكر منها ما يلي:

1 ـ الحديث في هذه الآية عن المشركين المحاربين الذين سمح لهم بموجب عهد عقد معهم بأن يتجولوا في البلاد والمناطق، ولكنهم نقضوا العهد، واتبعوا سبيل الخيانة، فأجاز الله تعالى لنبيه أن يعود إلى حربهم، ولكن بعد انقضاء الأشهر الحرم، التي هي شهر رجب وذي القعدة، وذي الحجة، ومحرم..

2 ـ فدلنا عز وجل بذلك: على أنه لا يسوغ القتال في هذه الأشهر الأربعة حتى للعدو الناقص لعهده.. إلا في صورة مهاجمة العدو لأهل الإيمان، واضطرار المؤمنين للدفاع عن أنفسهم.

3 ـ إنه تعالى قد أجاز، بل أمر المؤمنين بقتال وقتل وأسر هذا العدو الناقض للعهد أينما وجد، فقال: ﴿وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ﴾([2]).

4 ـ وأمر أيضاً بإلقاء القبض على مقاتليه، فقال: ﴿فَخُذُوهُمْ﴾([3]).

5 ـ إنه تعالى أمر نبيه بحصر هؤلاء الناقضين للعهد في مناطق معينة، ومنعهم من التجوال في سائر المناطق فقال: ﴿وَاحْصُرُوهُمْ﴾([4]).. ولعل ذلك لمنعهم من الفساد والإفساد.

6 ـ أمر سبحانه أيضاً بسد المنافذ عليهم، ومراقبة تحركاتهم بقوله: ﴿وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ﴾. فإن الرصد للعدو هو القعود له على طريقه، لمراقبته، ثم لصده، أو أخذه إن أراد التحرك، فإن الراصد هو الذي يقعد بالمرصاد، والمرصد موضع الرصد. وهو المكان الذي يرصد فيه العدو..

7 ـ ويلاحظ هنا: أن الآية المباركة تؤكد على لزوم شمول واستيعاب المراقبة لجميع الطرق والمسالك، والمنافذ التي يمكن للعدو أن ينفذ منها..

8 ـ قالت الآية: ﴿وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ﴾، ولم تقل: كونوا في كل مرصد.. ربما لتشير إلى أن المطلوب هو الثبات والبقاء، في موضع الرصد بصورة دائمة ومتواصلة. وهذا يشير ضمناً إلى أنه لا يجوز التلهي بأي شيء عن المراقبة، فلا ينشغل الراصد بالحديث مع صديقه، ولا يستسلم إلى النوم، ولا يجوز أن يظن أن العدو ليس بصدد الاختراق والخروج من عزلته، ولا رغبة له بالتحرك من مكانه..

فإن هذا سذاجة قد تكون قاتلة..

9 ـ يلاحظ أيضاً: أنه تعالى لم يقل: اجعلوا الرقباء في مواضع الرصد. بل أمر الجميع بالقعود في جميع المراصد، ليدل على أن هذا الرصد هو مسؤولية الجميع، ولا يختص بفريق دون فريق..

مما يعني: أنه لا بد أن تبقى عيون الجميع مفتحة، وأن يبقى الجميع في حالة استنفار، ويقظةٍ وانتباه، كل في موقعه، وبحسب قدراته..

10 ـ إنه تعالى لم يقل: راقبوهم، بل قال: ﴿وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ﴾، ربما ليدلنا على أن فِرَقَ الرصد لا بد أن تكون مستعدة لمقاومة العدو أيضاً لمنعه من محاولة اختراق المنافذ، وأن تملك قدرة ووسائل قتالية، وتكون على استعداد للتضحية، فلا يكون مجرد مراقب، لا يملك أية قدرة أو خبرة أخرى..

11 ـ إنه تعالى لم يقل: اقعدوا لهم (في) كل مرصد، وكأنه يريد أن يفهمنا: أن المطلوب هو أن لا يجد العدو منفذاً أو طريقاً خالياً من مراقب، بل يجب أن يجد الرجال الذين يصدونه، ويسدون عليه الطرق والمسالك في كل اتجاه..

إن المطلوب هو أن تمتلئ المراصد بالرجال، ولا ينبغي أن تكون مجرد مواضع مراقبة، يتواجد فيها فرد واحد في كثير من الأحيان، بل المطلوب هو أن يكون في كل مرصد فريق يرصد، ويتصدى في آن واحد..

والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله..

27/2/1434 هـ.ق

بيروت ـ لبنان


([1]) الآية 5 من سورة التوبة.

([2])الآية 91 من سورة النساء، وراجع: الآية 191 من سورة البقرة.

([3]) الآية 91 من سورة النساء.

([4]) الآية 5 من سورة التوبة.

 

  • المصدر : http://www.al-ameli.com/subject.php?id=320
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 07 / 22
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29