• الموقع : سماحة السيد جعفر مرتضى العاملي .
        • القسم الرئيسي : الأسئلة والأجوبة .
              • القسم الفرعي : الأسئلة التاريخية .
                    • الموضوع : عمر عائشة أم المؤمنين.. .

عمر عائشة أم المؤمنين..

نحن نقول: إن أم المؤمنين عائشة (رض) عقد الرسول «صلى الله عليه وآله» عليها الزواج وهي فى السادسة من عمرها، ودخل بها وهي فى التاسعة من عمرها، ولكن الشيعة تعارض ذلك، فما هو دليلهم على ذلك؟!

نرجو أن توافونا بالإجابة على ذلك بالتفصيل، وبمزيد من أدلة من كتب السنة.


الجواب:

إن الشيعة ليس لهم قول خاص بهم بالنسبة لمقدار عمر عائشة، فلعل غيرهم ينسب إليهم هذا الأمر بدون حساب، غير أنني أقول:

أولاً: يروي ابن إسحاق: أن عائشة أسلمت بعد ثمانية عشر إنساناً فقط(1). وهذا يدل على أن إسلامها كان في أول سني البعثة، وعلى أن عمرها حين البعثة كان أكثر من تسع سنين، لأن الإسلام الذي يعتد به هو الذي يكون بعد سن التكليف، بل إن الناس كانوا يعدون من يكون في سن التاسعة أو العاشرة صغيراً، ولا يعتدون بإسلامه.. وهذا يشير إلى أنها حين أسلمت كانت بنظر الناس في سن يرون أنه يخولها أن تستقل بقرارها، وينسب الفعل إليها، فيقال: أسلمت، او لم تسلم.

فإذا أخذنا بما قاله ابن إسحاق، وكان «صلى الله عليه وآله» قد أقام بمكة ثلاث عشرة سنة، فإن عمرها يكون حين الهجرة ما بين عشرين إلى خمس وعشرين سنة، فما معنى قولهم: إنه تزوجها وهي بنت ست، ثم دخل بها سنة الهجرة، وهي بنت تسع سنين؟! فهل كانت قد أسلمت قبل أن تخلق بثلاث سنين مثلاً؟!

ثانياً: صرحت أسماء بأن عائشة قد أسلمت وهي صغيرة ـ وقد أشرنا إلى المراد بالصغر ـ حين إسلام أبيها لحظة رجوعه إلى منزله(2). وهم يقولون: إن أبا بكر أول من أسلم.. وإن كنا قد أثبتنا خلاف ذلك.

ثالثاً: صرحوا: بأن أسماء أخت عائشة قد ولدت قبل المبعث بسبع عشرة سنة(3). وإن أسماء كانت أكبر من عائشة بعشر سنوات(4).

فإن كان مرادهم: أن البعثة كانت قبل الهجرة بعشر سنوات، ولم يحسبوا السنوات الثلاث التي كانت الدعوة فيها سرية ـ كما يقولون ـ كما يدل عليه قولهم: إن أسماء ولدت قبل الهجرة بسبع وعشرين سنة(5). فإن عمر عائشة على هذا التقدير يكون حين البعثة أربع سنوات. وهو يعني: أن عمرها حين الهجرة كان سبع عشرة سنة، لا تسع سنوات كما يدعون.

ويمكن أن يصل عمرها إلى أكثر من ذلك لو استُدِّل بولادة أسماء، وأن عمر أبيها كان إحدى وعشرين سنة حين ولدت، وبالتالي يعني أنها ولدت قبل البعثة بسبع سنوات.

رابعاً: جزم الطحاوي: أن عمر فاطمة الزهراء «عليها السلام» كان حين وفاتها خمساً وعشرين سنة، فتكون ولادتها عنده قبل البعثة بسنة. ويقول كثيرون من غير الشيعة: إنها «عليها السلام» ولدت قبل البعثة بخمس سنين..

وبعد هذا نقول: هناك حديث عن النبي «صلى الله عليه وآله» يقول: عن فاطمة الزهراء «عليها السلام» إنها سيدة نساء العالمين. وعنه «صلى الله عليه وآله» أنه قال: لم يكمل من النساء إلا مريم ابنة عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام.

قال الطحاوي: «يحتمل أن يكون ما في هذا الحديث قبل بلوغ فاطمة، واستحقاقها الرتبة التي ذكرها رسول الله «صلى الله عليه وآله» لها..».

ثم قال: «وإن كل فضل ذكر لغير فاطمة، مما قد يحتمل أن تكون فضلت به فاطمة، محتملاً لأن يكون وهي حينئذٍ صغيرة، ثم بلغت بعد ذلك إلخ..»(6).

فكلامه هذا يدل على أن فاطمة «عليها السلام» كانت صغيرة حين كانت عائشة بالغة مبلغ النساء، فكيف يقولون: إن عائشة قد ولدت قبل الهجرة بتسع سنين، وفاطمة ولدت قبل البعثة بسنة واحدة، أو بخمس سنوات؟! فإن الأمر يجب ان يكون على عكس ذلك تماماً.

خامساً: إذا كانت عائشة قد ماتت سنة ثمان وخمسين، أو سبع وخمسين، وقد قاربت السبعين(7)، فذلك يدل على أنها ولدت سنة البعثة تقريباً.. فيكون عمرها حين الهجرة ثلاث عشرة سنة لا تسع سنوات.

سادساً: دلت النصوص على أن عائشة كانت متزوجة قبل رسول الله «صلى الله عليه وآله» بجبير بن مطعم، وأنه كان لها ولد اسمه عبد الله.. فقد صرحوا بما يلي:

ألف: قال ابن أبي مليكة: «خطب النبي «صلى الله عليه وآله» عائشة إلى أبي بكر، وكان أبو بكر قد زوجها جبير بن مطعم، فخلعها منه، فزوجها رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وهي ابنة ست سنين الخ..»(8).

ويلاحظ هنا:

أولاً: إن من غير المعقول أن يقدم النبي «صلى الله عليه وآله» على خطبة عائشة وهي متزوجة من رجل آخر، فالظاهر: أن أباها كان خلعها من زوجها الأول طمعاً بتزويجها من رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ثم زوجها رسول الله «صلى الله عليه وآله».

ثانياً: قوله: «وهي ابنة ست سنين» قد تقدم أنه غير دقيق.

ثالثاً: قوله: «فخلعها منه»، يتوافق في مضمونه مع الرواية التي تقول: «فطلقها».

ب: في نص آخر عن ابن أبي مليكة: خطب رسول الله «صلى الله عليه وآله» عائشة إلى أبي بكر الصديق، فقال: يا رسول الله، إني كنت أعطيتها مطعماً لابنه جبير، فدعني حتى أسلها منهم فاستسلّها منهم، فطلقها، فتزوجها رسول الله «صلى الله عليه وآله»(9).

ونقول:

أولاً: تقدم: عدم معقولية إقدام النبي «صلى الله عليه وآله» على خطبة امرأة متزوجة.

ثانياً: تصريح الرواية بوقوع الطلاق.. الدال على أنه قد كان هناك زواج.

ثالثاً: إن أبا بكر سعى في سلها ممن تزوجها.

ج: روي عن ابن عباس ما يقرب من الرواية السابقة، لكنه قال على لسان أبي بكر: يا رسول الله، قد كنت وعدت بها، أو ذكرتها لمطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، لابنه جبير، فدعني حتى أسلها منهم، ففعل، ثم تزوجها رسول الله «صلى الله عليه وآله». وكانت بكراً(10).

ونلمح في هذا النص:

1 ـ دلالة على أن أبا بكر كان هو الذي عرض ابنته على مطعم لصالح ولده جبير!!

2 ـ لم تذكر الرواية أيضاً: أن النبي «صلى الله عليه وآله» اعترض على اقتراح أبي بكر بأن يسلها منهم، بل ظاهرها أنه وافق على ذلك بسكوته.

د: إن بعض النصوص الأخرى أيضاً تحاول أن تتحاشى التصريح بتزويجها لجبير، والاكتفاء بالقول: بأنها كانت مسماة له، فسلها أبو بكر سلاً رفيقاً(11).

وفي بعضها: أنها كانت تذكر لجبير بن مطعم، وتسمى له(12). ونحوه غيره(13).

ونلاحظ: أن هذه التسمية للبنات على الأشخاص لم نسمع بها، أو على الأقل لم نعهدها في تلك المجتمعات.

هـ: لكن الرواية التي تذكر أنه قد كان لخولة بنت حكيم دور في هذا الموضوع تقول: إن أبا بكر لم يسلها من جبير، بل زوجها رسول الله «صلى الله عليه وآله» ابتداءً..

ويبدو: أنها قد اختصرت الحدث، ولخصته على طريقتها الخاصة، لأسباب لا تخفى على الناظر البصير، والناقد الخبير.

ونسجل هنا الملاحظات التالية:

1 ـ لقد كان المشركون من أشد الناس على المسلمين. ولا سيما في السنوات الأخيرة في مكة بعد موت أبي طالب، التي اضطر فيها المسلمون ثم النبي «صلى الله عليه وآله» إلى الهجرة إلى المدينة.. وكان في المسلمين في تلك السنين شباب يرغبون بالزواج، ويحتاجون إليه، فما معنى أن يعرض، أو يرضى أبو بكر بتزويج ابنته من مشرك في هذه الفترة العصيبة بالذات؟!

2 ـ ما معنى ما ورد في الروايات، من أن أبا بكر ذكر ابنته لمطعم بن عدي، لابنه جبير، أو أنها كانت مسماة له، أو أعطاه إياها، أو وعده بها، أو نحو ذلك؟!

هل كان من عادات أهل ذلك الزمان تسمية بناتهم، وهن صغار السن، لأزواج يختارونهم لهن؟! أم أن ذلك من خصوصيات عائشة التي كانت بعمر يقل عن ست سنوات حسب زعمهم؟!

3 ـ كيف يخطب الرسول «صلى الله عليه وآله»، أو كيف يطلب الزواج بامرأة متزوجة بالفعل؟! أو كيف يرضى بأن تسل من زوجها، أو بأن تطلق، أو بأن تخلع منه، بعد أن أخبره أبوها بأنها مسماة لرجل آخر، أو موعود بها، أو متزوجة به؟! فإنه إن كان «صلى الله عليه وآله» غير عارف بأمرها، فإن إخبار أبيها إياه بذلك كان ينبغي أن يحجزه عن الرضا باستلالها أو بطلاقها، أو بخلعها، وكان يجب أن يرفض النبي «صلى الله عليه وآله» حدوث ذلك أشد الرفض، ويقاومه أعظم المقاومة، فكيف وقد أعطاه مهلة لاستلالها، أو لطلاقها من زوجها!! إن ذلك من العار، أو على الأقل هو خروج عن حدود اللياقة، حتى لو لم يرد فيه نهي.

4 ـ إن بعض الروايات تزعم: أن أبا بكر قد فوجئ بخطبة النبي «صلى الله عليه وآله» لابنته، متوهماً أنها لا تحل لرسول لله «صلى الله عليه وآله» لكونها ابنة أخيه(14).

فإن كان المراد: أن الأخوة بالمؤاخاة تحرِّم هذا الزواج، فإن المؤاخاة قد حصلت في المدينة لا في مكة. كما أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد آخى علياً «عليه السلام»، ولم يؤاخ أبا بكر.

وإن كان المراد: أن الأخوة في الدين والإيمان هي التي تمنع من الزواج.. فإن عاقلاً لا يتوهم ذلك، وإلا لحرم على المسلمين أن يتزوج بعضهم من بعض، لأن الله يقول: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾(15). ولا ريب في أنهم قد تزوجوا من بعضهم طيلة تلك العشر سنوات التي قضوها في مكة. وكان أبو بكر حاضراً وناظراً، فما معنى هذا التوهم منه؟!

و: ومما يدل على أنها كانت متزوجة برجل آخر قبل رسول الله «صلى الله عليه وآله»: أنه كان لها ولد اسمه عبد الله.. ولا ريب في أنه لم يكن من رسول الله «صلى الله عليه وآله». ولكن الرواة الذين كانوا يسعون لتأكيد ما كانت عائشة نفسها تصر عليه، ويسوِّقه لها ابن أختها عروة بن الزبير، وسائر أتباعها ومحبيها، من أنها كانت هي الرقم الأهم والأصعب في بيت النبي «صلى الله عليه وآله»، وأنها تتفرد وتنفرد بكل الفضائل والامتيازات، وأنها وإن لم يكن لها ولد منه «صلى الله عليه وآله»، ولكنها هي أجمل نسائه، وهي أصغرهن، وأحظاهن عند الرسول «صلى الله عليه وآله»، وهي التي كانت بكراً، وسائر أزواجه «صلى الله عليه وآله» كن ثيبات.. وفيهن عجائز، وفيهن من لا ثقافة لها، ولا جمال عندها، ولا.. ولا.. الخ..

وقد جاءت النصوص التي أشارت إلى ولدها عبد الله مشوبة بتأويلات وتوضيحات ودفاعات من الرواة، وفق ما ينسجم مع رغبات عائشة، فلاحظ ما يلي:

1 ـ روى أبو داود وغيره بالأسانيد الصحيحة(16) عن عائشة: أنها قالت: يا رسول الله، كل صواحبي (أو كل نسائك، أو كنيت نساءك فاكنني، أو) لهن كنى.

قال: فاكتني بابنك عبد الله.

قال الراوي: يعني عبد الله بن الزبير، وهو ابن أختها أسماء بنت أبي بكر.

وكانت عائشة تكنى بأم عبد الله حتى ماتت.

أضاف أحمد والصنعاني، وأبو نعيم: قوله: ولم تلد قط(17).

2 ـ وفي نص آخر: أنه قال لها: اكتني بابنك، يعني عبد الله بن الزبير، فكانت تكنى أم عبد الله(18).

3 ـ وعنها قالت: كناني النبي «صلى الله عليه وآله» أم عبد الله، ولم يكن ولد لي قط(19).

4 ـ وقد حددت هي وقت تكنيتها بذلك، حيث روي عنها قولها: لما ولد عبد الله بن الزبير أتيت به رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فتفل في فيه، فكان أول شيء دخل في جوفه، وقال: هو عبد الله، وأنت أم عبد الله.

أضاف ابن حبان قولها: فما زلت أكنى بها، وما ولدت قط(20).

5 ـ وفي نص آخر عنها: أنها قالت: يا رسول الله، كل نسائك لها كنية غيري، قال: أنت أم عبد الله(21).

6 ـ وحسب نص الحلبية: أنه «صلى الله عليه وآله» قال لعائشة: «هو عبد الله، وأنت أم عبد الله.

قالت: فما زلت أكتني به، أي وكان يدعوها أماً، لأنه تربى في حجرها»(22).

7 ـ وروي تكنيها بأم عبد الله عن الإمام الصادق «عليه السلام» أيضاً(23). فراجع.

ونقول:

عائشة لم تلد لرسول الله ’:

تؤكد النصوص على أمرين:

أحدهما: أن عائشة كانت تكنى بأم عبد الله.

الثاني: أن عائشة لم تلد من رسول الله «صلى الله عليه وآله» قط، وأنه لم يكن منها، ولو قلامة ظفر منه.. كما قال ابن عباس(24). وقال لها رسول الله «صلى الله عليه وآله» حين وقعت بخديجة «عليها السلام»: «..ورزقني الله ولدها، وحرمني ولد غيرها. أو حرمني أولاد النساء»(25).

وفي نص: أنه «صلى الله عليه وآله» قال لها: «..وأنت ممن أعقم الله، فلم تلدي شيئاً»(26).

فظهر أن مرادها بقولها: «كناني النبي «صلى الله عليه وآله» أم عبد الله، ولم يكن ولد لي قط»(27). وقول هشام بن عروة، عن بعض أصحابه: كنى رسول الله «صلى الله عليه وآله» عائشة، ولم يولد لها قط(28). ونحو ذلك مما ورد فيه هذا الكلام(29). أنها لم تلد لرسول الله «صلى الله عليه وآله»، لا أنها لم تلد مطلقاً.

أما دعوى أنها ولدت من رسول الله «صلى الله عليه وآله» ولداً مات طفلاً(30).

ودعوى أنها أسقطت سقطاً يسمى عبد الله كانت تكنى به. قالوا: هذا مروي عنها بطرق كثيرة(31). فيكذبها ما روي عن النبي «صلى الله عليه وآله»: وأنت ممن أعقم الله فلم تلدي شيئاً(32).

ويزيد في الريب بصحة هذه المزاعم: أنها كلها ـ تقريباً ـ مروية عنها من طرق محبيها دون سواهم.. فلا يمكن تكذيب الرسول «صلى الله عليه وآله» في إخباره عن عقم رحمها، وتصديق مزاعم أي كان من الناس.

فذلكة البحث:

ويبدو لنا: أنها كانت محرجة في كنيتها الذائعة الصيت، فكانت تحاول التخلص والتملص من تبعاتها.. حيث يبدو: أن ولدها عبد الله كان قد مات. وكانت تحب أن تكون هي المرأة المتميزة بالألقاب عند الرسول.. فتريد أن تدعي: أنها كانت بكراً، وأنها كانت صغيرة ومدللة، وأنها أجمل نسائه، و.. و.. الخ.. ولكن كنيتها هذه تشهد بعدم صحة كثير من تلك الفضائل. ولأجل ذلك كانت هي ومحبوها يحاولون ادعاء أن المقصود بعبد الله هو ابن أختها، الذي لا يمكن أن تصح هذه الدعوى وغيرها من الدعاوى التي ترتبط فيه كما سنرى.

هل المقصود هو ابن الزبير؟!:

أوضحت رواية أبي داود المتقدمة برقم [1]: أن النبي «صلى الله عليه وآله» إنما قال لها: «فاكتني بابنك عبد الله»، وصرحت أيضاً: بأن الراوي هو الذي فسَّر كلام الرسول بهذا مدَّعياً أن مراد النبي «صلى الله عليه وآله» هو عبد الله بن الزبير.

كما أن الرواية المتقدمة برقم [2] عن البخاري في الأدب المفرد، وأحمد في مسنده، وابن الجوزي وغيرهم تقول: «اكتني بابنك، يعني عبد الله بن الزبير» وهذا أيضاً اجتهاد من الراوي.

كما أن الرواية المتقدمة برقم [6] قد تابع الراوي لها، أو صاحب السيرة الحلبية كلامه موضحاً للمراد تبرعاً من عند نفسه، فقال عن ابن الزبير: «وكان يدعوها أماً، لأنه تربى في حجرها».

أما الرواية المتقدمة برقم [4] فقد حددت أول مرة سمع فيها الرسول يطلق عليها هذه الكنية، وهي ساعة ولادة عبد الله بن الزبير، حيث جاءته به، فقال: هو عبد الله، وأنت أم عبد الله.

فإذا ضممنا هذه الرواية إلى الرواية التي تليها برقم [5] وتقول: إن عائشة قالت: يا رسول الله، كل نسائك لها كنية غيري، قال: أنت أم عبد الله.. فإن أموراً عديدة سوف تواجهنا:

فأولاً: إذا كانت تكنيتها بأم عبد الله حين ولادة عبد الله بن الزبير، فإنه ولد في نفس الشهر الذي انتقلت فيه عائشة إلى بيت الزوجية، وهو شهر شوال، قد أتت به إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» في نفس يوم ولادته، ولم تكن عائشة قد أخذته بعد كي تربيه، ويكبر، ويناديها بأمه كما زعم الحلبي في كلامه المتقدم برقم [6].

ولم يكن «صلى الله عليه وآله» قد تزوج سوى خديجة «عليها السلام» التي توفيت قبل ذلك بسنوات، وسودة بنت زمعة، ولا تعرف لزوجتيه هاتين أية كنية، فما معنى قول عائشة لرسول الله «صلى الله عليه وآله» ـ حسب الرواية المتقدمة برقم [5] ـ: كل نسائك لها كنية غيري؟!

أما سائر نساء النبي «صلى الله عليه وآله» بالرغم من أنهن أصبحن زوجاته بعد تكنية عائشة بأم عبد الله، فلم نجد لهن أية كنية، سوى ام سلمة، وأم حبيبة، وزينب بنت خزيمة أم المساكين. وكنية زينب بنت خزيمة إنما هي للدلالة على نشاط كان لها في إيصال الخيرات لأهل الحاجة.. فلا يمكن أن تكون هؤلاء النسوة الثلاث مقصودات بكلام عائشة. كما أنه لا يصح قولها: كل نسائك لها كنية غيري.

ثالثاً: إن دعوى عائشة: أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» قد تزوجها بكراً موضع ريب كبير، لأن المفروض أنه كان قد ولد لها ولد. كما دل عليه قول رسول الله «صلى الله عليه وآله»: اكتني بابنك عبد الله.

رابعاً: إذا كان «صلى الله عليه وآله» قد كناها بهذه الكنية يوم ولادة ابن الزبير، وفي نفس شهر انتقالها إلى بيت الزوجية، فلا أحد يتوهم أنها يمكن أن تلد في نفس شهر زفافها إلى زوجها، فما معنى هذا النفي الشامل، حيث قالت: «ولم يكن ولد لي قط»؟! ألا يدل هذا على أنها تريد أن تنفي الولد عن نفسها حتى من زوجها الأول، وهو جبير بن مطعم؟! تمهيداً لإنكار أصل الزواج منه، أو ادعاء أنه كان زواجاً من غير دخول، لكي يمكن ادعاء أنه «صلى الله عليه وآله» لم يتزوج بكراً غيرها. ثم ادعاء أنها كانت صغيرة السن، ولو بعمر ست سنوات، وكانت تلعب في الأرجوحة، وما إلى ذلك!!

مع أن الحقيقة هي: أنها كانت كبيرة السن، ربما ما بين العشرين إلى الخمس وعشرين سنة على الأقل(33)، وكانت متزوجة، وكان لها ولد، وكان اسمه عبد الله، وقد طُلِّقت وخُلعت، وسُلَّت من زوجها الأول، ثم عرضت على رسول الله «صلى الله عليه وآله» بواسطة خولة بنت حكيم.. ثم تصاعدت الادعاءات التي تنتهي في أكثرها إلى عائشة نفسها، فبلغت حدوداً لا تكاد تخطر على البال.

ثم توسع المحبون والحريصون على مصلحة أم المؤمنين في الشروح والتوضيحات كما رأينا.

خلاصة عن الكيد الإعلامي:

وبعدما تقدم نقول:

لقد أصبح واضحاً: أن النبي «صلى الله عليه وآله» قال: فاكتني بابنك عبد الله. ولم يقل لها:

ألف: اكتني بابنك عبد الله بن الزبير(34).

زاد الصالحي الشامي قوله: إن السبب في ذلك هو «أنها كانت استوهبته من أبويه، فكان في حجرها، يدعوها أما»(35).

ب: ولم يقل لها: اكتني بابنك عبد الله، فإن الخالة والدة(36).

ج: أو: تكني بابن أختك عبد الله(37).

د: ولا صحة لقول بعض المؤرخين: «كنيتها: أم عبد الله. كناها النبي «صلى الله عليه وآله» باسم ابن أختها عبد الله بن الزبير»(38).

فإن زيادة كلمة «ابن الزبير» في النص الأول، وكلمة: «فإن الخالة والدة» في النص الثاني.. قد جاءت من قبل الرواة، إما جرياً على ما ارتكز في أذهانهم.. وإما تبرعاً عمدياً بهدف دفع الإشكال، أو لاقتناعهم بالروايات التي تتحدث عن صغر سن عائشة، وأنها كانت بكراً لم تتزوج قبله «صلى الله عليه وآله».

وأما الرواية الأخيرة: التي أقحمت كلمة «ابن أختك» فهي موضع شك كبير أيضاً، بل إننا نرفضها ونردها، استناداً إلى الروايات الصحيحة المتقدمة التي صرحت: بأن التفسير قد جاء من الراوي، أو جاءت بكلمة: «يعني» حسبما أسلفنا.

وإذا أردنا أن نحسن الظن، فإننا نقول: إننا نحتمل احتمالاً قوياً أن يكون ثمة تصحيف لكلمة «جبير» بكلمة «زبير».. بسبب التشابه بين الكلمتين في مقام النطق، فيقع الخطأ في سماع الصوت بسبب اختلاط الحروف. فيكون قد قال لها: ابن جبير. ولم يقل لها: ابن الزبير.

فلا معنى لإطلاق القول: بأن النبي قد كناها بأم عبد الله بابن أختها ابن الزبير، كما فعله ابن الأثير مثلاً(39).

لا سيما وأن الرواية واحدة في نصوصها وفي أسانيدها.. وقد جاءت نصوصها الصحيحة بدون هذا التفسير. وصرحت: بأنه تفسير من قبل الرواة، ولم يرد على لسان النبي «صلى الله عليه وآله».

فحمل الكلام على ابن الزبير، كما فعله الدياربكري وغيره، لا يخرج عن السياق الذي أشرنا إليه، ولذا فإنه ليس له أية قيمة علمية، أو تاريخية.

والحمد لله، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله الطاهرين..


(1) السيرة النبوية لابن هشام ج1 ص271 وتهذيب السماء واللغات ج2 ص351 و 329 عن ابن أبي خيثمة في تاريخه، عن ابن إسحاق. والبدء والتاريخ ج2 ص146.

(2) كنز الفوائد للكراجكي ص124.

(3) المعجم الكبير ج24 ص77 وتايخ مدينة دمشق ج69 ص9.

(4) الإستيعاب ج2 ص616 وتاريخ مدينة دمشق ج69 ص8 و 9 وتهذيب الأسماء ج2 ص593 والسنن الكبرى للبيهقي ج6 ص204 وسير أعلام النبلاء ج2 ص295 وج3 ص380 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج1 ص82 وتهذيب التهذيب ج2 ص398 وسبل السلام للكحلاني ج1 ص39 والإكمال في أسماء الرجال للخطيب التبريزي ص148 وتاريخ الإسلام للذهبي ج5 ص354 والبداية والنهاية ج8 ص381 و 346 ومرقاة المفاتيح ج1 ص731 وراجع: أسد الغابة ج5 ص392.

(5) مجمع الزوائد ج9 ص260 وعمدة القاري ج2 ص93 والمعجم الكبير ج24 ص77 وتاريخ مدينة دمشق 69 ص9 وتهذيب الأسماء ج2 ص593 و 597 و 598 وأسد الغابة ج5 ص392 والمسانيد لمحمد حياة الأنصاري ج2 ص156 والإصابة (ط دار الكتب العلمية) ج8 ص14.

(6) مشكل الآثار ج1 ص52.

(7) المعارف لابن قتيبة (ط سنة 1390 هـ) ص59.

(8) المعجم الكبير ج23 ص26.

(9) الطبقات الكبرى لابن سعد ج8 ص59 وزوجات النبي لسعيد أيوب ص47.

(10) الطبقات الكبرى لابن سعد ج8 ص58 والمحبر ص80 و 81.

(11) أنساب الأشراف ج1 ص409.

(12) راجع: شرح النهج للمعتزلي ج9 ص190 وج14 ص22.

(13) صفة الصفوة ج2 ص15 والجامع لأحكام القرآن ج14 ص164.

(14) راجع: المعجم الكبير للطبراني ج23 ص23 و 24 وتاريخ الأمم والملوك (ط مطبعة الاستقامة) ج2 ص411 و 412 والمنتظم ج3 ص16 و 17 ومسند أحمد ج6 ص210 و 211 ودلائل النبوة للبيهقي (ط دار الكتب العلمية) ج2 ص411 و 412، وراجع: مجمع الزوائد ج9 ص225 و 227 و 226 عن الطبراني، وتاريخ الخميس ج1 ص305 والسيرة الحلبية ج1 ص348 وشرح الزرقاني على المواهب اللدنية ج4 ص381 و 382 عن أحمد، والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص139 و 140 والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص142 و 143 و 14 عن أحمد، والبيهقي، والبداية والنهاية ج3 ص131 و 132 و 133 وسبل الهدى والرشاد ج11 ص165 و 166.

(15) الآية 10 من سورة الحجرات.

(16) الأذكار النووية ص295.

(17) سنن أبي داود ج4 ص294 بعدة أسانيد، والأذكار النووية ص295 والمعجم الكبير للطبراني ج23 ص18 بعدة أسانيد، وكنز العمال ج16 ص424 ومسند أحمد ج6 ص107 و 213 و 151 وذكر أخبار إصبهان ج1 ص315 و 93 والمصنف للصنعاني ج11 ص42 وسبل الهدى والرشاد ج11 ص18 وراجع: الغدير ج6 ص315 والطبقات الكبرى لابن سعد ج8 ص64 و 63.

(18) الأدب المفرد ص125 وسبل الهدى والرشاد ج11 ص164 وصفة الصفوة ج2 ص15 ومسند أحمد ج6 ص186.

(19) المعجم الكبير ج23 ص18.

(20) سبل الهدى والرشاد ج11 ص164 والإحسان في تقريب صحيح ابن حبان ج16 ص54 و 55 وشرح الزرقاني على المواهب اللدنية ج4 ص392 و 393، عن ابن سعد، وابن حبان، وقال: وله طرق كثيرة عنها، وراجع: معرفة علوم الحديث ص190.

(21) مسند أحمد ج6 ص186.

(22) السيرة الحلبية ج3 ص314.

(23) راجع: الخصال (ط سنة 1389هـ طهران) ص419 وبحار الأنوار ج22 ص194 ووسائل الشيعة ج14 ص182 وتفسير نور الثقلين ج4 ص298.

(24) بحار الأنوار ج32 ص270 ورجال الكشي (ط جامعة مشهد) ص59 والدرجات الرفيعة ص109 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج6 ص229 ومعجم رجال الحديث ج11 ص249 ووسائل الشيعة ج20 هامش ص240 وجواهر المطالب في مناقب علي «عليه السلام» ج2 ص25 ومجمع النورين ص266 ومواقف الشيعة مع خصومهم ج1 ص169 وج2 ص40 وأحاديث أم المؤمنين عائشة ج2 ص249.

(25) راجع: الإستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة) ج4 ص287 و 286 وإسعاف الراغبين (مطبوع بهامش نور الأبصار) (ط العثمانية) ص85 و (ط السعيدية بمصر) وص90 ومسند أحمد ج6 ص118 وراجع: الإصابة ج4 ص283 وأسد الغابة ج5 ص438 وقاموس الرجال ج10 ص332 وبحار الأنوار ج16 ص12 عن كشف الغمة.

(26) الخصال ص404 و 405 وبحار الأنوار ج16 ص3 وشجرة طوبى ج2 ص233 ومستدرك سفينة البحار ج2 ص396.

(27) المعجم الكبير ج23 ص18.

(28) المعجم الكبير ج23 ص19.

(29) راجع على سبيل المثال: فيض القدير للمناوي ج1 ص90 (ط سنة 1391هـ بيروت) والبداية والنهاية ج5 ص315 ومسند أحمد ج6 ص151.

(30) سبل الهدى والرشاد ج11 ص164.

(31) كذا قال الصالحي الشامي، فراجع: سبل الهدى والرشاد ج11 ص164 و 18 عن ابن الأعرابي في معجمه، والأذكار النووية ص295 و 288 وراجع: البداية والنهاية ج5 ص315 وج8 ص99 وشرح الزرقاني على المواهب اللدنية ج4 ص392 وتاريخ الخميس ج1 ص358 والسيرة الحلبية ج3 ص314 والإصابة ج4 ص360.

(32) تقدمت مصادر ذلك.

(33) إذا أخذنا بالقول: أن أسماء ولدت وكان لأبيها إحدى عشر سنة، فإنه إذا كان كما يقولون: بأنه أسن من النبي، والنبي «صلى الله عليه وآله» ولد في عام الفيل، فيكون أبو بكر ولد قبل عام الفيل، وبالتالي تكون قد ولدت حسب هذا القول قبل البعثة بإحدى عشرة سنة. فيكون عمرها حين زواجها بالرسول «صلى الله عليه وآله» أربعة عشر سنة، إن لم نقل أكثر.. هذا إذا قلنا أن أباها كان أسن من النبي بسنتيت فقط.

(34) راجع: مسند أبي يعلى ج7 ص473 و 474 وكنز العمال (ط مؤسسة الرسالة) ج16 ص424 وج13 ص693 عن ابن سعد، والبيهقي، والحاكم، وأحمد، والطبراني، والآحاد والمثاني ج5 ص388 و 389.

وراجع: شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج9 ص190 وج14 ص22 ومسند أحمد ج6 ص260 ومسند ابن راهويه ج2 ص310 والإستيعاب (بهامش الإصابة) ج4 ص358 وسبل الهدى والرشاد ج11 ص164 وطبقات ابن سعد ج8 ص66 وشرح الزرقاني على المواهب اللدنية ج4 ص393 وزوجات النبي «صلى الله عليه وآله» لسعيد أيوب ص47 و 48.

(35) راجع: سبل الهدى والرشاد ج11 ص18 وراجع: شرح المواهب للزرقاني ج4 ص393 عن ابن إسحاق وغيره.

(36) الأدب المفرد ص125 وسبل الهدى والرشاد ج9 ص363 عنه وطبقات ابن سعد ج8 ص66 وشرح الزرقاني على المواهب اللدنية ج4 ص393 عن الروض.

(37) معرفة علوم الحديث ص190.

(38) تاريخ الخميس ج1 ص357.

(39) راجع: أسد الغابة ج5 ص502. وغيره.


  • المصدر : http://www.al-ameli.com/subject.php?id=325
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 07 / 22
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29