• الموقع : سماحة السيد جعفر مرتضى العاملي .
        • القسم الرئيسي : الأسئلة والأجوبة .
              • القسم الفرعي : الأسئلة العقائدية .
                    • الموضوع : نوح (عليه السلام ) وغرق ابنه. .

نوح (عليه السلام ) وغرق ابنه.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

نوح (عليه السلام ) وغرق ابنه:

السؤال :

 

يقول البعض في سؤال وجواب:

>كيف يمكن له أن يعيش لحظة الضعف أمام عاطفة البنوة، ليقف بين يدي الله ليطلب منه إنقاذ ولده الكافر، من بين كل الكافرين؟!

وكيف يخاطبه الله بكل هذا الأسلوب الذي يقطر بالتوبيخ والتأنيب؟ ويتراجع نوح، ليستغفر، ويطلب الرحمة لئلا يكون من الخاسرين<.

ويمكن لنا أن نجيب عن ذلك:

>إن المسألة ليست مسألة عاطفة تتمرد، ولكنها عاطفة تتأمل وتتساءل، فربما كان نوح يأمل أن يهدي الله ولده في المستقبل.

وربما كان يجد في وعد الله له بإنقاذ أهله ما يدعم هذا الأمل لأنه من أهله ولم يلتفت إلى كلمة: {إِلاَ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ}([1]) لأنها لم تكن واضحة<.

ويقول في موضع آخر عن نوح الذي كان السؤال يلح على قلبه:

>والحسرة تأكل قلبه على ولده أن الله وعده أن ينقذ أهله<([2]).

 

إلى أن قال:

>ولم ينتبه إلى كلمة: {إِلاَ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ} فأقبل إلى ربه بالنداء الخ..< ([3]).

فهل هذا الكلام صحيح؟؟


الجواب :

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطاهرين..

 

وبعد..

فإن هذا الكلام لا مجال لقبوله، وذلك لما يلي:

أولاً: إنه ليس ثمة من دليل ملموس يدل على أن نوحاً × كان يعلم بكفر ولده، فلعله كان قد أخفى كفره عن أبيه، فكان من الطبيعي أن يتوقع × نجاة ذلك الولد الذي كان مؤمناً في ظاهر الأمر، وذلك لأنه مشمول للوعد الإلهي، فكان أن سأل الله سبحانه أن يهديه للحق، ويعرفه واقع الأمور، فأعلمه الله سبحانه بأن ولده لم يكن من أهله المؤمنين، وأنه من مصاديق {مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ} فتقبل نوح × ذلك بروح راضية([4]).

ولعلك تقول: كيف يجهل نوح× هذا الأمر، ألا يضر ذلك بنبوته وبشاهديته على أمته؟!

ويجاب: بأن الأنبياء إنما يتعاملون مع غيرهم وفقاً للعلوم التي ينالونها بالطرق العادية، لا بعلم النبوة.. ولعل الله سبحانه قد أراد أن يظهر هذا الأمر للناس.. ليكون ذلك درساً وعبرة لهم.

ثانياً: إنه ليس ثمة ما يدل على أن نوحاً × قد عاش الحسرة على ولده، من حيث إنه ولده.. فإن الأنبياء ^ يعيشون الحسرة على الكافرين لما يفعلونه بأنفسهم، لا لقرابتهم منهم.

والشاهد على ذلك ما حكاه القرآن عن نبينا الأكرم ، حيث خاطبه الله تعالى:

بقوله: {فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ}([5]).

ويقول: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً}([6]).

ويقول: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلاَ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}([7]).

غير أننا إن تأكد لدينا أن نوحاً × كان واقفاً على كفر ولده، فإن من المعقول والمقبول جداً فهم موقف نوح، على أنه × قد أراد أن يفهم الناس الذين نجوا وهلك أبناؤهم وآباؤهم وإخوانهم وأحباؤهم، أراد أن يفهمهم من خلال الوحي الإلهي: أن لا خصوصية لمن نجا من أهل نوح ×، كما لا خصوصية لمن هلك منهم ومن غيرهم، إلا ما يدخل في دائرة الإيمان، فلهم النجاة، أو في دائرة الكفر فلهم الهلاك..

وأراد أن يفهمهم أيضاً أن القضية قد نالت فيمن نالت حتى نبي الله نوحاً × في ولده.. وأن هلاك ذلك الولد لم يكن فيه خلف للوعد الإلهي، لأن المقصود بالأهل الذين صدر الوعد بنجاتهم هم أهله المؤمنون.

ثالثاً: إذا راجعنا الآيات نفسها، فلا نجد فيها أنه × يطلب من ربه نجاة ولده، بل فيها أنه × قد اعتبر رحمة الله ومغفرته هي الربح الأكبر، وبها تكون النجاة من الخسران.

ولأجل ذلك نجده × قد قال: {إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي}([8]) توطئة للرد الإلهي الذي سيحدد خصوصية الأهل الموعود بنجاتهم، وهم المؤمنون، دون الكافرين.. حيث قد سبق القول بإهلاك الكافرين سواء أكانوا من أهل نوح × أو من غيرهم.

رابعاً: بالإضافة إلى ما تقدم نقول: إن نوحاً × قد طلب من ولده أن يركب معهم، فقال:

{يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلاَ تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ، قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلاَ مَنْ رَحِمَ}([9]).

وهذا ـ أعني قوله تعالى: {وَلاَ تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ}([10]) يشير إلى أنه يراه مؤمناً، وأنه هو الذي رفض الركوب معهم، وعرض نفسه للهلاك مع علم نوح × بأن التخلف عن ركوب السفينة معناه التعرض للهلاك المحتم، وكان هذا هو خيار ولده نفسه..

ثم أشار × إلى ما يفيد أنه لم يكن بصدد طلب نجاة ولده، ولا كان يتهم الله تعالى بخلف وعده، حيث صرح × أن وعد الله هو الحق..

وقبل أن يتقدم بأي طلب من الله كان التعليم الإلهي له: أن لا يسأله ما ليس له به علم.

إذن، فهناك شيء لم يكن نوح × مطلعاً عليه، حسب دلالة الوحي الإلهي، فجاءت استجابة نوح × لتؤكد على أنه × لم يسأله، ولن يسأله في المستقبل:

{فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ، قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ}([11]).

ثم جاء قوله ×: {وَإِلاَ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ}([12])، فقد يدعى أنه تعالى أراد أن يؤكد هذه الحقيقة، حيث إنه قد استعمل كلمة >لا< ولم يستعمل كلمة >لم<، ربما ليفيد أنه لا يتحدث عن الماضي، حيث لم يصدر منه ما يحتاج إلى ذلك، بل هو يتحدث عن المستقبل.

وقد يقال أيضاً: ان هذا التعبير يتضمن إشارة إلى أن طلب الأنبياء للمغفرة، إنما يراد منه طلب دفع المعصية عنهم، لا رفعها، كما هو معلوم عند أهله..

خامساً: إنه ليس ثمة ما يدل على أن نوحاً ×، لم يلتفت إلى كلمة {إِلاَ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ}([13]) أو أن هذه الكلمة لم تكن واضحة حين الوحي، علماً أن ذلك يخالف العصمة في البلاغ وفي التبليغ، وهي أمر عقلي، مسلّم وقطعي، عند جميع المسلمين، وليس في الآيات أيضاً: أن نوحاً × قد عاش الحسرة على الكافر، حتى لو كان ذلك الكافر هو ولده بالذات.

سادساً: وأخيراً، هناك الكثير من الاحتمالات التي تتحملها الآيات بحيث تكون بعيدة عن وصم الأنبياء ^ بهذه النقائص، ولا تتنافى مع >بلاغة القرآن<، فلماذا اختيار التفاسير التي تظهر أو تنسب نقيصة للنبي أو الولي، دون غيرها من التفاسير التي تنزههم عن مثل هذه النقائص؟!

 

والحمد لله رب العالمين.



([1]) سورة هود 40.

([2]) راجع: من وحي القرآن ج12 ص 79 و80 الطبعة الأولى.

([3]) راجع: الحوار في القرآن ص230 ط سنة 1399هـ . ق..

([4]) ودعوى: أن نوحاً كان يريد من ولده أن يؤمن ويركب معه ليكون في جملة أهله الذين لم يسبق عليهم القول.. فيكون عالماً بكفره.. لا يمكن قبولها؛

أولاً: لأن نوحاً طلب من ولده أن يركب معهم، مع نصيحة له بأن لا يكون مع الكافرين، ولم يقل له >لا تكن من الكافرين<.

ثانياً: إن نوحاً قد خاطب الله سبحانه في ولده، لكي ينجيه له.. ولم يطلب من ولده أن يؤمن.. وقد كان من المناسب أن يوجه الخطاب لولده فقط، وأن يطلب منه الإيمان، لامجرد الركوب معهم.

ثالثاً: إن ابن نوح لم يقل لأبيه إنه سيبقى مع الكفار، ولا أنه يوافقهم في الدين بل ادعى له أنه سيأوي إلى جبل يعصمه من الماء.. وفي ذلك تعمية وتستر على موضوع كفره أمام والده، حيث لم يعترف له بأنه من الكفار، بل لم يعترف له حتى بأنه سيكون مع الكافرين أيضاً.. بل ابعد نفسه عنهم بقوله: إنه سيأوي إلى ذلك الجبل.

ثانياً: إنه ليس ثمة ما يدل على أن نوحاً × قد عاش الحسرة على ولده، من حيث إنه ولده.. فإن الأنبياء ^ يعيشون الحسرة على الكافرين لما يفعلونه بأنفسهم، لا لقرابتهم منهم.

والشاهد على ذلك ما حكاه القرآن عن نبينا الأكرم ، حيث خاطبه الله تعالى:

بقوله: {فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ}([1]).

ويقول: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً}([2]).

ويقول: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلاَ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}([3]).

غير أننا إن تأكد لدينا أن نوحاً × كان واقفاً على كفر ولده، فإن من المعقول والمقبول جداً فهم موقف نوح، على أنه × قد أراد أن يفهم الناس الذين نجوا وهلك أبناؤهم وآباؤهم وإخوانهم وأحباؤهم، أراد أن يفهمهم من خلال الوحي الإلهي: أن لا خصوصية لمن نجا من أهل نوح ×، كما لا خصوصية لمن هلك منهم ومن غيرهم، إلا ما يدخل في دائرة الإيمان، فلهم النجاة، أو في دائرة الكفر فلهم الهلاك..

وأراد أن يفهمهم أيضاً أن القضية قد نالت فيمن نالت حتى نبي الله نوحاً × في ولده.. وأن هلاك ذلك الولد لم يكن فيه خلف للوعد الإلهي، لأن المقصود بالأهل الذين صدر الوعد بنجاتهم هم أهله المؤمنون.

ثالثاً: إذا راجعنا الآيات نفسها، فلا نجد فيها أنه × يطلب من ربه نجاة ولده، بل فيها أنه × قد اعتبر رحمة الله ومغفرته هي الربح الأكبر، وبها تكون النجاة من الخسران.

ولأجل ذلك نجده × قد قال: {إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي}([4]) توطئة للرد الإلهي الذي سيحدد خصوصية الأهل الموعود بنجاتهم، وهم المؤمنون، دون الكافرين.. حيث قد سبق القول بإهلاك الكافرين سواء أكانوا من أهل نوح × أو من غيرهم.

رابعاً: بالإضافة إلى ما تقدم نقول: إن نوحاً × قد طلب من ولده أن يركب معهم، فقال:

{يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلاَ تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ، قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلاَ مَنْ رَحِمَ}([5]).

وهذا ـ أعني قوله تعالى: {وَلاَ تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ}([6]) يشير إلى أنه يراه مؤمناً، وأنه هو الذي رفض الركوب معهم، وعرض نفسه للهلاك مع علم نوح × بأن التخلف عن ركوب السفينة معناه التعرض للهلاك المحتم، وكان هذا هو خيار ولده نفسه..

ثم أشار × إلى ما يفيد أنه لم يكن بصدد طلب نجاة ولده، ولا كان يتهم الله تعالى بخلف وعده، حيث صرح × أن وعد الله هو الحق..

وقبل أن يتقدم بأي طلب من الله كان التعليم الإلهي له: أن لا يسأله ما ليس له به علم.

إذن، فهناك شيء لم يكن نوح × مطلعاً عليه، حسب دلالة الوحي الإلهي، فجاءت استجابة نوح × لتؤكد على أنه × لم يسأله، ولن يسأله في المستقبل:

{فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ، قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ}([7]).

ثم جاء قوله ×: {وَإِلاَ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ}([8])، فقد يدعى أنه تعالى أراد أن يؤكد هذه الحقيقة، حيث إنه قد استعمل كلمة >لا< ولم يستعمل كلمة >لم<، ربما ليفيد أنه لا يتحدث عن الماضي، حيث لم يصدر منه ما يحتاج إلى ذلك، بل هو يتحدث عن المستقبل.

وقد يقال أيضاً: ان هذا التعبير يتضمن إشارة إلى أن طلب الأنبياء للمغفرة، إنما يراد منه طلب دفع المعصية عنهم، لا رفعها، كما هو معلوم عند أهله..

خامساً: إنه ليس ثمة ما يدل على أن نوحاً ×، لم يلتفت إلى كلمة {إِلاَ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ}([9]) أو أن هذه الكلمة لم تكن واضحة حين الوحي، علماً أن ذلك يخالف العصمة في البلاغ وفي التبليغ، وهي أمر عقلي، مسلّم وقطعي، عند جميع المسلمين، وليس في الآيات أيضاً: أن نوحاً × قد عاش الحسرة على الكافر، حتى لو كان ذلك الكافر هو ولده بالذات.

سادساً: وأخيراً، هناك الكثير من الاحتمالات التي تتحملها الآيات بحيث تكون بعيدة عن وصم الأنبياء ^ بهذه النقائص، ولا تتنافى مع >بلاغة القرآن<، فلماذا اختيار التفاسير التي تظهر أو تنسب نقيصة للنبي أو الولي، دون غيرها من التفاسير التي تنزههم عن مثل هذه النقائص؟!

 

والحمد لله رب العالمين.

جعفر مرتضى الحسيني العاملي



([1]) سورة فاطر 8.

([2]) سورة الكهف 6.

([3]) سورة الشعراء 3.

([4]) سورة هود 45.

([5]) سورة هود 42 / 43.

([6]) سورة هود 42.

([7]) سورة هود 46.

([8]) سورة هود 47.

([9]) سورة هود 40.


([5]) سورة فاطر 8.

([6]) سورة الكهف 6.

([7]) سورة الشعراء 3.

([8]) سورة هود 45.

([9]) سورة هود 42 / 43.

([10]) سورة هود 42.

([11]) سورة هود 46.

([12]) سورة هود 47.

([13]) سورة هود 40.

 


  • المصدر : http://www.al-ameli.com/subject.php?id=402
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 01 / 06
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19