• الموقع : سماحة السيد جعفر مرتضى العاملي .
        • القسم الرئيسي : الأسئلة والأجوبة .
              • القسم الفرعي : الأسئلة العقائدية .
                    • الموضوع : هل أوكل الله الخلق إلى غيره؟! .

هل أوكل الله الخلق إلى غيره؟!

بسم الله الرحمن الرحيم

 

بعد الصلاة على أشرف الخلق وأفضلهم محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين..

أتوجه إلى سماحتكم الموقرة، وعلمكم المتصدي للبدع، والمدافع عن عقائد مذهب الحق حسب التكليف الملقى على عاتق صاحب كل علم >إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يظهر علمه وإلا فعليه لعنة الله<([1]) وبما أنكم من العاملين والمتصدين الذين لا يخافون في الله لومة لائم في إظهار الحق، ودحض البدع, أسأل الله جلّ وعلا شأنه أن يزيدني من علمكم علماً أنتفع به بإذن الله.

سماحة السيد أطال الله بعمركم الشريف..

في موضوع خلق الخلق بأكمله، هل المولى جلّ وعلا شأنه محتاج إلى التدخل بكل تفصيلاته بصورة مباشرة، أي تكون بيده >كتعبير مجازي< دون وكيل؟!.. إذ لا يليق هذا الأمر بغير الله جلّ وعلا شأنه..

أم أنه قد أوكل هذا الأمر إلى محمد وآل بيته عليهم أفضل الصلاة والسلام؟!.. دون أن تنفي هذه  الوكالة عنه أنه صاحب الفعل أي خالق الخلق لأنه قد تم بأمره..

مثلا إن الله هو المميت، لكن ملك الموت هو الموكل من قبل الله جلّ وعلا شأنه، وهذه الوكالة لا تنفي عن الله أنه صاحب الأمر إذ لا سلطة لملك الموت دون إرادة الله.

فهل نستطيع بهذه المقارنة أن نستدل على أن المولى جلّ وعلا شأنه قد أوكل خلق الخلق إلى أحب عباده، محمد وآلـه صلوات الله عليهم، دون أن تنزع عنه هذه الوكالة صفة الخالق لأنه صاحب الإرادة..

أخيراً.. أعتذر عن تضييع وقتكم الذي تفنوه في خدمة الدين وتبيان الحق..

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..


الجواب :

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..

وبعد..

فإن الله عز وجل، غني عن خلقه، قادر على كل شيء.. ولا يحتاج الله سبحانه إلى شيء، فلا يصح قولكم: هل يحتاج الله في خلق الخلق إلى التدخل في كل تفصيلاته بصورة مباشرة، بحيث يكون هو المباشر للخلق، فإن الجواب هو: لا، بل إن الأمر في ذلك إليه سبحانه، وليس هناك ما يحتم على الله سبحانه أي شيء..

ولكن المهم هو أن يكون هناك دليل على أن الله سبحانه قد أذن لأحد من خلقه بأن يمارس أمر الخلق والرزق.. كما أذن لملك الموت بقبض أرواح البشر. وكما أذن للمدبرات أمراً بالتدبير في بعض المجالات.. وكما أذن للنبي عيسى× بأن يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص..

وقد قال الله تعالى، حكاية عن النبي عيسى×: {أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ وَأبْرِئُ الأكْمَهَ وَالأبْرَصَ وَأحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللهِ وَأنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ}([2]).

وقال تعالى مخاطباً للنبي عيسى ×: {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي}([3]).

فترى أنه× قد نسب الخلق إلى نفسه، فقال: {أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ}.. وقد نسبه الله سبحانه إلى غيره في مورد آخر، كما يشعر به قوله تعالى: {فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}([4]).

وحين يأذن الله لملك الموت بقبض الأرواح، فإن الأمر لا يكون من باب التوكيل له على نحو يكون هناك استقلالية للوكيل في الفعل والإيجاد، بل دور الملائكة في التدبير، كما يقول العلامة الطباطبائي، هو أنه حين تتنازع الأسباب في الأشياء وجوداً وعدماً وبقاء وزوالاً، وفي مختلف أحوالها. فإن الملك يقرب بعض تلك الأسباب، لتكون هي في موقع التأثير، وفقاً للحكمة، واستجابة للإرادة الإلهية فيقع ما أراده الله سبحانه([5])..

وبالنسبة للنبي عيسى × أو لغيره، فإن ملك الموت لا يحقق الموت بذاته، كما أن النبي عيسى × لا يخلق الأشياء بذاته، بل إن الله سبحانه هو الذي يفيض عليها الوجود، فإرادة النبي عيسى ×، هي من مبادئ الإرادة الإلهية..

وفي جميع الأحوال نقول: إنه إن كان تعالى قد أوكل أمر الخلق إلى محمد ’ وآل محمد ^، فلا بد أن يكون على هذا السبيل، ولكن المهم هو أن يوجد الدليل القاطع الدال على هذا الأمر، ولا نجد فيما بين أيدينا ما يمكن الاعتماد عليه في إثبات ذلك..

والحمد لله والصلاة والسلام على محمد وآله..

جعفر مرتضى الحسيني العاملي



([1]) الغيبة للطوسي، ص64 ، وأمالي المفيد، ص122.

([2]) آل عمران، الآية49.

([3]) المائدة، الآية110.

([4]) المؤمنون، الآية14.

([5]) راجع: تفسير الميزان ج20 ص181 و182.


  • المصدر : http://www.al-ameli.com/subject.php?id=480
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 03 / 08
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20