• الموقع : سماحة السيد جعفر مرتضى العاملي .
        • القسم الرئيسي : الأسئلة والأجوبة .
              • القسم الفرعي : متفرقات .
                    • الموضوع : الإسلام والرق .

الإسلام والرق

السؤال(418):

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

ما هي الأَمَة في الإسلام؟ وما تعريفها؟

وهل يوجد الآن إماء؟

وما حكمهن الآن في الدين الحنيف؟

وهل الحكومات الإسلامية، بشكل عام، تتعاطى ضمن حكمها بهذه المسائل؟..

أشكر لكم الإجابة، لأنني مبتل بهكذا أسئلة، وأنا أعيش في أوروبا ومن الواجب علي أن أعطي الجواب الصحيح، وإلا فيجب عدمه..

إن إجابتكم سوف يكون فيها الكثير من المساعدة في نشر الدعوة الإسلامية..

وأعتقد بأن المسألة أعلاه، لها فتاوى من كافة المراجع الشيعية أعلا الله مقامهم..

بكل محبة واحترام..

 

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..

فقد كان الرق شائعاً في المجتمعات البشرية، وقد جاء الإسلام العزيز ولم يعلن إلغاء هذه الظاهرة، لكنه قد هيأ سبل الحرية لمن نال شرف الإيمان من الأرقاء، وفتح لهم أبوابها، وفق نظام حقوقي وعبادي ملزم ودقيق.

وأما أهل الكفر والطغيان منهم، فإنه لم يتدخل في شأنهم، ما دام أنهم لا يرضون بحكمه، ولا ينقادون لأمره، وربما يتخذون ذلك الإعلان منه ـ لو حصل ـ ذريعة للإضرار به، والتقوِّي عليه..

وقد أدت سياسة الإسلام تجاه الرق إلى انحسار هذه الظاهرة، واختفائها من المجتمعات الإسلامية، إلى حد أنك لم تعد تسمع أو تحس بها في أي من الأقطار الإسلامية على مساحة الكرة الأرضية بأسرها.

إن الإسلام قد أثار في وجدان الأمم والشعوب بصورة مباشرة وغير مباشرة حالة من الرفض والتنفر من هذا الأمر، حتى أصبحوا يرونه أمراً معيباً، ويمثل وصمة عار لا يرضونها لأنفسهم..

وقد كانت معالجة الإسلام لهذا الموضوع خاضعة لمنظومة من القيم والمفاهيم الإيمانية، مرتكزة إلى نظرته للكون وللإنسان.

وأهم ما ترتكز إليه، هو التوحيد الخالص، والسعي لتحقيق الأهداف الإلهية من الخلق والحياة.

وهذا هو السبب في الاختلاف والتميز للنظرة الإسلامية عن نظرة سائر الأمم والشعوب لهذا الأمر، سواء في دائرة مبررات ودواعي الرفض، أم في وسائل وأساليب التعاطي والممارسة، والمعالجة لظاهرة الرق بصورة عامة..

ونستطيع أن نوضح ذلك بعض توضيح، بأن نقول:

إن الإسلام يقول: إن كل ما في الوجود ملك لله سبحانه، وكل الخلق عبيد له، وله دون غيره أن يتصرف في خلقه كيف يشاء، ولا يمكن أن يظلمهم في أي ظرف وحال، وما ربك بظلام للعبيد..

وقد فرض الله على العباد طاعته، لا لحاجة له إلى ذلك، بل لأجل أن يصلحهم ويوصلهم بهذه الطاعة إلى الكمال والسعادة، وليمنعهم من إفساد حياة الآخرين، ومن العدوان على سائر المخلوقات والموجودات ومن العبث بمنجزاتهم، وإبطال دورها في بناء الحياة، وفي إيصال هذا الكون إلى كماله..

فإذا كان هناك إنسان يريد أن يمارس هذا التخريب، فلا بد من منعه، ومن تقييد حركته وضبطها، ومن إصلاح مواضع الخلل فيه، ثم إعادته إلى ساحة العمل، ليسهم بدوره فيما أهَّله الله تعالى للإسهام فيه، ولينال بذلك أسمى الدرجات، وغاية الأمنيات..

وأما إذا أراد أن يغالب الإرادة الإلهية، ويصر على إبطال جهود الأنبياء، والأولياء، وأن يعبث بدماء الشهداء، وأن يكون على الدوام في موقع التخريب، والتدمير لعناصر الخير والصلاح، فلا بد من كسر شوكته، وتعطيل دوره، بما يتناسب مع وسائل التحدي التي يهاجم بها مواقع الخير والهدى. وليواجه بذلك عواقب بغيه وعدوانه..

وعلى هذا.. ووفق هذه المنطلقات، والتزاماً بكل ما ينتهي إليها، أو يسهم في حفظها وفي إنتاجها.. كان التعامل مع ظاهرة الرق والاسترقاق، إذ إن تخلية سبيل هذا المهاجم للإسلام إنما منحه فرصة للعودة إلى منابذة الإسلام من جديد..

فلم يرض الإسلام بالاسترقاق، إلا في حالات معينة، وذلك حين يكون هذا الاسترقاق بديلاً عن التخلص من قوة التدمير بما يماثلها من حيث القوة، ومن حيث النتائج، التي هي قتله، والتخلص من شروره.

وهذا الاستبدال للتدمير بما هو أدنى منه، وهو الاسترقاق، معناه: نقل موضع الاستهداف عن القوة التدميرية، إلى مناشئها ومكوناتها، ليشل بذلك حركتها، ويسقطها عن التأثير، ثم يعمل على استبدال تلك المناشئ وإعادة هندستها بطريقة تجعلها أقوى أثراً، وأشد فاعلية، ثم هو يحوَّل اتجاهات فعلها، فلا تعود مواقع استهدافها هي قوى الخير، والهدى، بل تصبح هي قوى الشر والفساد، والإفساد، فتتوجه إليها، وتعمل على تدميرها، وإبطال تأثيرها. على قاعدة: {أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ}[1]..

فيكون ذلك الاسترقاق سبيلاً لإعادة بناء الشخصية، من خلال إدخال منظومة من القيم والأهداف والمفاهيم، التي تعيد صنع وإنتاج هذا الإنسان، وتؤهله لأن يتخذ موقعه الصحيح في الحياة، وليهتم ببنائها على أسس صحيحة وسليمة، ويكون له دوره الفاعل في الحفاظ على ما أُنجِزَ على يد الأنبياء والأوصياء، وأهل الخير والإيمان على مدى التاريخ الإنساني..

وما ذكرناه إنما هو في صورة عدوان أهل الكفر والشرك على أهل الإسلام وبلادهم، واضطرار المسلمين لمجاهدتهم ورد كيدهم، إذ لا يصح أسر ولا استعباد الكافر إذا لم يكن محارباً، فمن حاول أن يفعل ذلك، فإنه يُمْنَع منه، ولا يُقَرُّ عليه..

وللرقيق أحكام، ولهم حقوق، ولا بد من الالتزام بتلك الأحكام، وتأدية تلك الحقوق..

وأما بالنسبة لسؤالكم عن حال الرقيق في العالم الإسلامي اليوم، فإننا نقول:

إننا لا نعرف أنه يوجد في هذه العصور رقيق في جميع أنحاء العالم الإسلامي، فإن سياسة الإسلام التي أشرنا إليها قد أنهت هذه الظاهرة.. وقضت عليها.

ومع عدم وجود رقيق وإماء، فلا يوجد مورد يقتضي أن تسجل الحكومات الإسلامية موقفاً تجاهه..

فإن وجد شيء من ذلك، وابتلي أحد بالاسترقاق في موقع مّا من العالم، فلا بد أن يكون خارج نطاق المجتمعات الإسلامية.. ولعله يتم بأساليب هي في منتهى الوحشية، والإجرام..

ومن جهة أخرى لا يفرق في الاسترقاق بين المرأة والرجل إذا صحت موجباته ومناشئه، وفقاً للضوابط التي ذكرناها. فإذا استرقت المرأة فإن لسيدها حق وطئها بملك اليمين..

وهذا حكم إرفاقي بها، لأنه يجعلها أقرب إلى الحرية، حيث إنها إذا ولدت له، فإنها تتشبث بالحرية، وتتنفس الأمل في أن تعتق من نصيب ولدها في الإرث..

وهي بمجرد حملها تصبح ذات حصانة إضافية، حيث لا يصح بيعها، بعد هذا، ولا يصح لأحد أن يقيم معها أية علاقة جنسية سوى مولاها، فتكون بمثابة الزوجة له..

وهناك أحكام وتفاصيل كثيرة لا مجال لها وهي موجودة في كتب الحديث، وفي كتب الفقه طرف منها، فيمكن مراجعتها..

والحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله الطاهرين..

 

 

[1] الآية 29 من سورة الفتح.


  • المصدر : http://www.al-ameli.com/subject.php?id=624
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 07 / 20
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29