• الموقع : سماحة السيد جعفر مرتضى العاملي .
        • القسم الرئيسي : الأسئلة والأجوبة .
              • القسم الفرعي : الأسئلة العقائدية .
                    • الموضوع : هل كربلاء مأساة .

هل كربلاء مأساة

 

السؤال (218):

بسمه تعالى

هل كربلاء مأساة؟! أم هي إنجاز سياسي عظيم؟.. أم أنها مأساة وإنجاز معاً؟!

إننا نسمع من خطباء المنبر الحسيني ما يوقعنا في حيرة من أمرنا في تفسير هذا الحدث بهذا، أو بذاك، أو بهما معاً..


الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..

فإن ما ورد في السؤال من اختلاف النظرة، والتعاطي مع قضية كربلاء، صحيح بلا ريب، وليس هو موضع مؤاخذة في حد نفسه.. ولكن المؤاخذة إنما هي على الاقتصار والجمود عليه..

فهناك من يفهم كربلاء، على أنها قضية سياسية، تاريخية. ولا بد من تحليلها والتعاطي معها وفلسفتها من خلال هذه النظرة. ويصر على هذا المنحى، ويعتبره أنه هو الاتجاه العلمي، والفكري، والتاريخي، والسياسي، والعسكري. ويرى أنه لا بد أن يكون الارتباط بها بمقدار ما يستفيده الإنسان منها في هذا الاتجاه بالذات..

وهناك من يتعاطى مع كربلاء من حيث هي شعائر، وعمل عبادي، والقيام بواجب الحزن والتحزن على المستشهدين فيها. وتعميق الارتباط بأهل البيت عليهم السلام من خلال ذلك، ولأجل ذلك، فهو يقتصر على عنصر المأساة، في جميع حالاته ومظاهره، ثم على رعاية تلك العلاقة الإيمانية بأهل البيت عليهم السلام وتعميقها..

ونقول:

إن مما لا شك فيه أن هذين الاتجاهين، أساسيان ومهمان جداً في وعينا لمأساة كربلاء، وليس من الخطأ الاهتمام بهما، والتركيز عليهما.. لكن الخطأ هو رؤية التنافي فيما بينهما، والتزام أحدهما، ورفض الآخر من جهة.. يضاف إليه خطأ آخر، وهو حصر كربلاء في خصوص هذين الاتجاهين من جهة أخرى..

والحقيقة هي أن علينا أن نفهم كربلاء على أنها هي الإسلام كله، بمختلف شؤونه ومجالاته، ولا يصح تحجيم كربلاء وحصرها في اتجاه خاص، أو في زاوية بعينها.. ففي كربلاء كل شيء مما تشتهيه أنفس طلاب الحقيقة، وتسعى إلى نيله عقول أهل الاستقامة على طريق الهدى.. إذ فيها:

العقيدة الإسلامية..

وفيها الشريعة، في كثير من مجالاتها..

وفيها سياسات الإسلام..

وفيها مفاهيم القرآن..

وفيها تفسير، وتأويل آيات من كتاب الله..

وفيها شذى الإمامة، وعبق النبوة..

وفيها مهمات الأنبياء، وإنجازات الأوصياء، ومسؤولياتهم وصلاحياتهم..

وفيها تجليات علوم الأئمة، ودرجات عصمتهم، وروائع كراماتهم، وسائر مواصفاتهم..

في كربلاء تبنى الشخصية الإنسانية والإسلامية المتوازنة..

وفيها تصاغ المشاعر، والعواطف والأحاسيس، وتنشأ وتتربى وتتكامل، ويميز فيها الخبيث من الطيب..

فيها النظرية السياسية، وفيها المفاهيم العقيدية..

وفيها الممارسة السياسية، والموقف العقائدي، والأخلاقي، والديني، والإنساني..

وليست كربلاء مجرد حدث تاريخي، سياسي، عسكري، ولا هي مجرد مأساة، لكي تنتهي حينما ننتهي من تقديم بعض التحليلات التاريخية لأسبابها، ولما نشأ عنها، أو حينما ننتهي من مراسم العزاء، أو حين نتوقف عن البكاء..

ولا هي مجرد نشاط سياسي، حتى إذا وقفنا على بعض معطياته الفكرية، لا نعود بحاجة إليه..

كما أنها ليست مجرد ترف فكري، تنتهي مفاعيله، وتنحصر آثاره في حدود ما نرسم لها من آفاق وتصورات..

إن كربلاء الحسين إنما يجسدها الإمام الحسين عليه السلام، الذي قال عنه النبي الأكرم صلى الله عليه وآله : إن الحسين مصباح هدى، وسفينة نجاة..

إنه مصباح ينير الدرب للضالين والتائهين في مختلف مواضع التيه والضلال..

إن الإمام الحسين عليه السلام هو النهج الذي تسلكه، والقاعدة التي تلتزم بها، لتصل من ثم إلى غاياتك، وتتلمس التفاصيل من خلال الضابطة والقاعدة التي تعيش آفاقها، وتستفيد من تجلياتها في كل موقع اشتملت عليه تلك الآفاق، ولا تغرق في التفاصيل لتضل عن القاعدة، فلا تجد نور الهداية لتستضيء به.

إننا نحتاج إلى الإمام الحسين عليه السلام حاجتنا إلى النور في ظلمة الليل البهيم..

وذلك كله يجعلنا نفهم أن كربلاء ليست مجرد حدث مسجون في قمقم التاريخ القديم، نهتم بالبحث عنه، ثم نودع نتائج بحثنا في بطون الكتب والأسفار، التي لا يلتفت أحد إليها، ويعبث بها غبار النسيان، ويضرُّ بها الهجران، إلا من بعض زيارات لبعض أساتذة التاريخ القديم في الحوزات الدينية، أو في الجامعات؛ لحاجة دراساتها الأكاديمية..

وربما يعطف عليها فريق من الناس ممن عرف عنهم أنهم يعيشون على هامش الحياة، لأنهم يريدون أن يعيشوا الزهو الفارغ من خلال ذكريات أمجاد الماضي، التي لم يكن لهم شرف صنعها، أو الإسهام فيها، ولا تحملوا عناء شيء مما نشأ عنها من آثار، وما لحقها من تبعات، أو ما فرضته من واجبات ومسؤوليات..

إن كربلاء ـ كما قلنا ـ ليست كذلك، بل هي الإكسير الذي يعيد صناعة الناس، ويجعل ترابهم ذهباً، من خلال ما له من دور كبير في صناعة إنسانيتهم، وبناء مشاعرهم، وعواطفهم، وأحاسيسهم، وتعريفهم بحقائق دينهم..                    

والحمد لله رب العالمين.


المصدر: مختصر مفيد، المجموعة الرابعة، ص 178 ـ 181

 


  • المصدر : http://www.al-ameli.com/subject.php?id=768
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 09 / 21
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18