• الموقع : سماحة السيد جعفر مرتضى العاملي .
        • القسم الرئيسي : الأسئلة والأجوبة .
              • القسم الفرعي : شخصيات لها دور.. .
                    • الموضوع : ابن الزبير يشرب دم الرسول (ص) .

ابن الزبير يشرب دم الرسول (ص)

السؤال 1303:

الاسم: أبو عمار

النص: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

ورد في السيرة النبوية المطهرة: أن عبد الله بن الزبير شرب دم النبي «صلى الله عليه وآله»، فقال له الرسول: «أبشرك، فإنك لن تمسك النار».

وفي مصادر أخرى: «ويل للناس منك».

هل أصل الرواية صحيح؟! وأي الروايتين صحيحة؟!

هل شرب دم النبي «صلى الله عليه وآله» يكون عاصماً من دخول النار؟!

وهل يمكن لدم النبي أن يدخل النار؟!


الجواب :

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

فقد ذكرنا في كتابنا: سيرة الحسين «عليه السلام» في الحديث والتاريخ ج1 ص214 و 215 حديث شرب عبد الله بن الزبير الدم الذي أعطاه إياه رسول الله «صلى الله عليه وآله» عن مصادر كثيرة..

وقلنا: إن ما نسب إلى النبي «صلى الله عليه وآله» في بعض تلك المنقولات من أنه «صلى الله عليه وآله» قال له: لا تمسك النار. كما في حديث أسماء بنت أبي بكر.

أو أنه قال له: «ويل لك من الناس، وويل للناس منك، لا تمسك النار إلا قسم اليمين» لا يصح. وذلك لعدة أمور، بغض النظر عن ضعف السند.

ونحن نذكر منها ما يلي:

أولاً: إن الأعمال بما لها من نوايا هي التي تدخل النار، إن كانت سيئة أو كانت مما توعَّد الله تعالى عليه بالنار، وهي التي تدخل الجنة إن كانت أعمالاً صالحة، وجامعة لشرائط القبول.

ثانياً: ربما عمل بعض الناس بعض الصالحات، ردحاً من الزمن ثم يرتد عن دينه، فيجازيه الله تعالى على صالحاته في الدنيا، وليس له في الآخرة من نصيب.. كما لو كان سخياً، أو باراً بأبيه أو بأمه.. أو واصلاً لرحمه، ولكن كفره يحبط عمله، ويحرمه من ثواب الآخرة.. وكذلك إنكاره لإمامة إمام زمانه، وخروجه عليه ومحاربته له بعد نكث بيعته، كما فعله عبد الله بن الزبير.

وقد يرتكب البعض سيئات يستحق العقوبة عليها، ثم يتوب منها، وتدركه رحمة الله، وينال عفوه وغفرانه..

وابن الزبير إن كان قد عمل صالحاً في بدايات حياته، فلا ريب في أنه قد أحبط أعماله في أواسطها ونهاياتها، حيث إنه نكث بيعة إمام زمانه، وقاد الألوف من الجيوش لحربه، وسعى في قتله، وقتل كل من يلوذ به، وشارك في قتل الألوف من المؤمنين، والمسلمين.

وبقي معادياً وحاقداً عليه وعلى الأئمة من ذريته، وعلى كل من يلوذ به ساعياً في قتلهم، وإلحاق ما أمكنه من الأذى بهم، وفيهم من هو من أئمة زمانه الذين أوجب الله عليه وعلى الأمة طاعتهم وولايتهم، وهم: أربعة أئمة: الإمام علي، والإمام الحسن، والإمام الحسين، والإمام السجاد، ويمكن إضافة الإمام الخامس إليهم، وهو محمد الباقر «صلوات الله وسلامه عليهم».

وعلينا أن لا ننسى جمعه بني هاشم في أحد شعاب مكة، وجمعه الحطب لأجل إحراقهم، فأنجدهم المختار من العراق وخلصهم من شره.. وحاول أخوه عروة التخفيف من قبح هذا الفعل، فزعم أنه أراد أن يخوفهم بذلك.

ثم قطع الصلاة على النبي أربعين يوم جمعة، بحجة أن له «صلى الله عليه وآله» أهيل سوء يخاف أن يتلعوا أعناقهم.

وفي حين أننا رأينا كيف أن الحسين «عليه السلام» قد خرج من مكة في يوم التروية الذي يخرج فيه الحجاج إلى جبل عرفات متوجهاً إلى العراق، حين علم أن بقاءه في مكة قد ينتهي بقتله، وانتهاك حرمة البيت بدمه، على يد عمال يزيد الذين انتدبهم لارتكاب هذه الجريمة في حقه، ولو كان متعلقاً بأستار البيت..

فإننا نرى ابن الزبير يصر على البقاء في مكة مع علمه بأن بني أمية لن يدعوه، وسوف يقتلونه فيها، وهذا ما حصل بالفعل، فضربت وأصيبت الكعبة بأحجار المنجيق كما هو معلوم.

ثالثاً: إن شرب الدم معصية، لقوله «صلى الله عليه وآله» لسالم الحجَّام: «ويحك يا سالم، أما علمت أن الدم حرام كله (أكله خ. ل.)»[1]. يستحق عليها فاعلها العقوبة، فلا مجال لاعتبارها منشأ لرفعة الشأن، ولا لإعطائه الجوائز والهبات عليها، مهما كانت تلك العطايا ضئيلة، وغير ذات قيمة.. فكيف إذا كان العطاء هو دخول الجنة والنجاة من النار.. لمن سوف يقضي حياته بالإجرام، وانتهاك الحرمات، التي منها نكثه بيعته لإمام زمانه، ثم خروجه عليه، ومواجهته بالحرب والقتال، الهادف إلى التخلص منه، ومن أطروحته التي هي الإسلام الصحيح، التي كانوا يمقتونها، ويرفضونها، ويحاربونها..

رابعاً: إن الرواية التي تقول: إنه «صلى الله عليه وآله» قال لابن الزبير: ويل لك من الناس، وويل للناس منك، لا تمسُّك النار، ظاهرة التهافت إلى حد التناقض. لأن هذا الويل المتبادل بين ابن الزبير، وبين الناس لن يكون الطرفان معاً موضعاً لرضا الله تعالى.. بل لا بد أن يكون أحد الطرفين ظالماً. هذا إن لم يكن كلا الطرفين كذلك.

خامساً: بالنسبة لدخول دم النبي «صلى الله عليه وآله» النار نقول:

إن الفاصل بين شرب ابن الزبير للدم، وسنة قتله قد يصل إلى أكثر من خمس وستين سنة، والأجسام تتحول بصورة مستمرة وتتبدل الخلايا فيها كل أربع سنوات مرة كما يقال، فما بالك بما قد يزيد على ستة عقود، فإنه لن يبقى من ذلك الدم أي شيء على الأطلاق.

سادساً: إذا كان من غير المقبول دخول دم النبي النار، فإن الله تعالى هو الذي يتكفل بإخراجه من الجسم الجهنمي بقدرته حفظاً لمقام النبي، وصوناً لكرامته.

وقصة هند حين أكلت كبد حمزة، فلم تستطع أن تستسيغها.. ربما كان سبب ذلك: هو قطع الطريق على أبواق بني أمية التي تدَّعي: أن هنداً من أهل الجنة.. لأن في جوفها قطعة من كبد حمزة، وهو من أهل الجنة.

ونذكر القارئ الكريم بحقيقة: أنه لم ترد الرخصة بتناول تراب قبر رسول، أو نبي، أو وصي، أو ولي، حتى خصوص النبي محمد «صلى الله عليه وآله»، وعلي «عليه السلام»، باستثناء تراب قبر الحسين «عليه السلام»، فما بالك بتناول دم أيٍّ منهم؟!

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله الطاهرين.

 


[1] تلخيص الحبير لابن حجر ج1 ص179 و 180 وكنز العمال (ط الهند) ج19 ص199 وج2 ص10 و (ط مؤسسة الرسالة) ج15 ص275 و 436 وأسد الغابة ج2 ص347 والإصابة ج3 ص11 والإستيعاب (بهامش الإصابة) ج2 ص92 و (ط دار الجيل) ج2 ص569 والوافي بالوفيات ج15 ص61 والروض الأنف ج3 ص166 والسيرة الحلبية ج2 ص516 و (ط أخرى) ص248 والرصف ص141.

 


  • المصدر : http://www.al-ameli.com/subject.php?id=778
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 10 / 28
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 19