• الموقع : سماحة السيد جعفر مرتضى العاملي .
        • القسم الرئيسي : المؤلفات .
              • القسم الفرعي : الكتب .
                    • الموضوع : ولاية الفقيه في صحيحة عمر بن حنظلة .

ولاية الفقيه في صحيحة عمر بن حنظلة

 

إسم الکتاب:

ولاية الفقيه في صحيحة عمر بن حنظلة

إسم المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي

الجزء:

1

عدد الأجراء:

1

الطبعة:

الاولى

سنة الطبع:

2013م

الناشر:

دار السيرة - بيروت لبنان

التحميل:

pdf

Word

rar

exe

html

لتحميل أي ملف إضغط بالزر الايمن واختر حفظ الهدف باسم Save Target As

 

ولاية الفقيه في صحيحة عمر بن حنظلة

السيد جعفر مرتضى العاملي

 

الطبعة الثالثة: 1423هـ. 2002م. بيروت لبنان


تـقـديـم:

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه وأشرف بريّته محمد وآله الطيبين الطاهرين.. واللعنة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين..

وبعد..

فقد كنت أرغب منذ مدّة في الكتابة حول رواية عمر بن حنظلة ومدى اعتبارها سنداً، ومدى دلالة بعض فقراتها على جعل الولاية والحاكميّة للفقيه الجامع للشرائط.

ولم تتأثّر تلك الرغبة بتلك الإشارة الخاطفة والسريعة إلى مجمل رأيي فيها في الجزء الرابع[1] من كتاب: (الصحيح من سيرة النبي الأعظم "ص") حين مناقشة نظرية خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء. بل ربّما كان ذلك سبباً في شدّتها، حيث يتزايد الشعور – طبيعياً – بالرغبة في إعطاء الصورة الأوضح والأتم.

وقبل حوالي أسبوع سنحت لي الفرصة للتوجه نحو هذا الموضوع من جديد وبحثه بالشكل وبالمستوى الذي لا أجد في نفسي حرجاً من تقديمه إلى القارئ الكريم، ليقدّم له صورة تكاد تكون واضحة تمام الوضوح، في حدود ما أملكه من امكانات بيانيّة ووقتية محدودة.

وكان هذا البحث الذي أقدّمه إلى القرّاء الكرام، هو حصيلة تلك المعاناة التي استمرت عدّة أيام.

وإذا ما وجد القارئ في ثناياه بعض ما لا يتلاءم مع وجهات نظره فإنني آمل منه، أن يتحفني بملاحظاته وآرائه تلك، فعسى أن أجد فيها ما يزيدني ثقة، أو يهديني إلى طريق الحق سبيلاً.

والحمد لله، وصلاته وسلامه على عباده الذين اصطفى، محمّد وآله الطيبين الطاهرين.

21/12/1402هـ.

جعفر مرتضى العاملي


مع ولاية الفقيه في دليلها العقلي والفطري:

1 - إنه لا ريب في أن الأمة تحتاج في كل عصر إلى من يدّبر شؤونها، ويشرف على مصالحها، ولا يمكن تركها هكذا هملاً بلا قائد ولا رائد فقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال:

"الإمامة نظام الأمة"[2].

وعنه عليه السلام:

"سبع حطوم أكول خير من وال غشوم ظلوم، ووالٍ غشوم ظلوم خير من فتنة تدوم"[3].

وعنه عليه السلام:

"لابد للناس من أمير، برّ، أو فاجر، يعمل في أمرته المؤمن، ويستمتع فيها الكافر، ويبلغ الله فيها الأجل، ويجمع به الفيء، ويقاتل به العدوّ، وتأمن به السبل، ويؤخذ به للضعيف من القوي، حتى يستريح برّ، ويستراح من فاجر"[4].

وقد روى الصدوق بسنده إلى الفضل بن شاذان، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام، حين ذكره لعلل جعل أولي الأمر، والأمر بطاعتهم، قوله عليه السلام بعد كلام له:

".. ومنها: أنّا لا نجد فرقة من الفرق، ولا ملّة من الملل بقوا وعاشوا إلا بقيم، ورئيس لما لابد منه في أمر الدين، فلم يجز في حكمة الحكيم، أن يترك الخلق مما يعلم، أنه لابد لهم منه، ولا قوام لهم إلا به، فيقاتلون به عدوهم، ويقسمون به فيئهم، ويقيمون به جمعتهم وجماعتهم، ويمنع ظالمهم من مظلومهم"[5].

وعن علي عليه السلام: "لابد من إمارة وزرق للأمير"[6].

وعن الإمام الرضا عليه السلام: "إن الإمامة زمام الدين ونظام المسلمين، وصلاح الدنيا وعز المؤمنين"[7].

وفي خطبة الزهراء عليها السلام المشهورة: "والطاعة نظاماً للملة والإمامة لماً من الفرقة"[8].

وعن علي عليه السلام: "فالولاية هي حفظ الثغور، وتدبير الأمور"[9].

وعنه عليه السلام: "مكان القيم بالأمر مكان النظام من الخرز يجمعه ويضمه، فإذا انقطع النظام تفرق الخرز وذهب ثم لم يرجع بحذافيره أبداً"[10].

وليراجع: نهج البلاغة الخطبة رقم216، والكافي (الروضة) ص352.

2 - وبعد.. فإن المرجع في أمر الحكومة، وتعيين الحاكم لابد أن يكون هو الله سبحانه وتعالى، وذلك لأن هذا الأمر مما قد اختلف فيه الناس، وقد قال تعالى:

﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ ذَلِكُمُ اللهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾[11].

وقد صرح الشهرستاني في ملله ونحله أن:

"أعظم خلاف بين الأمة خلاف الإمامة، إذا ما سلّ سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سلّ على الإمامة في كل زمان".

3 - وقد وجدنا: أن القرآن يقرر بما لا يقبل الشك، أن مهمة الأنبياء ليست مجرد بيان الأحكام وتبليغها، بل إن عليهم أيضاً مسؤولية الإجراء والتنفيذ، وإقامة حكم الله سبحانه وتعالى على الأرض وإقرار القسط بين الناس – ولو بالسيف – وهو ما أشار إليه تعالى بقوله:

﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾[12].

وقد روي عن علي عليه السلام في تفسير هذه الآية: " الخير كله في السيف، وما قام هذا الدين إلا بالسيف، أتعلمون ما معنى قوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ﴾ ؟. هذا هو السيف"[13].

وقال تعالى:

﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾[14]. والآيات التي بعدها.

وقال تعالى بالنسبة لداود عليه السلام:

﴿يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ﴾[15].

هذا كله.. عدا عما اتضح من سيرة سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وآله وسلم، الذي أقام حكومة العدل، وأرسى قواعدها، وقاتل وجاهد الكفار والمناوئين بكل قوة في سبيلها.

وعدا عن ذلك.. فإن الشيعة يعتقدون بأن الإمامة من أصول المذهب، بل إن ذلك أمر متفق عليه بين أهل السنة والشيعة على حد سواء، وإنما الاختلاف بينهم في كيفية وصول الإمام الحاكم وولي الأمر إلى منصب الإمامة والخلافة، والحكم والولاية.

4 - وبعد.. فإنه إذا كان الاحتياج إلى الحاكم المدبر للأمور، والمشرف على مصالح الأمة – سواء في عصر الحضور أو في عصر الغيبة – أمر واضحاً، وضرورياً، وكان موقف الإسلام في عصر الحضور هو ما تقدم، فإن من غير المعقول، ولا المقبول، أن يكون الإسلام قد وقف موقف اللامبالات بالنسبة لهذه القضية في عصر غيبة الإمام المفدى صلوات الله وسلامه عليه لاسيما وأنه يتحدى طواغيت الأرض، ويريد أن يقتل القاتل ويجلد الزاني ويقطع السارق.. وفيه جهاد للعدو، وفيه أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وفيه عملية إعادة إنشاء النفس الإنسانية، وإعادة تكوين للمجتمعات. وتدخل في كل كبيرة وصغيرة.. فإن كل ذلك لا يحصل بمجرد الإرشاد والتمني والنصيحة.

بل لابد أن يكون قد وضع الحل المنطقي المناسب، وأعطى الأطروحة الواقعية والواعية، والمنسجمة مع طبيعة منطلقاته، ومع أهدافه السامية والنبيلة، وتتلاءم مع تطلعاته ومراميه، ومع سعة تشريعاته وشموليتها، حيث يفترض فيه – وهو دين الفطرة والعدل والواقعية – أن يتجاوب مع هذه الحاجة الطبيعية، وأن يعطي المواصفات التي لابد من توفرها في من يدبر شؤون الأمة، ويتولى أمورها، ويحدد صلاحياته، كما ويعطي رأيه وحكمه في شكل الحكم أيضاً.

5 - ومن الواضح: أن الفقيه، الكفوء، العارف بأحكام الله، والمتقي المطيع لأوامر سيده ومولاه[16] هو الذي يكون مؤهلاً أكثر من أي شخص آخر – سواء من حيث القدرة على التنفيذ، أو من حيث توجه نظر المولى إليه في مقام الاختيار – لأن يحقق الأهداف الإلهية، ويطبق الأحكام الشرعية بدقة، وأمانة، ووعي، ومن دون أي نقص، أو تحريف، أو تعد في ذلك على الإطلاق.

والعقل السليم يحكم بلزوم اختيار هذا الشخص بالذات لحمل الأمانة، وإقامة الحكم الإسلامي، وتحقيق الأهداف الإلهية على الأقل، ولابد وأن يعطيه صلاحية الإشراف على جميع الشؤون، وحق النقض والتدخل فيها في الوقت المناسب[17].

6 - بل إن ذلك هو ما تحكم به الفطرة السليمة، والسجية المستقيمة، حيث ينساق الإنسان إليه فطرياً، وطبيعياً، فنجد من يريد معالجة ولده من مرضٍ ما لا يتردد في اختيار الطبيب دون سواه، لأنه الخبير الماهر في هذا الأمر، بل هو ينساق طبيعياً نحو اختيار الأكثر خبرة من الأطباء، والأكثر تقوى، وأمانة في أداء هذه المهمة.

7 - وإنه.. وإن كان موضوع ولاية الفقيه ونيابته عن الإمام عليه السلام في إدارة شؤون الأمة أمراً فطرياً وطبيعياً، ومما يحكم به العقل السليم، إلا أن ذلك لا يكفي لإثبات درجة واسعة من الولاية، حيث إنه دليل لبي لا إطلاق فيه، فلابد من الاقتصار فيه على القدر المتيقن.

وهذا.. ما يؤكد الحاجة إلى دليل لفظي، يمكن أن يتمسك بعمومه أو إطلاقه في موارد الشك والشبهة.

الدليل اللفظي على ولاية الفقيه:

ويمكن القول بكل ثقة واطمئنان: إن هذا الدليل اللفظي موجود، وقد ذكر العلماء عدة روايات، اعتبروا: أنها يمكن الاستدلال أو تأييد الاستدلال بها على هذا الموضوع، وكان نصيب الرواية المعروف بـ: "مقبولة عمر بن حنظلة" هو التضعيف منهم لسندها، والتوهين لدلالتها أيضاً.

أما نحن فنرى: أنها تستطيع أن تكون الرواية ذات السند القوي كما أنها ترتقي إلى مستوى الدليل على هذا الموضوع، موضوع ولاية الفقيه، أي أنها تامة سنداً ودلالة على حد سواء، كما أنها ليست مقبولة، ولا حسنة، بل ولا معتبرة وحسب، وإنما هي – على الأظهر – صحيحة السند، حسب المصطلح للصحيح من الحديث عند المتأخرين.

وهذا ما يقضي علينا بالتوسع في البحث حول سند هذه الرواية بما يسمح لنا به المجال، من أجل إعطاء الصورة التي تقرب القارئ إلى الاطمئنان، ثم القطع بصحة ما ذهبنا إليه.

ثم نعقب ذلك بالإشارة إلى بعض ما يرتبط بدلالتها على ما نحق بصدده، مع الإشارة إلى ما هنالك من مناقشات، وإلى بعض الأجوبة المناسبة لها، كل ذلك مع مراعاة ما أمكن من الاختصار، الذي لا يخل بالتصور العام لهذا البحث الهام.

فإلى كل ذلك الذي ذكرناه نشير فيما يلي من صفحات..

رواية عمر بن حنظلة:

محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين عن محمد بن عيسى، عن صفوان بن يحيى، عن داود بن الحصين، عن عمر بن حنظلة، قال:

سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجلين من أصحابنا، بينهما منازعة في دين أو ميراث، فتحاكما إلى السلطان، وإلى القضاة أيحل ذلك ؟ قال:

"من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت، وما يحكم له فإنما يأخذ سحتاً، وإن كان حقاً ثابتاً له، لأنه أخذه بحكم الطاغوت، وما أمر الله أن يكفر به، قال الله تعالى:

﴿يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ﴾[18].

قلت: فكيف يصنعان؟

قال: "ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا، وينظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا، فليرضوا به حكماً، فإني قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما استخف بحكم الله، وعلينا رد، والراد علينا راد على الله وهو على حد الشرك بالله".

قال: فإن كان كل واحد اختار رجلاً من أصحابنا، فرضيا أن يكونا الناظرين في حقهما، فاختلفا فيما حكما، وكلاهما اختلفا في حديثكم؟.

فقال: " الحكم ما حكم به أعدلهما، وأفقههما، وأصدقهما في الحديث، وأورعهما، ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر.. الحديث".

ورواه الشيخ بأسناده عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسن بن شمون، عن محمد بن عيسى، وبأسناده عن محمد بن علي بن محبوب، عن محمد بن عيسى نحوه[19].


سند الرواية:

يعبر الفقهاء عن هذه الرواية بـ "مقبولة عمر بن حنظلة"، على اعتبار: أن علماء الرجال لم ينصوا على توثيق عمر هذا، ولكن المشهور قد قبلوا روايته هذه وعملوا بها، فأطلق عليها لفظ: " مقبولة.. الخ " وإن كان الشهيد رحمه الله قد وثق عمر بن حنظلة، فراجع[20].

ولكننا نعتقد: أن عمر بن حنظلة هذا من الثقات.. فالرواية تكون معتبرة وصحيحة، لتمامية السند الأول والأخير، أما السند الثاني فضعيف بمحمد بن الحسن بن شمون.

وذلك لما يلي:

أولاً:

إن الذين يروون عن عمر بن حنظلة حوالي اثنين وعشرين رجلاً، فيهم كبار العلماء، وأعاظم الفقهاء.. بل نستطيع أن نقول: إنه لم يثبت ضعف واحد منهم إلا المفضّل بن صالح (أبو جميلة)، الذي حكم الرجاليون بضعفه.

وكثرة رواية الثقات عنه، واعتمادهم عليه يجعلنا نطمئن إلى أنه لم يكن من الكذابين ولا الوضاعين، وإلا لم يصح لأمثال هؤلاء العظماء أن يتخذوه شيخاً لهم، يتلقون عنه العلم، ويأخذون عنه حديث أهل البيت عليهم السلام.

والذين رووا عنه، بحسب ترتيب حروف المعجم – باستثناء أبي جميلة طبعاً – هم:

1 - أبو أيوب الخزاز (إبراهيم بن عثمان): وهو ثقة كبيرة المنزلة.

2 - أبو المغراء (حميد بن المثنى الصيرفي): ثقة ثقة.

3 - ابن بكير (عبد الله): ثقة، وهو ممن أجمعت الصحابة على تصحيح ما يصح عنه، كما يقول الكشي.

4 - ابن مسكان (عبد الله): ثقة عين، وهو من أصحاب الإجماع أيضاً عند الكشي.

5 - أحمد بن عائذ: ثقة.

6 - إسماعيل: إن كان هو ابن عبد الخالق الذي يروي عنه محمد بن خالد البرقي فهو ثقة، وإن كان هو من الآتي فسنرى أن:

7 - إسماعيل الجعفي: ـ إن كان ابن عبد الرحمن ـ فقد ترحم عليه الصادق عليه السلام كما ذكرته بعض الروايات، واستظهروا توثيقه، وإن كان هو ابن جابر بن يزيد كما هو الظاهر، فهو موثق مشهور ومعروف أيضاً.

8 - حريز: ثقة.

9 - حمزة بن حمران: يروي عنه ابن أبي عمير، وصفوان بن يحيى اللذان يقال: إنهما لا يرويان إلا عن ثقة.

10 - داود بن الحصين: ثقة.. ووقفه – إن ثبت – لا يضر، لما سيأتي إن شاء الله تعالى.

11 - زرارة: ثقة، وهو من أصحاب إجماع الكشي.

12 - سيف بن عميرة: ثقة.

13 - صفوان بن يحيى: ثقة ثقة عين، وهو أصحاب إجماع الكشي.

14 - عبد الكريم بن عمر الخثعمي: ثقة ثقة عين.

15 - علي بن الحكم: ثقة جليل القدر.

16 - علي بن رئاب: ثقة جليل القدر.

17 - عمر بن أبان: ثقة.

18 - منصور بن حازم: ثقة، عين، صدوق، من أجلة أصحابنا وفقهائهم.

19 - هشام بن سالم: ثقة، ثقة.

وكل ما قدمناه من مدح وتوثيق لهؤلاء، إنما أخذناه من جامع الرواة وحسب، ولم نحاول استقصاء كلام الرجاليين في توثيقهم، ولا ذكرنا كلمات الأئمة عليهم السلام في مدح عدد منهم.. لأن ذلك ليس محط نظرنا في هذه العجالة، بل غرضنا مجرد الإشارة إلى وثاقتهم، وعلو شأنهم.

20 - يزيد بن خليفة: ورد مدحه في رواية مرفوعة عن الصادق عليه السلام بأنه نجيب بني الحرث، ويمكن تأييدها برواية أخرى عنه نفسه وردت في مطاعم الكافي.

كما أن ابن مسكان، الذي أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه يروي عنه، كما ذكره الكشي وغيره.

كما أن يونس بن عبد الرحمن، الذي أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه يروي عنه أيضاً على ما يظهر من الرواية التالية تحت عنوان: وأيضاً.. فإن صفوان بن يحيى، الذي أجعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، وذكر الشيخ الطوسي: أنه لا يروي إلا عن ثقة، بل لقد ادعي الإجماع على ذلك[21] – صفوان هذا – يروي عن يزيد بن الخليفة المذكور.

وعليه.. فلا بأس بقبول روايته، والاعتماد عليه، ووقفه لا يضر، لما سنشير إليه حين الكلام عن البطائني.

وثانياً:

إن من الرواة عن عمر بن حنظلة، صفوان بن يحي، الذي يقول الشيخ – بل ادعي الإجماع – على أنه لا يروي، ولا يرسل إلا عن ثقة، كما تقدم.

وثالثاً:

لقد روى الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن يزيد بن خليفة، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت.

فقال أبو عبد الله عليه السلام:

"إذن لا يكذب علينا.." الحديث[22].

وأُورد على الرواية هنا بـ: "أن الرواية ضعيفة السند، فإن يزيد بن خليفة واقفي لم يوثق، فلا يصح الاستدلال بها على شيء"[23].

ولكن قد قدمنا آنفاً: أنه لا مانع من الاعتماد على روايته، بعد وجود مرفوعة في مدحه، وبعد رواية صفوان، وابن مسكان ويونس عنه. وأما وقفه فغير ضائر، لما سنشير إليه حين الكلام عن البطائني.

وأورد المولى الصالح، على الرواية أيضاً: بأن التنوين في إذاً هو تنوين العوض، أي لا يكذب في ذلك الذي رواه لكم، فلا يدل على انتفاء أصل الكذب عنه، وأنه لا يكذب أصلاً.

بل في تعليقه الوحيد: أن دلالة الرواية على الذم أظهر، ولعل نظره إلى أن نفي كذبه عليهم عليهم السلام يثبت بمفهوم اللقب كذبه على غيرهم، وكذبه عليهم في غير الوقت.

وأجاب المامقاني (رحمه الله): أما عن الأخير.. فلعدم إرادة هذا المفهوم منه، سواء قرئ مبنياً للفاعل أو للمفعول، فما في منتهى المقال: من أنه على الأول على الذم أدل، أما على الثاني، فيدل على المدح في وجه.. لا وجه له.

وأما عما ذكره المولى الصالح، فهو أن نفي الفعل المتعدي يفيد العموم، كما حققه الأصوليون، ولا يخصصه المورد[24]..

ونزيد نحن هنا: إن "إذاً" هنا ليست هي "إذاً" مع تنوين العوض، والتي هي اسم زمان، وإنما هي "إذن" التي هي حرف جواب، وجزاء، أو مكافأة، وهي إن أعملت كتبت بالنون، وإلا فبالألف، كما قيل.

وأيضاً: لو كان المراد نفي خصوص كذبه في هذا المورد، لكان الأنسب التعبير بـ "لم يكذب"، أو "ما كذب"، فالنفي بلا، يدل على أن المراد نفي أصل الكذب عنه.

وأما بالنسبة لمفهوم اللقب، فقد قال العلماء: إنه أضعف المفاهيم، بل لا مفهوم للقب، إلا إذا كان ثمة قرينة حالية أو مقالية تقتضي ذلك، وهي غير موجودة في المقام.

ولو سلم، فإن المقصود، وهو عدم كذبه عليهم، كاف في المطلوب، سواء كان يكذب على غيرهم، أو لا يكذب أصلاً.

وعلى كل حال.. فإن مما يؤيد أيضاً وثاقة واستقامة عمر بن حنظلة، وأنه كان إمامياً: ما رواه في العوالم، عن إعلام الدين للديلمي، من كتاب الحسين بن سعيد، قال: أبو عبد الله عليه السلام لعمر بن حنظلة: "يا أبا صخر، أنتم والله على ديني ودين آبائي"، وقال: "والله لنشفعن، والله لنشفعن ـ ثلاث مرات ـ حتى يقول عدونا: فما لنا من شافعين، ولا صديق حميم.." الخبر[25].

ورابعاً:

لقد حكي عن النجاشي توثيق عمر بن حنظلة[26] وإن كنا لم نعثر على المورد الذي وثقه فيه.

وخامساً:

لقد روى عن عمر بن حنظلة أربعة ممن اجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم، وتصديقهم، والإقرار لهم بالفقه، وهم:

1 - زرارة بن أعين.

2 - عبد الله بن بكير.

3 - صفوان بن يحيى.

4 - عبد الله بن مسكان[27].


كلام حول أصحاب الإجماع:

ومعنى إجماع العصابة على تصحيح ما يصح عنهم: أنه ينظر في سند الرواية إلى أن يصل إليهم، ثم لا ينظر فيمن بعدهم إلى المعصوم(ع)، لأن هؤلاء لا يروون إلا عن ثقة، فمراسيل، ومرافيع ومقاطيع هؤلاء كمسانيدهم معدودة من صحاح الأحاديث، لإجماع العصابة على تصحيح ما يصح عنهم.

والمراد بالصحة هو الوثاقة والاعتبار، لأن بعض من يروون عنه ليس إمامياً، بل والشك في كون بعضهم هم أنفسهم إمامياً موجود أيضاً، فالمراد بالصحيح باصطلاح القدماء الأعم منه ومن الموثق بإصطلاح المتأخرين.

وعلى كل حال.. فقد اختار التفسير الذي ذكرناه لعبارة: "تصحيح ما يصح عنهم" وأن المراد: أنهم لا يروون إلا عن ثقة، اختاره أبو علي في رجاله، واعتبره الظاهر المنساق من العبارة، ونقل عن بعض أجلاء عصره، وصفه بالشهرة، وهو نفسه وصفه بالشهرة أيضاً في آخر كلامه، ونسبه المحقق الداماد في "الرواشح السماوية" إلى الأصحاب مؤذناً بدعوى الإجماع عليه، وحكي عن أمين الدين الكاظمي، واختاره المامقاني، والعلامة، وابن داود، والشهيد، والداماد، والمجلسيان[28].

كما أن الشهيد الثاني قد حكم في "غاية المراد" في مسألة عدم جواز بيع الثمرة قبل ظهورها: بوثاقة أبي الربيع الشامي بنحوٍ ما لرواية ابن محبوب عنه، بواسطة خالد بن جرير[29]، وصاحب الجواهر حكم أيضاً في مرسلة حريز بأنه لا يقدح ضعف من بعد حماد، لأنه ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم[30].

بل لقد نقل المحقق الداماد في "رواشحه": أن أصحابنا (رضوان الله عليهم) إذا قالوا: ثقة، صحيح الحديث، فمعنى ذلك: أنه لا يروي إلا عن عدل[31] وهذا معناه أن غير تلك الجماعة أيضاً جماعة آخرون لا يروون إلا عن ثقة.

أما كيف عرفت العصابة: أن هؤلاء لا يروون إلا عن ثقة.

فيمكن أن يكون ذلك من خلال معاشرتها لهم، وتعاملها العلمي معهم، بحيث اتضح لكل أحد ـ من حالهم ـ : أنهم ملتزمون بذلك مواظبون عليه.

هذا.. وقد جزم المحدث النوري (رحمه الله تعالى): ـ وإن كان يمكن أن يناقش في قوله ـ بأن الشيخ الطوسي (رضوان الله تعالى عليه) حين ذكر الثلاثة ـ صفوان، وابن أبي عمير، والبزنطي ـ وغيرهم من معروفي الأصحاب، الذين لا يروون إلا عن ثقة، إنما كان ينظر بقوله: "معروفي الأصحاب" إلى أصحاب الإجماع المشار إليهم، إذ لا يوجد في طبقة الثقات عصابة معروفة مشتركة في فضيلة غير هؤلاء[32].

تفسير آخر:

وبعد.. فقد رأينا البعض يذهب: إلى أن المراد من تصحيح ما يصح عن هؤلاء: أنه إذا صح الحديث عن أحدهم، فلا تعتبر العدالة فيمن بعده، بل يصح نسبته إلى المعصوم عليه السلام، ولو كان قد رواه عن معروف بالفسق والوضع[33].

وأيد ذلك بعض المحققين بأن من الممكن أن يكون الأصحاب قد رأوا: أن روايات هؤلاء لها خصوصيات معينة بحيث صح عندهم نسبتها إلى المعصوم، من غير الطريق الضعيف الذي رواه الجماعة، خصوصاً بملاحظة: أن الأصول الأربعة مئة قد اشتهرت بين الأصحاب، وصحت لديهم نسبتها إلى أصحابها، إلا أن هذه الجماعة (المجمع على تصحيح ما يصح عنها) ما كانت تكتفي بالوجادة المجردة، بل يروون الكتاب الثابت نسبته لمؤلفه بواسطة شيخ ضعيف، يرويه عن صاحب الكتاب، فالرواية صحيحة عنده، وإن كان راويها ضعيفاً[34].

ولكننا لا نستطيع أن نقبل بهذا التفسير لهذا المحقق.. إذ ما هي الخصوصية، التي جعلت هؤلاء يختصون بهذا الحكم دون كل من عداهم من الرواة ؟!

وإذا لم يكن ثمة خصوصية فما هو المبرر لإجماع كهذا ؟!.

وما ذكره ذلك البعض كخصوصية في المقام لا دليل عليه، وإنما هو مجرد تكهن لا يغني شيئاً.

كما انه يرد سؤال: لماذا يختار هؤلاء لرواية ذلك الأصل المعروف شيخاً ضعيفاً؟!

ولماذا يوقعون الناس بعدهم في هذه الورطة ؟!.

فهل كان المهم عندهم الشكليات فقط ؟

إننا نجلهم عن نسبة ذلك إليهم، فإننا نطمئن إلى أنهم يهتمون بإيصال أحاديث الأئمة إلى من بعدهم بأفضل طريق ممكن، وذلك معناه تحري الوثاقة في الرواية، ليجعلوا من يأتي بعدهم يطمئن إلى صحة ما يأخذ.

وهذا بالذات هو ما أشار إليه النوري في تفسيره لكلام الشيخ ولعله الأكثر معقولية وقربا، كما هو واضح.

تفسير آخر:

هذا.. وما أبعد ما بين ما يقوله هؤلاء، وبين ما يقوله آخرون، من أن الإجماع على تصحيح ما يصح عن المذكورين لا يدل على أكثر من عدالة ووثاقة هؤلاء المذكورين وصدقهم، وأما من قبلهم، ومن بعدهم، فلابد من إحراز وثاقتهم من طرق أخرى.

ونقل هذا المعنى أبو علي في رجاله عن بعض معاصريه، بل لقد ادعى البعض الإجماع عليه[35].

وهو تفسير بما لا يرضى به صاحبه، إذ لو صح هذا التفسير لم يكن معنى لإضافة قوله: "أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم" ولكان اللازم الاكتفاء بقوله: "أجمعت على تصديقهم، والإقرار لهم بالفقه".

كما أن كون الرجل ثقة لا يختص بهؤلاء النفر، فلا يبقى ثمة مبرر لإجماع كهذا، ولا فائدة، إلا أن يكون المزيد من التأكيد على الوثاقة وتقويتها.

كما أن من يراجع تراجم غير هؤلاء يجد كثيرين آخرين يعترف لهم كل أحد بالوثاقة، والجلالة، والعدالة، وأنهم من وجوه الطائفة، وكبارها، وأعيانها، المعروفين لدى الجميع.

فتحقق أن المعنى الاول هو الأقرب إلى مفاد النص المنقول، وأن المراد: أن الإجماع قائم على أن أولئك الأعاظم لا يروون إلا عن الثقات، فإذا ثبتت الرواية عن أحدهم، فإنه يحكم بوثاقة من بعدهم إلى الإمام عليه السلام، بحيث لو وقعوا في أسانيد أخرى ليس فيها أحد أولئك الأعاظم، فإنه يحكم باعتبار ووثاقة الرواية أيضاً، ولا يتوقف فيها لأجلهم.. كما أنه لو ورد جرح في أحدهم، فإنه يكون معارضاً لهذا التوثيق الناشئ عن رواية أحد هؤلاء عنه، فلابد من الرجوع إلى الترجيح.

إن قلت: إن الإجماع على تصحيح ما يصح عن هؤلاء لا يلزم منه وثاقة من رووا عنه، لجواز كون وجه الصحة هو احتفاف أحاديثهم بقرائن خارجية تفيد القطع بصدورها عن المعصوم، إن كان الراوي ضعيفاً، لأن الصحيح عند القدماء أعم من الذي رجال سنده ثقات، ومن الذي احتف بقرائن توجب القطع بصدوره[36].

قلت: إن هذا الكلام لا تمكن المساعدة عليه وذلك لما يلي:

أولاً:

قد حقق المحدث النوري: أنه لم يثبت: أنه كان لهم مصطلح آخر في إطلاق لفظ "الصحيح"، بل لقد ذكر (رحمه الله) شواهد كثيرة على أن مصطلح القدماء لا يختلف عن مصطلح المتأخرين، إلا أن الصحيح عندهم أعم منه ومن الموثق عند المتأخرين[37].

ثانياً:

قد تقدم: أن الظاهر من الشيخ هو أن أصحاب الإجماع جميعاً لا يروون إلا عن ثقة.

ثالثاً:

إنه لابد من وجود خصوصية عامة اشترك فيها الجميع فيما رووه كله، لأن ظاهر الإجماع هو الشمول والعموم لرواياتهم كلها. ولا نجد خصوصية يمكن أن يشترك فيها الجميع تصلح لجعل مروياتهم قطعية الصدور، سوى أنهم لا يروون إلا عن ثقة، وإلا فلو كان المراد هو بعض مروياتهم لم يكن معنى لتخصيصهم بالذكر، إذ كل خبر ثقة يحتف بقرينة تفيد الوثوق بصدوره يحكم بصحته، حتى ولو كان قد رواه عن ضعيف أو مجهول، فما هو المميز لهؤلاء عن غيره ؟!.

رابعاً:

قال النوري: إن نفس مطابقة أخبار راوٍ لما علم من الخارج صحته يعتبر من إمارات الظن بالوثاقة[38].

وأخيراً.. فإن ما ذكرناه كاف في حصول الظن لنا بأن هؤلاء لا يروون إلا عن ثقة، والمدار في الرجال على الظنون[39].

 


الاعتراضات.. وأجوبتها

الاعتراض الأول:

إن حدسنا بوثاقة من روى عنهم هؤلاء لا يجدي في إثبات وثاقتهم لأن الشهادة بالوثاقة لا يكفي فيها الحدس المحض، بل لابد من الاستناد إلى الحس، إما قطعاً، أو احتمالاً[40].

وجوابه:

إننا لا نستدل على وثاقة أولئك الرجال بحدسنا، بل نستدل بإخبار العصابة عن هؤلاء بصحة ما يصح عنهم، الظاهر ظهوراً تاماً بأن السبب في ذلك هو أنهم لا يروون إلا عن ثقة، كما صرح به وفهمه الكثيرون، وإخبار العصابة هذا يحتمل أن يكون حسياً، كما أن وثاقة من يروون عنه يحتمل أن تكون قد ثبتت لهم هم بالحس أيضاً. وهذا يكفي في قبول خبرهم باعتراف المعترض نفسه.

الاعتراض الثاني:

إن العبارة في نقل الإجماع مختلفة، فبالنسبة للستة الأول – الذين هم من أصحاب الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام – جاء بالنص هكذا: " اجتمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأولين من أصحاب أبي جعفر عليه السلام وأصحاب أبي عبد الله عليه السلام، وانقادوا لهم في الفقه، فقالوا: أفقه الأولين ستة: زرارة، ومعروف الخ..".

وبالنسبة للستة الثانية الذين هم من أصحاب الصادق عليه السلام يقول النص: "اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح من هؤلاء، وتصديقهم لما يقولون، وأقروا لهم بالفقه، وهم دون أولئك الستة الذين عددناهم وسميناهم، ستة نفر: جميل بن دراج الخ..".

والعبارة بالنسبة للستة الثالثة أيضاً لا تختلف عن هذه[41].

وعليه – فإن ما ذكر – إنما يتم بالنسبة لمن ذكر في الستة الثانية والأخيرة، حيث نص فيهما على الإجماع على تصحيح ما يصح عنهم، وأما بالنسبة للستة الأول، فلم يذكر إلا الإجماع على تصديقهم والإقرار لهم بالفقه، فلو ثبت ما تقولون، فهؤلاء لا يكونون داخلين في إجماع العصابة على تصحيح ما يصح عنهم.

بل.. إن عدم ذكر هذه الفقرة بالنسبة للستة الأوائل يصلح قريبة على مراده منها حينما ذكرها بالنسبة لمن بعدها، وأن المقصود هو مجرد التوثيق والتصديق للمذكورين كالأوائل.

هذا إن لم نقل: أن إمكان العكس في القرينية يوجب إجمال الكلام، فلا يبقى لهذه الفقرة ظهور فيما ادعي أصلاً[42].

ويمكن أن يجاب عن ذلك: بأن هذا الاختلاف في العبارة يؤيد ما نذهب إليه، لأن المذكورين أولاً قد كانت روايتهم غالباً عن الإمامين، اللذين انتشر عنهما العلم، وهما: الإمام الباقر والإمام الصادق عليهما السلام مباشرة، وبلا واسطة، فيكفي للحكم بصحة الحديث عنه عليه السلام تصديقهم فيما يقولون، نظراً إلى الغالب مما ينقلونه من الروايات.

وأما المذكورون في الطبقة الثانية، فإن روايتهم عن الباقر عليه السلام مع الواسطة غالباً، وكذلك المذكورون في الطبقة الثالثة، فإنهم يروون غالباً عن الصادق والباقر مع الواسطة أيضاً.

فلم يكف الحكم بصدقهم للحكم بصحة الحديث، ولذا احتاج إلى إضافة إجماع العصابة على تصحيح ما يصح عنهم، فالتصديق ناظر لما يروونه عن الإمام بلا واسطة، وتصحيح ما يصح عنهم إنما هو بالنسبة إلى ما ينقلونه عن الإمام الذي لا يعاصرونه بواسطة الآخرين[43].

ولكن هذا لا يعني أن الطبقة الأولى لا تشارك الأخيرتين في الاجتماع على تصحيح ما يصح عنها، فإن نفس العبارة المنقولة في الطبقة الثانية والثالثة صريحة في أنها ناظرة إلى ما تقدم في الأولى وفي الثانية، وأن الحكم فيهما واحد، وليس أمراً مستقلاً عنه، وهذا يدل على أن هذا التفنن في العبارة ناظر إلى ما ذكرناه ليس إلا.

أضف إلى ذلك.. أنه قد نقل الإجماع على تصحيح ما يصح عن السنة الأول كثيرون آخرون فراجع[44].

الاعتراض الثالث:

لقد أوردوا على الإجماع المذكور – وخطر في بالي أيضاً – بأننا نجد المذكورين في هذا الإجماع يروون عن الضعفاء والمجاهيل، كرواية جميل عن الحكم بن عتيبة، بواسطة: زكريا بن يحي الشعيري، وروى عنه الفضيل بن يسار أيضاً.

وكرواية ابن أبي عمير، وأحمد بن محمد بن أبي نصر، عن علي بن أبي حمزة البطائني، وهو واقفي مذموم جداً.

وكرواية يونس، عن عمرو بن جميع الأزدي البصري، قاضي الري، وقد ضعفه الطوسي، والنجاشي صراحة.

وكرواية ابن محبوب عن الحكم الأعمى، وابن أبي عمير، وصفوان، عن الحكم بن أيمن. وهذان الحكمان مجهولان[45].

ولكننا نقول: إن روايتهم عن كل هؤلاء لا تضر في صحة أحاديثهم، لا لأننا نعتقد: أن حديثهم محكوم بالصحة، ولو رووه عن معروف بالفسق أو الوضع، فقد تقدم أن هذا غير صحيح، وإنما لما يلي:

1- البطائني:

أما بالنسبة لروايتهم عن – علي بن أبي حمزة البطائني – فإننا نقول: إن الروايات عنه إذا تم سندها إليه، تكون صحيحة، ويعمل بها على هذا الأساس، وذلك لما يلي:

ألف: إن الشيعة ما كانوا يروون عنه أيام وقفه، إنما ما رواه عن الشيعة إنما كان أيام استقامته، وقد كان حينئذٍ إمامياً ثقة، صالحاً لأن يعتمد عليه الإمام عليه السلام، ويجعله وكيلاً عنه.

ويكفي للتدليل على ما نقول، أن نذكر: أن الشيعة قد نبذوا الواقفة على الإمام موسى بن جعفر عليه السلام خاصة، وابتعدوا عنهم، حتى لقد لقبوا من وقف عليه (عليه السلام) بالممطورة، أي (الكلاب الممطورة)[46]، وذلك لشدة التحاشي عنهم، والحذر من الاقتراب منهم، وغلب عليهم هذا الاسم، وشاع وذاع، فلا يعقل أن يروي كبار علماء الشيعة – والحالة هذه – عن رئيس الواقفة بعد وقفة ولا أن يتخذوه شيخاً، أو مصدراً لمعارفهم، كما هو ظاهر[47].

باء: إن ابن أبي عمير، والبيزنطي، وصفوان بن يحيى، الذين ينص الشيخ على أنهم لا يروون إلا عن ثقة، يروون عنه.

جيم: بل لقد ادعى الشيخ عمل الطائفة بأخبار علي بن أبي حمزة البطائني، وسماعة بن مهران، فيما لم يكن عندهم خلافه[48].

2- ابن عتيبة ابن جميع:

وأما بالنسبة للحكم بن عتيبة، وابن جميع الأزدي، فيمكن أن يكون قد ظهر لجميل، والفضيل، ويونس صدقهما في نقلهما، إما مطلقاً، أو في ذلك المورد الخاص، الذي نقلوه لقرائن خاصة.

كما أن تضعيف علماء الرجال لهما لعله لأجل مذهبهما غير المرضي عندهم، مع عدم ثبوت وثاقتهما لهم في النقل.

ولو فرض: انه قد كان ثمة قدح في المورد، فإنه يقع التعارض بينه وبين هذا التوثيق، الناشئ من رواية هؤلاء الذين لا يروون إلا عن ثقة عنه.

هذا كله.. لو ثبتت رواية هؤلاء عن الحكم، وعن عمرو بن جميع، وصح السند إليهم في الرواية في موردها.

3- الحكمان المجهولان:

وأما بالنسبة للحكمين المجهولين، فإن كانا غير الحكم بن عتيبة، فإن رواية هؤلاء عنهما، وهم من المجمع على تصحيح ما يصح عنهم.

كما أن من بينهم من نص الشيخ على أنه لا يروي إلا عن ثقة – إن ذلك – يكفي للحكم بوثاقتهما، كما إن مثل هذا المورد هو محل كلامنا، ومحط نظرنا في تفسير عبارة: "أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم"، فلا يصلح نقضاً في المقام.

وهكذا يتضح: أن رواية عمر بن حنظلة المتقدمة يمكن اعتبارها موثقة بل صحيحة، وليس فقط حسنة  فضلاً عن أن تكون مقبولة، وأن عمر بن حنظلة نفسه يعتبر من ثقات الأصحاب، الذين يمكن الاعتماد على روايتهم، وليس من المجاهيل، كما ربما يقال.


سند الصدوق إلى ابن حنظلة:

ويقولون عن عمر بن حنظلة: إن: "طريق الصدوق إليه: الحسين بن أحمد بن إدريس (رحمه الله)عن أبيه، عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن محمد بن عيسى، عن صفوان بن يحيى، عن داود بن الحصين، عن عمر بن حنظلة، والطريق ضعيف بالحسين بن أحمد"[49] انتهى.

ولكن الحقيقة هي أن الصدوق قد صرح في مقدمة كتابه " من لا يحضره الفقيه " بأنه: صنف كتابه بحذف الأسانيد، لئلا تكثر طرقه، وإن كثرت فوائده، قال: " ولم أقصد فيه قصد المصنفين في إيراد جميع ما رووه، بل قصدت إلى إيراد ما أفتي به، وأحكم بصحته، وأعتقد فيه أنه حجة فيما بيني وبين ربي الخ "[50].

فلربما يستفاد من ذلك: تصحيح أسانيد الرواية التي تكون بمفردها سنداً لفتوى الصدوق في هذا الكتاب، فإذا كان الحسين بن أحمد قد ورد في الفقيه في رواية لها هذه الخصوصية فيمكن أن يقال: إن معنى ذلك هو اعتماد الصدوق على الحسين هذا، وقبوله لروايته.

إلا أن يقال: إن الصحة في اصطلاح القدماء لا تلازم وثاقة الراوي، كما تقدم، وتقدم مناقشة النوري في ذلك أيضاً.

هذا.. ولكن يمكن استفادة وثاقة الحسين بن أحمد من طرق أخرى أيضاً، فقد ذكر صاحب "التعليقة": أن الصدوق كلما ذكر هذا الرجل ترضى وترحم عليه، حتى لقد قال المجلسي: ترحم عليه عند ذكره أزيد من ألف مرة فيما رأيت من كتبه.

فاعتماد الصدوق عليه إلى هذا الحد واتخاذه شيخاً، وترضيه وترحمه عليه هذا المقدار يكشف عن أنه كان (رحمه الله) في غاية الجلالة، ومحلاً للاعتماد، ولا أقل من حصول الظن بذلك.

أضف إلى ذلك كله: أنه من مشايخ الإجازة، ولا يعقل أن يستجيز المستجيزون من شخص كذاب، أو وضاع، بل لابد أن يكون من الأعلام والمحترمين، المعروفين بالاستقامة والعلم[51].


دلالة الرواية على ولاية الفقيه:

أما بالنسبة لدلالة "صحيحة" عمر بن حنظلة، فإن ما يهمنا التعرض له في هذه العجالة، هو مدى دلالتها على ولاية الفقيه، وقبل بيان ذلك نود أن نشير إلى:

أنه لا ريب في أن الأنبياء والأئمة عليهم السلام لهم ولاية عامة، حتى على الأموال، والأعراض، والأنفس. ولهم الحكم والسلطنة، وحق التصرف في الأمور، بل هم أولى بالمؤمنين من أنفسهم. وذلك أمر بديهي ومعلوم من الكتاب والسنة، لا يحتاج إلى مزيد بيان، ولا إلى إقامة برهان، وقد تقدم.

كما أنه لا ريب في أنهم عليهم السلام قد منحوا الفقهاء، الذين لهم مواصفات معينة منصب القضاء وفصل الخصومات، وبعض الصلاحيات الأخرى التي يُرجَع إلى القاضي فيها عادة.

ولكن الكلام في أنه هل منح الأئمة عليهم السلام لأحد من الناس نوعاً من الولاية يزيد على ولاية القضاء هذه؟!، فهل أعطوا أحداً حق الحكم بين الناس، وتدبير أمورهم في المجالات السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، وغيرها، بحيث تكون مجاري الأمور بيده، وهو الحاكم، والزعيم – مثلاً – أم لا ؟!

لقد اختلف العلماء في ذلك، وتباينت أقوالهم ومذاهبهم، كما هو معلوم، ولسنا هنا في صدد استقصاء البحث في هذا المجال. ولكننا نبادر إلى القول: بوجود روايات عديدة تتعرض لهذا الأمر تصريحاً أو تلويحاً ومنها: رواية عمر بن حنظلة، التي أثبتنا قوة سندها، فإنها ظاهرة الدلالة أيضاً على أن الفقيه هو الحاكم، والقائد، والمدبر للأمور في المجالات المختلفة، وذلك ببيان:

أنه قد ورد فيها قوله عليه السلام، في مقام إرجاع المتخاصمين إلى الفقيه: ".. فإني قد جعلته عليكم حاكماً"[52].

وهو ظاهر ظهوراً تاماً في منح الفقيه العارف بأحكام الله تعالى حق تولّي أمور الناس، وأنه لابد من الرجوع إليه في البت فيها وحسمها، لأن الحاكم هو من يرجع إليه في الأمور للبت، والفصل فيها.

ومورد الرواية – وإن كان هو القضاء وفصل الخصومة – إلا أن من المعلوم: أن المورد لا يخصص الوارد، وإنما يكون مصداقاً له، والوارد هنا هو إعطاء منصب عام للفقيه، وهو حق الحاكمية على الناس، وإدارة شؤونهم، وتصريف أمورهم، من قبل من له أن يمنح حقاً كهذا.

والقضاء.. واحد من شؤون حكومة الفقيه على الناس، وإن كان السلطان الجائر قد اغتصب هذا الحق[53]، فإن اغتصابه له لا يسقطه عن كونه حقاً للفقيه، ولذلك صرحت رواية عمر بن حنظلة بأن من يتحاكم إلى السلطان، وإلى القضاة، فإنما تحاكم إلى الطاغوت، وما أمروا أن يكفروا به، وفي رواية أبي خديجة: ".. وإياكم أن يخاصم بعضكم بعضاً إلى السلطان الجائر.."[54].

ولو كان المقصود مجرد منح الفقهاء منصب القضاء وفصل الخصومة، دون ما سوى ذلك لم يستقم التعبير بـ "عليكم" في الفقرة المشار إليها، بل كان الأصح حينئذٍ، إما حذفها، أو استبدالها بكلمة: "منكم"، ولذلك نجد: أن الحكم بمعنى القضاء قد جاء في القرآن الكريم، بل وفي غيره، على هذا النحو ليس إلا، أي أنه إما استعمل وحده، أو أنه نصر كلمة " بينكم " أو "بين الناس" ونحوه ظرفاً له، ولم يرد مع كلمة " على "، لا متقدمة عليه، ولا متأخرة عنه، فكما لا يصح قولك: جعلت فلاناً عليكم جندياً، أو جابياً للزكاة، أو ساعي بريد، كذلك لا يصح قولك جعلته قاضياً عليكم، أو جعلته عليكم قاضياً.

وقوله: "قضى عليه"، معناه: قضى على خلاف ميله، وأصدر الحكم ضده، وبضرره، وكذا الحال بالنسبة لـ "جعلته حاكماً عليكم"، أو جعلته عليكم حاكماً، إذا كان الحكم بمعنى القضاء. نعم لو كان الحكم بمعنى السلطة، فإنه يصح إضافة " على " والأعلام أيضاً يقولون.

وسيأتي بعض الشواهد لذلك، حين ذكرنا موارد استعمال كلمة " حاكم " بمعنى المتولي للأمور.

قول بعض الأعلام في ذلك:

وعلى كل حال.. فقد قال الشيخ الأنصاري رحمه الله ما يلي:

"مضافاً إلى ما يستفاد من جعله حاكماً، كما في مقبولة عمر بن حنظلة، الظاهر في كونه كسائر الحكام المنصوبة في زمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة، في إلزام الناس بإرجاع الأمور المذكورة إليه، والانتهاء فيها إلى نظره، بل المتبادر عرفاً من نصب السلطان حاكماً، وجوب الرجوع في الأمور العامة المطلوبة للسلطان إليه[55].

وقال صاحب الجواهر – وهو يتكلم عن اعتبار الاجتهاد في القاضي وعدمه -: "ويمكن بناء ذلك – بل لعله الظاهر – على إرادة النصب العام في كل شيء، على وجه يكون له ما للإمام عليه السلام، كما هو مقتضى قوله عليه السلام: (فإني جعلته حاكماً)، أي ولياً، متصرفاً في القضاء، وغيره من الولايات، ونحوها"[56].

وقال في موضع آخر، وهو يتكلم عن اعتبار الإذن منهم عليهم السلام للقاضي: "وما عساه يُشعر به قوله عليه السلام في نصب نائب الغيبة: فإني قد جعلته حاكماً"[57].

وقال المحقق النائيني:

".. نعم لا بأس بالتمسك بمقبولة عمر بن حنظلة، فإن صدرها ظاهر في ذلك، حيث إن السائل جعل القاضي مقابلاً للسلطان، والإمام عليه السلام قرره على ذلك، فقال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجلين من أصحابنا تنازعا في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان، أو إلى القضاة، أيحل ذلك؟.. انتهى.

بل يدل عليه ذيلها أيضاً، حيث قال عليه السلام: "ينظر إلى من كان منكم قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا، فليرضوا به حكماً، فإني قد جعلته عليكم حاكماً"، فإن الحكومة ظاهرة في الولاية، فإن الحاكم هو الذي يحكم بين الناس بالسيف والسوط، وليس في ذلك شأن القاضي.."[58].

ولكنه (رحمه الله) عاد فاستظهر: أن المراد بالحاكم: القاضي، وسنتعرض إلى كلامه فيما يأتي إن شاء الله تعالى.

توضيح:

وبعد.. فإننا نزيد في توضيح ما تقدم، فنقول:

إن لفظ الحكم ومشتقاته يطلق على معان:

الأول: المنع من الفساد، يقال: حكم فلاناً، إذا منعه من الفساد.

الثاني: القضاء وفصل الخصومة، يقال: حكم، إذا قضى وفصل.

الثالث: البتّ في الأمور والفصل فيها، من دون اختصاص له في موارد الخصومة والقضاء.

الرابع: السلطة والحاكمية والولاية والسيطرة[59].

والظاهر هو: أن تلك المعاني كلها ترجع إلى معنى واحد، وهو من يرجع إليه البت والفصل في الأمور، ويمنع من الفساد، ولكن الاختلاف إنما هو بملاحظة الموارد. ليس إلا.. وإنما أطلق لفظ " حاكم " على القاضي، لأنه يحسم الأمر في مورد النزاع، ويبت فيه، ويمنع من استمرار الفساد بين المتنازعين.

ونظير العبارة المتقدمة في رواية ابن حنظلة ما روى عن أمير المؤمنين عليه السلام: "العلماء حكام على الناس"[60].

وفي نص آخر عنه عليه السلام: "الملوك حكام على الناس، والعلماء حكام على الملوك"[61].

وفي نص آخر: "الملوك حكام على الناس والعلم حاكم عليهم"[62].

وفي نص آخر: "العلم حاكم، والمال محكوم عليه"[63].

وليس المقصود بكلمة: "حكام" في هذه الفقرة مجرد من لهم فصل الخصومة والقضاء، إذ لا معنى لفصل الخصومة بالنسبة إلى الملوك ولا معنى لتعدية كلمة حكام "بعلى".

بل المراد: أن لهم حق التصرف، والإشراف، والنظر في الأمور، الأمر الذي يلزمه السلطنة والتولي للأمور، ولأجل ذلك نجد: أنهم يذكرون: أنهم قد ولدوا من كلمة "الحكم" معنى الولاية، وأطلقوا الحاكم على الوالي[64].

وإن كان سيأتي أنها غير مولدة أيضاً، وإنما هي مستعملة فيها على نحو الحقيقة، حسبما ألمحنا إليه في الشواهد الكثيرة التي أوردناها.

وبعد.. فإنه إذا كان للفقيه حق البت في الأمور، فإن معنى ذلك هو أن مجاري الأمور لابد أن تكون على يده، وهو الذي يملك حق التدبير والتصرف فيما دون سواه، وهذا معنى ما روي عن الإمام الحسين عليه السلام: "مجاري الأمور والأحكام على أيدي العلماء بالله، الأمناء على حلاله وحرامه"[65].. الأمر الذي يعني: أن لهم وحدهم حق السلطان والحاكمية على الناس، دون كل أحد..


شواهد ودلائل:

وبعد.. وحتى لا يبقى ثمة شك وشبهة في المقام، فقد رأينا: أن نورد بعض الشواهد والدلائل على أن كلمة: "حاكم" قد أريد منها: من بيده أزمّة الأمور، وإليه يرجع في أمور الناس، وإدارة شؤونهم السياسية وغيرها وأنها تستعمل مع التعدية بكلمة "على".. فنقول:

لقد قال السيد الحميري (رحمه الله تعالى )، بمناسبة أخذ المهدي العباسي للبيعة من الناس لولديه: الهادي، والرشيد بولاية العهد، قال في جملة أبيات له:

وطاعة المهدي ثم ابنه * موسى على ذي الإربة الحازم

وللرشيد الرابع المرتضى * مفترض من حقه اللازم

ملكهم خمسون معدودة * برغم أنف الحاسد الراغم

ليس علينا ما بقوا غيرهم * في هذه الأمة من حاكم[66]

وحينما ذهب أبو طالب (رضوان الله تعالى عليه) لطلب يد خديجة رضوان الله تعالى عليها خطب بهذه المناسبة، فكان مما قال:

"الحمد لرب هذا البيت، الذي جعلنا من زرع إبراهيم، وذرية إسماعيل، وأنزلنا حرماً آمناً، وجعلنا الحكام على الناس"[67].

فأبو طالب لا يُريد: أنهم قضاة بين الناس، وإنما يريد: أن إليهم يرجع في المهمات، وبيدهم أزمة الأمور، وهم القادة والسادة كما هو ظاهر.

وعلى هذا المعنى جاء قول أمير المؤمنين عليه السلام في خطبته القاصعة، وهو يصف حال الماضين، الذين رأى الله جد الصبر منهم على الأذى في محبته:

"جعل لهم من مضايق البلاء فرجاً، فأبدلهم العز مكان الذل، والأمن مكان الخوف، فصاروا ملوكاً حكاماً، وأئمة أعلاماً"[68].

كما انه عليه السلام بعد أن يذكر حال ولد إسماعيل، وإسحاق، وبني إسرائيل في الجاهلية، وتشتتهم وتفرقهم، ثم كيف تغيرت حالهم بعد بعثة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، فأصبحوا – كما يقول عليه السلام -:

"قد تربعت الأمور بهم في ظل سلطان قاهر، وآوتهم الحال إلى كنف عز غالب، وتعطفت الأمور عليهم في ذرى ملك ثابت، فهم حكام على العالمين، وملوك في أطراف الأرضين، يملكون الأمور على من كان يملكها عليهم، ويمضون الأحكام فيمن كان يمضيها فيهم[69] لا تغمز لهم قناة، ولا تقرع لهم صفاة"[70].

وقال عليه السلام وهو يصف صنف المنافقين من المحدثين: "فتقربوا إلى أئمة الضلالة، والدعاة إلى النار، بالزور والبهتان، فولوهم بالأعمال، وجعلوهم حكاماً على رقاب الناس"[71].

وورد في حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم، يذكر فيه: أن المسلمين إذا فعلوا بعض الأشياء رماهم الله بأربع خصال، وذكر منها: "الخيانة من ولاة الحكام"[72].

وعن الصادق عليه السلام:

"يكون شيعتنا في دولة القائم سنام الأرض، وحكامها"[73].

وعن علي بن الحسين عليه السلام، في هذا المورد بالذات: "ويكونون حكام الأرض، وسنامها"[74].

وعن أمير المؤمنين عليه السلام:

"وهم القضاة والحكام على الناس"[75].

وحينما سئل الصادق عليه السلام عن أصحاب القائم (عج)، فقيل له: ليس على ظهرها غير هؤلاء؟ قال: "بلى في الأرض مؤمنون غيرهم، ولكن العدة التي يخرج فيها القائم عليه السلام، وهم النجباء، والقضاة، والحكام، والفقهاء في الدين.. الخ"[76].

وقال عليه السلام:

"هم أصحاب الألوية، وهم حكام الله في أرضه على خلقه"[77].

وفي نص آخر عن الصادق عليه السلام:

"فإذا قام القائم عليه السلام ولى هؤلاء القوم، ويكونون حكام الأرض"[78].

بل لقد ورد في ذيل صحيحة عمر بن حنظلة نفسها قوله عليه السلام :

"قلت: جعلت فداك، فإن وافقها الخبران جميعاً؟ قال: ينظر إلى ما حكامهم إليه أميل وقضاتهم، فيترك، ويؤخذ بالآخر، قلت: فإن وافق حكامهم وقضاتهم الخبران جميعاً.. الخ".


الاعتراضات.. وأجوبتها:

وإذا تحقق ما تقدم، فإننا نقول: لقد اعترض، أو يمكن أن يعترض على دلالة رواية عمر بن حنظلة وغيرهما مما تقدم بوجوه، نذكر منها ما وقفنا عليه، أو خطر بالبال، ثم نجيب عنه، على النحو التالي:

1- ولاية كل فقيه لا تصح:

إنه وإن أمكن نصب قضاة متعددين لجماعة واحدة، لكن جعل الولاية للفقيه الجامع للشرائط غير ممكن، لأن معنى ذلك هو أن يكون لها آلاف الحكام في آن، وذلك فيما لو كثر المجتهدون والفقهاء، وهو أمر مضحك للغاية.

ولو أراد واحد منهم أن يتصدى للحكومة فعلاً، فما هو المرجح له على غيره؟!

كما أن عليه أن يستجيز من باقي الفقهاء الذين في عصره جميعاً.

ثم، ما هو مصير الإمام الذي جعل هؤلاء حكاماً في حال حياته؟!. وما الذي يبقى له؟!.

فكل ذلك يدل على أن المراد من الحاكم، في رواية ابن حنظلة هو خصوص القاضي.

ونقول:

ولكن ذلك لا يرد، وذلك لما يلي:

أولاً:

إن الولاية بمعنى الحاكمية، وإدارة شؤون العباد، لم تعط لعنوان الفقيه، هكذا، ومن دون تحديد، حيث إننا نجد أن الروايات الأخرى قد حددت المواصفات لهذا الفقيه، الذي أعطيت له هذه الحاكمية في رواية ابن حنظلة، وأنه هو خصوص الأعلم من الفقهاء دون سواه، فلا يحق لغير الأعلم أن يتصدى للحكم مع وجود الأعلم الجامع لسائر الشرائط.

وسيأتي: أن الإمام الحسن عليه السلام قد ذكر في خطبته أمام معاوية: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:

"ما ولت أمة أمرها رجلاً قط، وفيهم من هو أعلم منه، إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالاً حتى يرجعوا إلى ما تركوا".

وسيأتي بسند صحيح، عن الصادق عليه السلام: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال:

"من ضرب الناس بسيفه، ودعاهم إلى نفسه، وفي المسلمين من هو أعلم منه، فهو ضال متكلف".

وجاء في صحيحة عيص بن القاسم، قال:سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "عليكم بتقوى الله، وحده لا شريك له، وانظروا لأنفسكم، فوالله إن الرجل ليكون له الغنم فيها الراعي، فإذا وجد رجلاً هو أعلم بغنمه من الذي هو فيها يخرجه، ويجئ بذلك الرجل الذي هو أعلم بغنمه من الذي كان فيها، والله لو كانت لأحدكم نفسان..الخ"[79].

وواضح: أنه عليه السلام يؤكد في كلامه هذا على حكم الفطرة، الذي أشرنا إليه فيما تقدم.

وسيأتي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أن "الرئاسة لا تصلح إلا لأهلها، فمن دعا الناس إلى نفسه، وفيهم من هو أعلم منه، لم ينظر الله إليه يوم القيامة" أو "فهو مبتدع ضال ". كما عن الصادق عليه السلام.

وعن علي عليه السلام: "أن أولى الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاؤا به"، وفي نص آخر: "أقرب الناس إلى الأنبياء أعلمهم بما أمروا به"[80].

لأن الأولوية بالأنبياء إنما هي الأولوية بمناصبهم، وإجراء مقاصدهم، وتحمل المسؤوليات في مقام التبليغ والإجراء على سبيل الإعانة في حال حياتهم عليهم السلام[81]، وعلى سبيل الاستقلال بعد وفاتهم عليهم السلام.

وعن علي عليه السلام: "إن أحق الناس بهذا الأمر أقواهم عليه وأعلمهم بأمر الله فيه"[82].

ويمكن تأييد ذلك أيضاً بما رواه العرزمي، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

"من أم قوماً وفيهم من هو أعلم منه لم يزل أمرهم إلى السفال إلى يوم القيامة.."، وفي نص آخر للرواية: "أعلم منه وأفقه"[83].

ويؤيدها غيرها.

وبما ورد عن الصادق عليه السلام: "اعرفوا منازل الناس على قدر روايتهم عنا"[84].

بل وربما ورد في رواية عمر بن حنظلة نفسها، حيث قال عليه السلام، حينما سئل عما لو اختار كل من المتخاصمين رجلاً واختلفا في الحكم:

"الحكم ما حكم به أعدلهما، وأفقههما، وأصدقهما في الحديث، وأورعهما. ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر..".

بل إن ذلك هو ما تحكم به السجية، ويقضي به العقل، كما قدمنا في أوائل هذا الكتاب، وأشارت إليه الصحيحة المتقدمة عن الإمام الصادق عليه السلام.

هذا كله.. عدا عن أن ولاية الأعلم هي الأقدر المتيقن، كما هو ظاهر لا يحتاج إلى بيان.

نعم.. لو لم يكن هذا الأعلم بالفقه عادلاً، أو عارفاً بزمانه وبشؤون الأمة، فإن القضية تتخذ طابعاً آخر، كما أشارت إليه رواية عيص بن القاسم المتقدمة، ولابد من مراعاة مصلحة الأمة في ذلك، وليس ذلك موضوع بحثنا الآن.

ثانياً:

يرى بعض من تعرض بحث هذا الموضوع: أنه لم يحدد الإسلام شكل وتفاصيل الحكومة في زمن الغيبة: مثل، هل يوضع في رئاسة الدولة فقيه واحد، أو أكثر، ولا غير ذلك من خصوصيات لأن فرض إعطاء الولاية للجميع، مع تحقق الشروط فيهم من العلم والإخلاص، والالتزام بالإسلام.. الخ، يمنع من الفساد، بل إن الشروط المعتبرة هذه تكون سبباً للصلاح والإصلاح باستمرار، لأن ذلك يدعوهم لأن يتشاوروا فيما بينهم، ويوحدوا كلمتهم، ويضعوا الحلول المناسبة لكل ما يواجههم، وقد يتنازل بعضهم عن رأيه الذي يراه صحيحاً، إيثاراً للمصلحة العامة، وبإمكانهم أن يتفقوا على صيغةٍ – ما – في هذا المجال تفادياً لوقوع أي خلاف، كأن يأخذوا بنظام الأكثرية أو الرجوع إلى رأي فلان منهم – لمواصفات خاصة فيه – أو يعين لكل منهم مجاله الخاص، أو يعينون أحدهم رئيساً للدولة على أن يطيعه الكل إلا إذا رأى الكل او الأكثر خطأه، أو نحو ذلك من قرارات.

ولو وجد فقيه آخر في خارج الدائرة، وكان نقضه لحكم من أحكام رئيس الدولة موجباً للاختلاف، وترتب مفاسد غالبة على مصلحة نقض الحكم لم يجز له ذلك، ووجب عليه السكوت والتسليم[85].

هذا.. ما ذكره البعض، في مقام الجواب عن الإيراد المتقدم وإن كنا نحن نرى: أن "الشركة في الملك تؤدي إلى الاضطراب" – كما عن امير المؤمنين عليه السلام[86] – وإلى الضعف، والتأخير، ثم تسرب الكثير من المشكلات التي لا مجال لبسط القول فيها، فالحق في الجواب هو ما ذكرناه أولاً.

وقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: "ما لكم وللرياسات إنما للمسلمين رأس واحد"[87].

2- لا إطلاق في المحمول:

لقد رأى بعض من بحث هذا الموضوع: أن رواية عمر بن حنظلة لا عموم ولا شمول فيها لغير مورد فصل الخصومة، إلا إذا تمسكنا بالإطلاق لكلمة: "حاكماً"، وهو لا يصح، لأن الإطلاق بمعنى الشمول لا يجري في المحمول، والقدر المتيقن بلحاظ مورد الحديث – هو موارد فصل الخصومة والقضاء ليس إلا[88].

والجواب:

أولاً:

إن العموم والشمول ليس من جهة الإطلاق في المحمول وهو قوله عليه السلام: "حاكماً" وإنما من جهة أن لفظ، "حاكم" له مفهوم واسع بحسب وضعه، وما يفهم منه عرفاً، فإن العرف واللغة يفهم منه العموم والشمول لكل الأمور العامة، التي تحتاج إلى من يبتّ فيها، ويكون قوله الفصل وحكمه العدل، سواء أكانت من الأمور السياسية، أو الاقتصادية، أو العسكرية أو غيرها مما يكون من شأن الحاكم والوالي أن يضطلع به، ويجدي في إقرار النظام، وإصلاح الحالة العامة، ويحفظ مصلحة المسلمين. ولا يشمل الأمور الشخصية كما ربما يتوهمه البعض.

فالعموم والسعة مستفاد من حاق اللفظ، بملاحظة الفهم اللغوي والعرفي له، فلو قيل: راجعوا فلاناً في شؤونكم، لأن بيده أزمّة الأمور، وهو الذي يملك حق البتّ والفصل فيها، فإنه لا يمكن لأحد أن يدّعي: أن المراد: خصوص الأمور القضائية، حتى ولو كان مورد الكلام والواقعة المسؤول عنها هو ذلك، وذلك لأن العرف يفهم: أن الإرجاع فيا الواقعة المذكورة إليه، إنما هو لأن له منصباً عاماً، يكون القضاء واحداً من الأمور التي يرجع فيها إليه، ولاسيما إذا تعارف الناس، وأيدت اللغة: أن يكون القضاء واحداً من شؤون الحاكم الذي بيده أزمّة الأمور، وخصوصاً مع الإتيان بكلمة " على " في العبارة المذكورة، كما أشرنا إليه.

هذا.. عدا عن الروايات الأخرى التي تدل على ذلك، وقد تقدمت.

نعم.. وقد تعلّق الجعل بهذا المعنى المتبادر بالذات. ولو أراد الشرع غير ذلك لكان عليه البيان.

لا أنه من قبيل كلمة: البيع ونحوه، حتى يقال: إنه قد وقع محمولاً، ولا يجري الإطلاق بمعنى الشمول في المحمول.

وبعبارة أخرى: قد تعلق الجعل في أمر بسيط، قد يتجسد في مورد القضاء، وقد يتجسد في مورد تنظيم أمور العباد، وتصريف شؤونهم وتدبيرها، فخصوصية المورد لا تعني تخصيص الوارد بها لأن ذلك معناه أن تكون مشخصات الأفراد داخلة في دائرة الجعل.

ثانياً:

إن ما ذكره من عدم جريان الإطلاق على المحمول، لا يمكن قبوله، بل الإطلاق يجري فيه كما يجري في غيره، إلا إذا كان المحمول غير قابل للإطلاق لخصوصية لو كان جزئياً، كزيد مثلاً – كذلك، ولكن ذلك خارج عن القانون العام في مقام التخاطب.

فإذا قيل: حرم الله بيع الخمر مثلاً، فلا يفرق في ذلك بين أنواع البيع كالنقد والنسيئة والمرابحة وغير ذلك، بل تشمل الحرمة أنواع البيع وأقسامه وكذا لو قيل: العالم يجب إكرامه، فكما يجري الإطلاق في الموضوع، فيقال: المراد كل عالم. إذا تمت مقدمات الإطلاق، كذلك يجري الإطلاق أيضاً في طرف المحمول إذا تمت مقدماته، فيقال: لا يفرق في هذا الوجوب بين زمان دون زمان، ولا بين حال دون آخر، وكذلك لا يفرق في الإكرام بين أفراده ومصاديقه، ولا بين أحواله وأمكنته وأزمانه، إلى غير ذلك مما يمكن أن يعتبر حالاً له، هذا في الإطلاق البدلي.

كما أنه لو قيل: زيد عالم، فإن معناه ثبوت العالمية له بمعناها الأوسع، الشامل لجميع المحتملات التي تكون مورد الشك والشبهة، ويفترض من المولى لو كان يريد خلافها أن ينصب قرينة على ذلك، فيشمل علم الفقه والرياضيات والفلك ووالخ..

وكذا لو قيل: زيد خليفتي، أو وصيي، أو وارثي، ومنه قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "علي مني بمنزلة هارون من موسى" فإنه يحكم بشمول الخلافة والوصاية والإرث، وبعموم المنزلة لكل الموارد التي تصلح لذلك، وكذلك لو قيل: فلان حاكم عليكم، فإنه يشمل كل ما تكون الحاكمية آتية فيه.

ودعوى: أن القضاء هو القدر المتيقن هنا..

قد تقدم ما فيها: وأن الكلام وارد مورد القاعدة، وله ظهور في العموم والشمول، كما أشرنا إليه فيما سبق.

هذا إن لم نقل: إن هذه الجملة قد جاءت بمثابة التعليل للحكم بوجوب التحاكم إلى الفقيه، فيؤخذ بعموم التعليل.

وإذا رجعنا إلى حديث المنزلة الذي لا شك في عموم المنزلة فيه، فإن القرينة على إرادة العموم في المحمول وهو المنزلة تارة تكون هي الاستثناء، وأخرى تكون القرينة العقلية ومن الواضح: أن مقدمات الحكمة هي تلك القرينة، ويصح الاعتماد في ذلك على كلا القرينتين، وهو المطلوب.

وثالثاً:

وأخيراً.. فإن هذا المعترض نفسه قد قرر قبل ذلك بقليل – حين الكلام على قوله عليه السلام: "العلماء حكام على الناس" -: أنه حيث لا معنى للإطلاق البدلي، ويدور الأمر بين الإطلاق الشمولي، والإهمال، وتكون الجملة مبينة للحكم دون مجرد الأخبار، فإن العرف يستنبط الإطلاق في هذه الحالة[89].

مع أن كلمة: "حكام على الناس" محمول، فكيف استنبط العرف الإطلاق في المحمول؟.

3- القرينة على إرادة الحاكم في القضاء:

لقد أورد على دلالة الرواية أيضاً: بأن لفظ: "الحاكم" يستعمل كثيراً في عصر صدور النص بمعنى القاضي، وقد كتب الإمام أبو الحسن الثالث في تفسير قوله تعالى:

﴿وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ﴾، الحكام: القضاة[90].

وذلك يمنع من انعقاد الإطلاق، فالقدر المتيقن هو الرجوع إلى الفقيه في الفتوى، وفصل الخصومة، بتوابعها، ومن جملتها التصدي للأمور الحسبية[91].

وأما بالنسبة لكلمة: "عليكم" في قوله عليه السلام: "جعلته عليكم حاكماً" فإنما هي لأجل بيان شمول منصب قضاء القاضي لجميع المخاطبين، ويراد منها معنى الاستعلاء، فلا تصلح قرينة على أن المراد من الحاكمية معنى السلطة، بل المقصود بالحاكم في الرواية خصوص القاضي، بقرينة الرواية المتقدمة التي تتحدث عن تفسير الإمام الهادي عليه السلام للحكام بالقضاة.

كما أن أمير المؤمنين قد أراد بالحاكم: القاضي، في موضعين في الخطبة العاصقة. وقد تقدم النص فراجع[92].

ثانياً: فإطلاق الحاكم على الملك، والخليفة، والوالي، إنما هو باعتبار أن الحكم من شؤونه، لا انه ينخلع عن مفهوم ومعنى القضاء وفصل الخصومة بالكلية، ليطلق بمعنى الملك والوالي.

ونقول: إن هذا الاعتراض بتقريره غير وارد، وذلك:

أولاً: لأن تفسير الإمام للآية بأن المراد بالحاكم هو القاضي، لا يدل إلا على أن المراد بالآية ذلك، فلعله أشار عليه السلام إليه باعتبار أنه أحد مصاديق كلمة: "الحاكم".

كما أن هذا المعنى من كلمة: "الحاكم" الواردة في الآية لا يعين لنا المراد من الرواية[93].

ثانياً: أما أن القضاء وفصل الخصومة هو القدر المتيقن، فقد قدمنا: أنه لا يصح، لأن لفظ "الحكام" له مفهوم واسع، وهو من يبتّ، أو يرجع إليه في الأمور للبتّ فيها..

وتطبيق هذه الكبرى على موردها في رواية ابن حنظلة لا يوجب تخصصها به، كما أشرنا إليه، لأنه كلام يصح أن يبتدا به، فيؤخذ بعمومه وشموله الوضعي – أي المستفاد منه هو ولو بالإطلاق – ولا يكون مورده مخصصاً له.

فليس للحاكم إلا هذا المعنى، فإذا جعل لأحد منصب الحاكمية، فإنما يجعل له بما له من المعنى الأصلي الجامع.

بل إن إطلاق الحاكم على القاضي ليس إلا لأن بيده أزمّة الأمور في مجاله الخاص به.

ثالثاً: إن كلمة "عليكم" لا تنافي إرادة هذا المعنى أيضاً، إذا قلنا: إن متعلقها هو الحاكمية لا الجعل، ويؤيده عدم صحة قولهم: جعلت فلاناً عليكم جابياً، أو جندياً، كما قدمنا، فقوله: جعلته عليكم حاكماً، يراد منه: جعل الحاكمية له عليكم.

وإذا أريد من الحاكم القضاء، فإما أن يستعمل بمفرده، أو أنه يَنصِب كلمة: "بين" ظرفاً له، كما قدمنا، تماماً كلفظ: "القاضي" الذي يكون بمعناه.

نعم، لو أريد الإشارة إلى سلطة القاضي، أو إلى سعة صلاحياته فإنه يؤتى حينئذٍ بكلمة: "عليكم".

ولعل رواية أبي خديجة التي في الوسائل وفيها: "جعلته عليكم قاضياً"[94]، قد جاءت على هذا الأساس أي أنها أرادت بيان خصوصية القوة والسلطة للقاضي، هذا إن لم نقل: لا ريب في أنه قد وقع فيها تحريف، لأنه (رحمه الله) قد نقلها عن الشيخ، وليس في النص الذي عند الشيخ وغيره كلمة: "عليكم" هذه[95].

هذا كله.. عدا عن أن الروايات الأخرى الواردة عن الإمام الحسين عليه السلام، وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "العلماء حكام على الناس"، و "الملوك حكام على الناس، والعلماء حكام على الملوك". و "ومجاري الأمور بين العلماء".

وكذلك الروايات التي ستأتي تحت عنوان: "مؤيدات.. بل أدلة.." كل ذلك يوضح المراد من العبارة الواردة في رواية ابن حنظلة، لأن لها لساناً وسياقاً واحداً، كما هو ظاهر.

4- وإيراد رابع على رواية عمر بن حنظلة، وهو:

أنه لو سلّم دلالة الرواية على ولاية الفقيه، فإنما تدل على نيابته عن الإمام الصادق عليه السلام، الذي صدر عنه هذا القول وتنتهي بموته عليه السلام، فنحن بحاجة إلى إثبات النيابة من قبل الإمام صاحب الزمان عليه السلام[96].

ونقرر نحن هذا الإشكال، بطريقة أخرى، فنقول:

إن هذه الولاية المعطاة للفقيه، من قبل الإمام الصادق عليه السلام، إن كان بمثابة نيابة له في تصريف الأمور في حال حياته عليه السلام، فهي تنتهي بموته عليه السلام، ولا تجدينا شيئاً، وإن كانت وصاية منه عليه السلام للفقيه، بحيث لا يمكنه مباشرة العمل إلا بعد موت الموصي، فهل يصير الفقيه شريكاً للأئمة الذين يأتون بعد موت الإمام الموصي في تصريف الأمور، والحكومة على الناس ؟! أم يكون الحق للفقهاء دونهم عليه السلام ؟! أم العكس ؟!.

بل إن هذا الكلام بعينه يأتي بالنسبة للإمام الذي أعطاهم هذا الحق، إذا كان لهم حق التصرف في حياته.

وقد أجيب عن هذا الإشكال بحسب تقريرهم: بأن هذا ليس من قبيل النيابة، بل هو إعمال للولاية في إعطاء الولاية للفقيه، فيبقى نافذ المفعول ما لم يثبت إعمال ولاية أخرى ترفع ولاية الفقيه هذه[97].

فاندفع بذلك الإشكال، على النحو الذي قرروه هم، ولكنه ينفع في دفع الإشكال بالنحو الذي قررناه نحن، إلا في بعض فروضه، ولذا، فلابد أن نزيد نحن هنا:

أولاً:

إن هذا الإشكال – لو سلم – فهو وارد على أي حال حتى لو قلنا: إن المراد بالحاكم هو القاضي الذي يفصل الخصومات، فإن القضاء من مناصب الأئمة عليهم السلام، ولا يجوز لغيرهم التصدي له إلا بتخويل منهم عليهم السلام.

وثانياً:

إنه يظهر من جماعة كون أصل الحكم بين الناس مشتركاً بين الإمام وغيره، غاية الأمر يكون جواز قيام غيره به مشروطاً بإذنه، كالصلاة على الميت، الواجبة كفاية على كل أحد، ولكن يشترط في إتيان الغير بها إذن ولي الميت[98].

وثالثاً:

إن إعمال الولاية في إعطاء الولاية للفقيه، لا يعني إشراكه بالأمر، أو استقلاله بالتصرف دونه عليه السلام، وذلك للانصراف العرفي القاضي بأن ما يباشره الإمام عليه السلام بنفسه، وما هو قادر على مباشرته كذلك فعلاً غير مشمول لهذه الولاية المعطاة.

وهذا من قبيل ما لو اتخذ رئيس الجمهورية ممثلاً ونائباً عنه فعلاً، فإن هذا لا يعني: أن هذا النائب قد صار شريكاً له أو أن له أن يستقل بالأمر دونه، بل معناه: أن له أن يباشر صلاحياته في الموارد التي لا يمكن لرئيس الجمهورية الاضطلاع بها فعلاً، أو التي يأذن له بمباشرتها، وأنه لو حدث للرئيس ما يمنعه – مؤقتاً: كمرض أو سفر، أو مطلقاً: كموت، أو جنون – من ممارسة عمله، فإن على هذا النائب أن يصرف الأمور إلى حين عودة القدرة لهذا الرئيس، أو انتخاب رئيس بديل عنه.

والإمام له حق في أن يتخذ نائباً له وعن الأئمة بعده، ويكون حال النائب معه ومعهم هو ما ذكرنا.

وعلى هذا.. فليس ثمة أي محذور في أن يمنح الإمام ولاية فعلية للفقيه الجامع للشرائط، وهي لا تعارض صلاحياته، ولا صلاحيات الإمام الذي يليه.

5- ويمكن الإيراد أيضاً على دلالة الرواية:

بأنها ليست ناظرة لا للحكم بمعنى القضاء، ولا للحكم بمعنى البت بالأمور والفصل فيها، وإنما هي ناظرة إلى نقل الحديث، المتضمن لحكم الواقعة، أو ناظرة إلى الفتوى، وإرجاع المقلد إلى المجتهد، وذلك بقرينة أنه عليه السلام قد ذكر الترجيح بالأصدقية فيها.. أي أنه في النقل رجح أصدقهما.. ورجوع المتنازعين إليهما ليس بعنوان المرافعة، وإنما بهدف التعرف على الحكم الشرعي[99].

ونحن في مقام الجواب عن ذلك نقول:

أولاً:

إن قوله عليه السلام: "جعلته عليكم حاكماً" لا ينسجم مع ما ذكر في معنى الرواية، إذ لو كان المقصود الإرجاع إليه بما أنه راو، أو مرجع فتوى لم يكن معنى لجعل الحاكمية له، بل كان اللازم الاكتفاء بالأمر بمراجعته لأخذ الحكم منه، على أنه طريق لمعرفته، لا أكثر ولا أقل.

والقول بأنه: حيث إن الحكم هو ما يقوله، فإنه يصح إطلاق الحاكم عليه[100].

لا يدفع الإشكال، لأنه لو سلّم أن ذلك يصحح الإطلاق، فإنه لا يصحح جعل الحاكمية له.. كما هو ظاهر.

أضف إلى ذلك: أن ملاحظة استطراد الإمام عليه السلام في ذكر الخصائص يعطينا: أنه عليه السلام قد كان بصدد ذكر الفقيه العارف بالحلال والحرام، ولأجل ذلك ذكر عليه السلام فيها أن " الحكم ما حكم به أعدلهما، وأفقههما، وأصدقهما في الحديث "، فلو كان المقصود مجرد الإرجاع إليه بما أنه راو لم يكن معنى لذكر الأفقهية وغيرها.

وثانياً:

إننا نلاحظ: أنه عليه السلام قد فرع على جعل هذه الحاكمية للفقيه: أن الرد على رد على الأئمة، واستخفاف بحكم الله تعالى، ولو كان المراد الإرجاع إليه بما أنه راو، أو مفت، لكان الأنسب تفريع هذين الأمرين على الحكم المجعول، لا على جعل الحاكمية له[101].

وثالثاً:

إن الكلام هو في أخذ المال بحكم السلطان الجائر، حتى يكون سحتاً، أو بحكم العادل حتى لا يكون كذلك، وذلك لا يتناسب مع مجرد إيراد الرواية، بل يحتاج إلى إصدار الحكم، ثم الإجراء، وإلا فلو أن الجائر حكم له بما أنه راو، أو مفت، فلماذا لا يقبل منه إذا علم انه صادق في روايته، أو في استنباطه ؟. فإن كان المقصود: الرواية من العادل فليكن في الجائر كذلك، وإن كان المقصود الحكم من الجائر، فليكن في العادل كذلك.


مؤيدات.. بل أدلة:

كما أن مما يؤيد، بل يدل دلالة واضحة على أن الولاية العامة، وتدبير أمور الناس، إنما هو للفقيه الجامع للشرائط – بالإضافة إلى ما تقدم:

1- عن علي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "ألا أدلكم على الخلفاء مني ومن أصحابي، ومن الأنبياء قبلي، وهم حملة القرآن والأحاديث عني وعنهم في الله والله"[102].

2- وعن علي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

"العلماء مصابيح الارض، وخلفاء الأنبياء، وورثتي، وورثة الأنبياء"[103].

3- ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، من أنه قال ثلاثاً:

"اللهم ارحم خلفائي".

قيل: ومن خلفاؤك يا رسول الله ؟

قال: "الذين يؤتون من بعدي، يروون حديثي وسنتي".

وفي نص آخر: "الذين يحيون سنتي، ويعلمونها عباد الله"[104].

4- وعن أمير المؤمنين عليه السلام:

"إن أولى الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاؤا به"، ثم تلا: ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾[105].

5- وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

"إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس، رؤساء جهالاً، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا"[106].

6- وعن الصادق عليه السلام:

"من دعا إلى نفسه وفي الناس من هو أعلم منه، فهو متبدع ضال"[107].

7- وقد قال الإمام الحسن عليه السلام في خطبة له أمام معاوية: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:

"ما ولت أمة أمرها رجلاً قط، وفيهم من هو أعلم منه إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالاً، حتى يرجعوا إلى ما تركوا ". وفي نص آخر: " حتى يرجعوا إلى ملة عبدة العجل"[108].

8- وعن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

"وفيهم أقرأ لكتاب الله منه وأعلم، لم يزل في سفال إلى يوم القيامة"[109].

9- وعن النبي صلى الله عليه ,آله وسلم:

"من تعلم علماً ليماري به السفهاء، أو ليباهي به العلماء، أو يصرف به الناس إلى نفسه، يقول: أنا رئيسكم، فليتبوأ مقعده من النار".

ثم قال:

"إن الرئاسة لا تصلح إلا لأهلها، فمن دعا الناس إلى نفسه، وفيهم من هو أعلم منه، لم ينظر الله إليه يوم القيامة"[110].

وقد روي بهذا المعنى عن الإمام الباقر عليه السلام أيضاً[111].

10- وعن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

"من استعمل رجلاً على عصابة، وفي تلك العصابة من هو أرضى لله منه، فقد خان الله ورسوله، وخان جماعة المسلمين"[112].

11- وعن علي عليه السلام:

"الملوك حماة الدين"[113].

12- وفي صحيحة عبد الكريم بن عتبة الهاشمي، نجد الإمام الصادق عليه السلام يواجه عمرو بن عبيد، ورهطاً من المعتزلة، برفض طلبهم البيعة لمحمد بن عبد الله بن الحسن، ثم يقرر قاعدة عامة. فيقول:

"يا عمرو، اتق الله، وأنتم أيها الرهط، فاتقوا الله، فإن أبي حدثني – وكان خير أهل الأرض، وأعلمهم بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم -: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:

"من ضرب الناس بسيفه، ودعاهم إلى نفسه وفي المسلمين من هو أعلم منه، فهو ضال متكلف"[114].

13- وقال أمير المؤمنين عليه السلام في وصف العالم في كلام له:

"قد نصب نفسه لله (عز وجل) في أرفع الأمور من إصدار كل وارد عليه، ورد كل فرع إلى أصله، فالأرض الذي هو فيها مشرقة بضياء نوره، ساكنة بقضائه، فراج عشوات، كشاف مهمات، دفاع مظلمات".

إلى أن قال عليه السلام:

"بقية أبقاه الله (جل وعز) لدينه وحجته، خليفة من خلائف أنبياء الله بلزوم طريقتهم، والدعاء إلى ما كانت عليه دعوتهم، والقيام بحجتهم"[115].

14- وعن الصادق عليه السلام:

"إعرفوا منازل الناس على قدر روايتهم عنّا"[116].

15- وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال:

"العلماء خلفاء الأنبياء"[117].

16- وعن علي عليه السلام:

"العلم سلطان من وجده صال به، ومن لم يجده صيل عليه"[118].

17- وعنه عليه السلام، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

"المتقون سادة، والفقهاء قادة، والجلوس إليهم عبادة.."

وفي نصّ آخر: "الأنبياء قادة والفقهاء سادة.."[119].

18- وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

"الفقهاء أمناء الرسل"[120].

19- وعنه (ص):

"لا خير في العيش إلا لرجلين: عالم مطاع، ومستمع واع"[121].

20- وعن الصادق عليه السلام:

"إن أبي كان يقول: إن الله لا يقبض العلم بعد ما يهبطه، ولكن يموت العالم، فيذهب بما يعلم، فتليهم الجفاة، فيضلون ويضلون، ولا خير في شي ليس له أصل"[122].

21- وعن غوالي اللآلي، عن بعض الصادقين عليهم السلام:

"الناس أربعة : رجل يعلم، وهو يعلم: أنه يعلم، فذاك مرشد حاكم، فاتبعوه.."[123].

22- وعن علي عليه السلام، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث:

"يرفع الله به – أي بالعلم – أقواماً، فيجعلهم في الخير قادة تقتبس آثارهم، وينتهى إلى رأيهم.."

وعلى حسب رواية الصدوق (عليه الرحمة):

"يجعلهم في الخير أئمة يقتدى بهم، ترمق أفعالهم، وتقتبس آثارهم"[124].

23- وقد تقدم عن الإمام الحسين عليه السلام:

"مجاري الأمور والأحكام على أيدي العلماء.. الخ".

24- وتقدم عن علي عليه السلام:

"العلماء حكام على الناس".

25- وتقدم عنه عليه السلام:

"الملوك حكام على الناس، والعلماء حكام على الملوك"[125].

26- ومما يشير إلى ذلك ما ورد من أنه:

"لا ينبغي ان يكون الوالي على الفروج والدماء، والمغانم والأحكام: البخيل، ولا الجاهل ولا الجافي ولا الراشي"[126].

27- وفي رسالة من أمير المؤمنين عليه السلام لمعاوية:

"والواجب في حكم الله وحكم الإسلام بعد ما يموت إمامهم، أو يقتل ضالاً كان أو مهتدياً مظلوماً كان أو ظالماً، حلال الدم أو حرام الدم، أن لا يعملوا عملاً ولا يحدثوا حدثاً، ولا يقدموا يداً ولا رجلاً ولا يبدأوا بشيء قبل أن يختاروا لأنفهسم، إماماً عفيفاً، عالماً، ورعاً، عارفاً بالقضاء والسنة، يجمع أمرهم، ويحكم بينهم، ويأخذ للمظلوم من الظالم حقه، ويحفظ أطرافهم، الخ.."[127].

إلى غير ذلك مما لا مجال لتتبّعه من الروايات التي تعبّر عن هذا المعنى تصريحاً أو تلويحاً.

هذا كله.. عدا ما ورد في فضل العلماء، وأنهم خير خلق الله تعالى بعد الأئمة الطاهرين، وأفضل الناس بعد النبيين صلوات الله وسلامه عليهم. وعلى كل حال.. فمهما أمكن النقاش في دلالة بعضها، فإن أكثرها – إن لم يكن كلها – يدل على أن مقام الرياسة والقيادة، وخلافة الأنبياء، سواء في تبليغ الأحكام، أو في تدبير الأمور إنما هو للفقيه العالم بما جاؤا به، وذلك أمر واضح لا يحتاج إلى بيان، ولا إلى إقامة برهان.

ولو ادعى أنها – بالإضافة إلى صحيحة ابن حنظلة – متواترة معنى لما كان ذلك بعيداً، وفي ذلك مقنع وكفاية لمن أراد الرشد والهداية.

الله جعل طالوت ملكاً:

وبعد ما تقدم.. فقد قال الله سبحانه: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلاَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَ تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلاَ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلاَ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾.[128].

ونقول في مقام الإستفادة من هاتين الآيتين:

1- إن هاتين الآيتين المباركتين، قد أكدتا على أن الله سبحانه هو الذي يصطفي الملوك للناس، ويختارهم لهم..

وقد جاء طلب هؤلاء القوم من نبيهم بعث ملك لهم موافقاً لهذه الحقيقة، فلم يتصدوا هم لنصب الملك عليهم، لا بواسطة الانتخاب، ولا بواسطة أهل الحل والعقد كما يزعمون.

وحين استجاب نبيهم لطلبهم هذا – لم ينسب بعث الملك لنفسه، فلم يقل لهم: إني قد جعلت عليكم فلاناً ملكاً. بل نسبه إلى الله سبحانه، حين قال لهم: ﴿إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً﴾، وقد جاء الكلام بصيغة الفعل الماضي، للدلالة على أن هذا أمر قد قضي وفرض منه سبحانه.

2- ونجد ثانياً: أن الله سبحانه قد علل جعل الملك لطالوت، واصطفاء الله له لهذا الأمر، بان الله سبحانه قد زاده بسطة في العلم وفي الجسم..

وكلمة ﴿زاده﴾ تشير إلى أن غيره منهم يفقد هذه الزيادة.  ولعل الشيخ الطوسي قد أشار إلى هذه النقطة بالذات، حين قال:

"قال أصحابنا: فيها دلالة على أن من شرط الإمام أن يكون أعلم رعيته، وأفضلهم في خصال الفضل، لأن الله تعالى علل تقديمه عليهم، بكونه أعلم وأقوى. فلو لا أنه شرط، وإلا لم يكن له معنى"[129].

وقال الطبرسي:

"فيها دلالة على أن من شرط الإمام أن يكون أعلم رعيته، وأكمل وأفضل في خصال الفضل والشجاعة"[130].

3- ويلاحظ التعبير هنا بقوله: ﴿زَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ﴾، حيث يتضمن ذلك إشارة لطيفة إلى ان العلم منبسط على مختلف الحاجات، والمواضع التي يحتاج فيها من يتولى هذه المسؤولية الخطيرة، إلى العلم. كما أن البسط في الجسم يستبطن استجماعه لكل الحالات ذات المناشئ الجسمانية، ويحتاج إليها الحاكم في مهماته المتنوعة مثل؛ قوة العضلات، والشجاعة في القلب، والعقل الراجح، وكذلك الميزات الشخصية التي تدخل في تكوينه الإنساني، كالكرم، والنبل والعفة، والوفاء وما إلى ذلك..

4- وقد أكد في الآية على حقيقة على أن الملك والحاكمية ليس للبشر فيه خيار، بل يرجع البت فيه إلى الله سبحانه. فقال الله تعالى: ﴿وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ﴾.

ولنتأمل قليلاً في قوله ﴿مُلْكَهُ﴾ حيث لم يقل: "الملك" فأكد بإرجاعه الضمير إلى الله عز وجل على حقيقة ان الملك لله يؤتيه من يشاء. وذلك لقوله: ﴿إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ﴾.

اجعل من لدنك ولياً:

وبعد ما تقدم يتضح: لنا ما ترمي إليه الآية الشريفة التي تأمر المسلمين بالقتال في سبيل الله، ثم في سبيل المستضعفين الذين يطلبون من الله أن يجعل لهم من لدنه ولياً، قال تعالى:

﴿وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً﴾[131].

فقد أظهرت هذه الآية – المادحة لهؤلاء المستضعفين – أن جعل الولي للناس إنما هو من قبل الله سبحانه وتعالى..


الاعتراضات وأجوبتها:

بقي أن نشير إلى بعض ما أورد، أو يمكن أن يورد به على هذه الروايات، فنقول:

1- لقد أورد على دلالة الرواية التي عن الإمام الحسين عليه السلام: "مجاري الأمور على أيدي العلماء.. الخ" بأن الظاهر منها هو أنه المراد بالعلماء فيها هو الأئمة عليهم السلام، لأنهم هم العلماء بالله تعالى، ولو أنه عليه السلام قال: "العلماء بأحكام الله"، لصح إرادة غيرهم[132].

وأيضاً فإنه عليه السلام قال: "على أيدي"، ولم يقل: "بأيدي"، ولا قال: "العلماء هم مجاري الأمور"، وتعبير الإمام عليه السلام ذاك لا يصح إلا بالنسبة للأحكام، لأن مجرى الأمر منبعه، وعلى هذا فلا تدل الرواية على الولاية العامة.

بل يظهر من عموم الأمور الشامل لكل أمور العالم هو إرادة الأئمة عليهم السلام، إذ أن الفقيه ليس له جميع امور العالم، كما هو واضح، والأخذ بالمتيقن يعين إرادة خصوص الأحكام فيما اشتبه حكمه، أو الحكم فيما اشتبه موضوعه، وحدوث التخاصم[133].

ونقول: إن هذه الإيرادات في غير محلها، وذلك:

أولاً:

إن العلماء عالمون بالله تعالى أيضاً، وذلك يكفي في صحة إطلاق كلمة "العلماء بالله" عليهم، وإن كان علمهم به لا يداني علم الأئمة عليهم السلام به تعالى.

أضف إلى ذلك: أنه عليه السلام قد أضاف إلى قوله: "العلماء بالله" قوله: "الأمناء على حلاله وحرامه"، فإذا أريد إبدال الأولى بما ذكره المستشكل يصير كأنه تكرار لا داعي له.

والظاهر: أن الهدف من التعبير على النحو المذكور في الرواية، هو الإشارة إلى الجهة العقيدية، ثم الإشارة إلى الجهة التبليغية للأحكام.

ثانياً:

إن التعبير بـ: "على"، في قوله: "على أيدي العلماء.." لا يضر في دلالة الرواية على الولاية، فإن كلمة الأمور تعين المراد، إذ لو كان المراد: "الأحكام" لعبر بها دون غيرها.

كما أن هذا التعبير له مغزاه، فإن الظاهر هو إرادة: أن الفقيه والعلم يكون سبباً في إجراء الأمور بيد غيره، ممن يمتثل أمره، ويعينه على تحمل، المسؤولية، وتكون أوامره الواسطة لذلك، وذلك كما يقال: بنى الأمير المدينة، والباني لها هم أعوانه.

ثالثاً:

من الذي قال: إن لفظ "الأمور" عام لجميع أمور العالم؟! فإن "أل" فيه للعهد، للاستغراق، والمراد: الأمور التي تحتاج إلى قائد ومدبر، وهي أمور الناس، بملاحظة أحوالهم وأوضاعهم العامة، كما أسلفنا، وليس ثمة متيقن إلا هذا، ولا أقل من أن هذه الأمور هي التي ينصرف إليها الذهن عند الإطلاق.

2- وأورد على رواية: إن "أولى الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاؤا به"، بأن: الأولوية معناها: الأليقية والأجدرية، وهي لا تستلزم إعطاء الولاية فعلاً، بل المعنى: أنه لو بُني على إعطاء هذا المنصب لكان هؤلاء أولى بالإعطاء من كل احد.

وأيضاً: فإن معنى الأولوية بهم أولويتهم بالاستيزار لهم، ومعونتهم في إجراء مقاصدهم، وإنقاذ القوانين التي بعثوا من أجلها، وذلك أجنبي عن مسألة ولاية التصرف في الأموال والأنفس.

وأخيراً.. فإن أعلم الناس بما جاء به الأنبياء هم الأئمة عليهم السلام، فلا يشمل كل من علم شيئاً مما جاؤا به[134].

ونحن في مقام الإجابة عن ذلك نقول:

أولاً:

لو سلمنا أن هذه العبارة بالذات لا تدل على الإعطاء الفعلي للولاية، فإننا نقول: إنها تبين بعض شرائط من أعطيت لهم هذه الولاية بواسطة الروايات الأخرى، كرواية ابن حنظلة عن الإمام الصادق عليه الصلاة السلام، والرواية الأخرى التي عن أمير المؤمنين عليه السلام، وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وعن الإمام الحسين عليه السلام، وغير ذلك مما تقدم.

ثانياً:

إنهم إذا كانوا هم الأولى والأجدر بمقام كهذا، فهل يعقل أن لا يمنحهم الله هذا المقام؟!

إلا أن يدعي: أن أصل الإعطاء لا معنى له، باعتبار أن هذا المقام قد استغنت عنه الأمة.

ولكن قد تقدم: أن هذه الدعوى لا يمكن قبولها بوجه، فراجع أوائل هذا البحث.

ثالثاً:

إن الأئمة عليهم السلام، وإن كانوا أعلم الناس بما جاء به الأنبياء، فهم الأحق بمقام الخلافة لهم صلوات الله وسلامه عليهم، إلا أن الكلام إنما هو بالنسبة لعصر الغيبة، الذي لا يكون فيه الأئمة المعصومون قادرين على التصدي لهذا المقام بالفعل، فمن الأولى بالتصدي لهذا المقام – الذي لابد من التصدي له – في هذه الحالة؟! أليس هو الأعلم بما جاؤا به؟ أفلا تفيد ههذ العبارة منه عليه السلام قاعدة كلية، مفادها: أن الأعلم فالأعلم هو الأولى بهذا المقام؟ فإن تعذر ذاك تعين الذي بعده، وهكذا؟.

وبعد.. فإن من الواضح: أن هذه الأولوية بالأنبياء عامة وشاملة لصورة حياتهم، بمعونتهم ومؤازرتهم، ولما بعد وفاتهم، بالقيام بالمهام التي كانوا يقومون بها، كما أن هذه العبارة تدل على ثبوت جميع المهام للعلماء بعدهم – حتى ولو كانت من قبيل التصرف بالأنفس والأموال – إلا ما خرج بالدليل، أو علم بالضرورة عدم الشمول له، وسيأتي بعض الكلام في ذلك في الكلام الآتي.

3- وأورد على الاستدلال برواية: "اللهم ارحم خلفائي"، بأن الخلافة مقولة بالتشكيك، فالخليفة في جميع ما يرجع إلى الشخص له مرتبة من الخلافة، كالأئمة عليهم السلام، والخليفة في بعض الأمور – كالأموال مثلاً – له مرتبة من الخلافة أيضاً.

فقوله عليه وآله الصلاة والسلام: "خلفائي" يشمل الأئمة قطعاً، وأما العلماء فلا يعلم مرتبة خلافتهم، فلعل خلافة العلماء الرواة له صلى الله عليه وآله وسلم مختصة بنشر الأحكام، كما يناسبه لفظ: يروون حديثي وسنتي، أو هو مع فصل الخصومات.

نعم لو قال: زيد خليفتي، وأطلق اقتضى ذلك الخلافة في جميع الجهات[135].

ونحن في مقام الجواب نقول:

أولاً:

إننا لا نجد فرقاً في الإطلاق بين قوله: زيد خليفتي وبين قوله: العلماء خليفتي، فإن المادة واحدة، والفرق إنما هو في تكثيرها، سواء في المحمول أو في الموضوع، فهو في قوة قولك: زيد خليفتي، وبكر خليفتي، وو.. الخ.

ثانياً:

إن هذه العبارة لها انصراف عرفاً عن الأئمة عليهم السلام، إلى غيرهم من الذين يروون سنته وحديثه.

ثالثاً:

إن قوله صلى الله عليه وآله: "يروون سنتي وحديثي"، ليس إلا للإشارة إلى مناط الحكم بالخلافة لهم.

أضف إلى ذلك: أن رواية الحديث والسنة، كما أنها شرط في الولاية للأئمة عليهم السلام، كذلك هي شرط للولاية في غيرهم من الولاة.. كما أنها شرط في الرواية والفتوى، والقضاء، كما هو معلوم.

رابعاً:

قال الإشكوري والنراقي ما ملخصه: إنه تارة يكون القيد احترازياً، كقولك: زيد خليفتي في أمر كذا، وتارة يكون توضيحياً، كقولك: خليفتي واجب الاتباع، وهو من كان عالماً مثلاً، والقيد الأول قادح للعموم، كما لو كان مطلقاً، وكان للمنزل عليه وصف ظاهر، فيجب صرف التنزيل إلى تلك الجهة. والثاني: لا يضر بالعموم، إذ غاية ما يستفاد منه بيان موضوع الخليفة، ورفع الإبهام، وأما أن التنزيل وقع على أي جهة فيحمل على العموم بقرينة الحكمة، ومنه قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "الذين يأتون بعدي.. الخ بعد قوله: اللهم ارحم خلفائي..".

إذا عرفت هذا عرفت: أن الاستدلال بأكثر تلك الأخبار لإثبات عموم نيابة العلماء عن الأئمة عليهم السلام في محله.. إذ لا يخفى على أحد: أنه لو قال نبي أو وصي لأحد عند مسافرته: فلان خليفتني، أو أميني، أو بمنزلتي، أو حجتي، أو الحاكم من قبلي، والمرجع لكم في حوادثكم، بيده مجاري أموركم وأحكامكم، هو الكافل لرعيتي، كما هو مضمون أدلة النصب، وبعض أخبار أخر، كان لهذا النائب بمقتضى التبادر كل ما كان للنبي أو الوصي من الأمور المتعلقة بالرياسة، والثابتة له من حيث كونه رئيساً، (فلا يشمل الأمور الشخصية)، والآثار المجعولة للرسالة، والقابلة للاستخلاف، والنيابة؛ وأما الآثار الثابتة له من حيث عبادته، أو طاعته، أو عصمته، ونحوها، كالمعجزات، والخوارق، فهي ليست من آثار الرياسة، لا عقلاً ولا شرعاً.

وهذا.. هو الظاهر من حال الحكام والسلاطين، عند نصب الخليفة والحجة والحاكم عند مسافرتهم إلى بلد، أو ناحية، فإنه يتبادر منه؛ أن له صلاحيات ذلك الحاكم، وفعل كلما كان ذلك السلطان يفعله إلا ما استثناه، ولا ينافي ذلك ذكر بعض القيود في بعض تلك الأخبار، لما عرفت من أنها واردة لبيان موضوع الخليفة.

كما أنه لا يجوز إرادة "الأئمة" من العلماء، لاشتمال بعضها على قيود لا تناسب جلالة شأنهم عليهم السلام، مثل قوله: "ما لم يدخلوا في الدنيا"، ونحوه.

كما لا يجوز صرف التنزيل في الأخبار إلى جهة التبليغ، وذلك لأن الأصل في الأخبار عن الله تعالى هو الإباحة، وحمله عليها يوجب خلوه عن الفائدة كما أن تفريع قوله تعالى: ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ﴾، على قوله تعالى: ﴿يا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرْضِ..﴾ يدل على عموم الخلافة لجميع الأمور، التي تكون من شأن المبلغ والرئيس[136].

هذا ما ذكره النراقي والأشكوري (رحمهما الله) بنحو من التصرف والتلخيص وهو كلام متين، وإن كان يمكن المناقشة بالنسبة للإطلاق في بعض الأخبار، وفي قوله: إن الأصل في التبليغ الإباحة، والحمل عليه يوجب الخلو عن الفائدة، حيث إنها ظاهرة ظهوراً تاماً في إرادة التركيز على أن التبليغ هو مهمة العلماء، ويجب عليهم أن يضطلعوا بهذه المهمة، إلا أن الأخبار التي ذكرناها فيما تقدم وغيرها لا إشكال في إطلاقها ولا في عمومها وقد تقدم بعض ما يشير إلى ذلك، فلا نعيد.


من نتائج البحث:

وبعد كل ما تقدم.. فإننا نستطيع أن نسجل ها هنا النتائج التالية:

1- إن الاستدلال على ولاية الفقيه بالحكم العقلي، كان تاماً وصحيحاً، إلا أنه دليل لبيّ لا إطلاق فيه، فلا يمكن الاعتماد عليه في موارد الشك والشبهة.

2- إن رواية عمر بن حنظلة تعتبر صحيحة السند، إن كان هذا الرجل إمامياً عادلاً، كما هو الظاهر مما قدمناه، أو موثقة إن كان غير إمامي – وهو بعيد -، فلا يتوقف في الرواية لأجل عمر بن حنظلة هذا.

3- إن إجماع العصابة على تصحيح ما يصح عن أولئك الثمانية عشر، أو أكثر، أو أقل، إذا ثبت،[137] فإن معناه: أنهم لا يروون إلا عن ثقة، وأنه إذا انتهى السند إلى أحدهم فإنه يحكم بوثاقة من بعدهم، فالجرح في من بعدهم يعارضه توثيقهم هذا، تماماً كما هو الحال لابن أبي عمير، وصفوان، والبزنطي.

4- إن الرواية التي في سلسلة سندها علي بن أبي حمزة البطائني – رئيس الواقفة على الإمام موسى بن جعفر عليه السلام تعتبر صحيحة معتبرة – إذا صح السند إليه – وليست ضعيفة بالبطائني هذا، لأنه كان – على الظاهر – حين روايته لها إمامياً عدلاً، بل وكذا الحال بالنسبة لغيره من الواقفة على الإمام الكاظم عليه السلام، كيزيد بن خليفة وغيره، إذا لم يكن ثمة جرح آخر فيه.

5- إن الحسين بن أحمد بن إدريس ليس ضعيفاً، بل هو موضع الاعتماد، ومحل الثقة، فلا تكون الرواية التي يقع في سلسلة سندها ضعيفة.

6- إن صحيحة عمر بن حنظلة تدل على ولاية الفقيه والمناقشات التي قيلت، أو يمكن أن تقال، حسبما قدمناه غير واردة ولا مقبولة، فالصحيحة إذن لا قصور فيها، في مجال الاستدلال على هذا الأمر، لا من حيث السند، ولا من حيث الدلالة.

7- إن الروايات الأخرى التي ذكرناها سواء تحت عنوان: "مؤيدات.. بل أدلة" أو غيرها قبل ذلك، هي بدورها تدل على جعل الولاية للفقيه.. وما ذكر في مجال الاعتراض عليها غير وارد أيضاً.

8- إن التصدي للرياسة العامة، وتسلم أزمّة الأمور، إنما يكون لخصوص الأعلم من الفقهاء، ولا يصح، ولا يحق لغيره: أن يدعو الناس إلى نفسه وفيهم من هو أعلم منه.. إلا إذا كان يفقد المواصفات الأخرى، كالعلم بالناس وأمورهم، او العدالة، أو نحو ذلك.

وهذا.. ما أردنا التنبيه عليه هنا.

وثمة نتائج أخرى يمكن الحصول عليها أيضاً في أثناء البحث..

والحمد لله أولاً وآخراً، وباطناً وظاهراً، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعنة على اعدائهم أجمعين، إلى يوم الدين.

هذا.. وقد أعدت النظر في بعض فصول هذا البحث في فرص متباعدة في بعض أيام عاشوراء سنة 1403 .ق. والحمد لله، وهو الموفق والمسدد.


خاتمة واعتذار:

وبعد..

فإني أرجو أن أكون قد وفقت في إعطاء لمحة واضحة عن موضوع ولاية الفقيه في رواية عمر بن حنظلة، وغيرها.

وأرجو كذلك أن يتحفني القارئ الكريم بكل ملاحظاته حول هذا البحث، وكذلك أن يمنحني العذر، لعدم متابعتي للبحث في سائر أدلة ولاية الفقيه، وحدودها وملابساتها، ومقارنتها مع غيرها من طروحات ونظريات؛ فإن ذلك بالإضافة إلى أنه لم يكن محط نظري منذ البدء، يحتاج إلى توفر تام، ووقت طويل، أسأل الله أن يهيئهما لي في الوقت المناسب.

وعلى كل حال.. فإنني إذ أودّع القارئ الكريم، على أمل اللقاء معه في مناسبات وموضوعات أخرى، أتمنى له كل خير، وتوفيق، وتسديد في خدمة الدين والأمة.

والحمد لله أولاً وأخيراً، وباطناً وظاهراً، والصلاة على محمد وآله.

22/12/1402

جعفر مرتضى العاملي

 

[1] في الطبعة الجديدة، ط. دار السيرة بيروت – لبنان 1-11 ج6، ص105 و106.

[2] غرر الحكم ودرر الكلم، المطبوع مع الترجمة الفارسية: ج1 ص36، وفي بعض المصادر "الأمانة"، راجع: غرر الحكم ج2 ص525 ونهج البلاغة: ج3 ص252.

[3] دستور معالم الحكم: ص170، وراجع: غرر الحكم: ج1 ص427، وج2 ص784، والبحار ج75 ص359 عن كنز الفوائد للكراجكي.

[4] نهج البلاغة بشرح محمد عبده، الخطبة رقم39، وعنده غيره رقم40، وراجع: أنساب الأشراف ج2 ص352 و377، ط الأعلمي، وتاريخ اليعقوبي ج1 ص209، ونقله في مصادر نهج البلاغة ج1 ص440، عن قوت القلوب ج1 ص530.

وراجع أيضاً: البحار ج72 ص358 ط بيروت، وكنز العمال ج11 ص286 و309 وج5 ص448، وكتاب الأم وتاريخ الطبري ج6 ص41، والمصنف لابن أبي شيبة ج15 ص338.

[5] عيون أخبار الرضا عليه السلام ج2 ص101، وعلل الشرايع ج1 ص253 ط سنة 1385.ق في النجف، وتفسير نور الثقلين ج1 ص412-413، وراجع المكاسب للشيخ الأنصاري ص153

[6] دعائم الإسلام ج2 ص538، وراجع: الكامل في الأدب للمبرد ج2 ص131 وفيه: "لابد من إمارة برة أو فاجرة".

[7] أصول الكافي ج1 ص200، وتحف العقول ص436، ومعاني الأخبار ص97 وعيون أخبار الرضا ج1 ص216، والأمالي للصدوق ص537، وإكمال الدين ص675، والغيبة للنعماني ص146، والاحتجاج ج2 ص227، والبحار ج25 ص122.

[8] علل الشرائع ج1 ص248 ومن لا يحضره الفقيه ج3 ص569، والاحتجاج ج1 ص134، والبحار ج8 ص106، ط حجرية، وبلاغات النساء ص16، وكشف الغمة ج1 ص483.

[9] البحار ج25 ص170، عن مشارق الأنوار للطبرسي.

[10] نهج البلاغة الخطبة رقم179، وتاريخ الطبري ج6 ص163.

[11] سورة الشورى، الآية: 10.

[12] سورة الحديد، الآية: 25.

[13] شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج20 ص308.

[14] سورة آل عمران، الأية: 146.

[15] سورة ص، الآية: 26.

[16] بالإضافة إلى مواصفات أخرى، مذكورة في مباحث الفقه الإسلامي، لا مجال لبحثها ها هنا.

[17] وبعد أن كتبت ما تقدم، وجدت عبارة مختصرة تصلح إجمالاً لما تقدم، وهي التالية: .. لو فرض السؤال عنه عليه السلام عن حاجة الناس إلى الرئيس في زمن الغيبة، فإن سكت في الجواب، فليس هذا من شأن الإمام عليه السلام، بعد السؤال عن الواقعة المبتلى بها، وإن أجاب بعدم احتياجهم إليه، وإن لزم الفساد، والهرج والمرج، فهو مناف لقوله عليه السلام: بأن بقاءهم وعيشهم لا يكون إلا بالرئيس، ولحكمة الحكيم. وإن أجاب باحتياجهم، إليه فهو المطلوب، إذ ليس لنا اليوم من يقوم بأمور المسلمين على وجه ينتظم به معاشهم ومعادهم غير الفقهاء، فالإمام الغائب عجل الله تعالى فرجه غير متصرف فعلاً على وجه ينفع بحسب الظاهر بحالهم، بحيث متى احتاجوا رجعوا إليه في الحوادث والنوائب، ويكفي أمورهم، وبدونه يختل النظام جزماً، فإذا ثبت أن الفقيه أيضاً: مثل الإمام عليه السلام، في احتياج الناس إليه في كل عصر وأوان، كان نائباً عن الإمام عج ويجب طاعته في الأمور مثله، وإنه مثله في الاستقلال بالتصرف، وتوقف تصرف الغير في بعض الأمور على إذنه. حاشية المكاسب للأشكوري ص114.

[18] سورة النساء، الآية: 60.

[19] راجع: الوسائل ج18 ص99، والكافي ج1 ص412، والتهذيب ج6 ص218 و301-302، وذكر الصدوق ذيل الحديث في من لا يحضره الفقيه ج3 ص5، والاحتجاج ج2 ص106، ومستدرك الوسائل ج3 ص187 والجواهر ج40 ص32.

[20] طرائف المقال ج1 ص544.

[21] راجع: مقباس الهداية ص73، ورجال المامقاني ج3 ص326، ومستدرك الوسائل ج3 ص758، والعدة في الأصول ص63، وقواعد الحديث للغريفي ص41 عنه، فقد ادعي الإجماع على ذلك في ابن أبي عمير أو هو مع أخويه: صفوان والبزنطي، وراجع الوسائل ج20 ص88.

وعبارة الشيخ هكذا: ".. وإن كان أحد الراوين مسنداً والآخر مرسلاً نظر في حال المرسل، فإن كان ممن يعلم: أنه لا يرسل إلا عن ثقة موثوق به، فلا ترجيح لخبر غيره، على خبره، ولأجل ذلك سوت الطائفة بين ما يرويه محمد بن أبي عمير، وصفوان بن يحيى، وأحمد بن محمد بن أبي نصر، وغيرهم من الثقات، الذين عرفوا بأنهم لا يروون ولا يرسلون إلا عمن يوثق به، وبين ما أسنده غيرهم، ولذلك عملوا بمراسيلهم إذا انفردوا عن رواية غيرهم.. الخ " انتهى.

[22] الكافي ج3 ص275، والوسائل ج20 ص91 وج3 ص97 والتهذيب للطوسي ج2 ص21، والاستبصار ج1 ص260 و267، والوسائل باب5 و279 من أبواب المواقيت.

[23] معجم رجال الحديث ج13 ص32.

[24] راجع: رجال المامقاني ج2 ص342.

[25] رجال المامقاني ج2 ص342.

[26] الرياض ج2 ص391، ومستند الشيعة ج2 أوائل كتاب القضاء.

[27] والباقون من أصحاب الإجماع هم: بريد، ومعروف بن خربوذ، وأبو بصير الأسدي أو المرادي، والفضيل بن يسار، ومحمد بن مسلم، وجميل بن دراج، وحماد بن عثمان، وحماد بن عيسى، وأبان بن عثمان، ويونس بن عبد الرحمن، وابن أبي عمير، وعبد الله بن المغيرة، والحسن بن محبوب، والحسن بن علي بن فضال، وفضالة بن أيوب، أو عثمان بن عيسى، وذكر غيرهم معهم، أو بدلاً عنهم، فراجع..

وقد ذكر في مقباس الهداية ص70: أن هذا الإجماع قد تواتر نقله، وصار أصل انعقاده في الجملة من ضروريات الفقهاء والمحدثين، وأهل الدراية والرجال، وحجيته لا ريب فيها، لكفاية الظن في المقام، وهو مفيد له. راجع: نتيجة المقال ص78، وفي كلامه هذا نظر ظاهر، فإنه إجماع ينتهي إلى الكشي فكيف يكون متواتراً ؟!.

[28] راجع: مقباس الهداية ص71، وقواعد الحديث ص47و48، ومستدرك الوسائل ج3 ص760 الخاتمة، وعن منتهى المقال ص9-10، ونتيجة المقال في علم الرجال ص73 و80.

[29] رسالة أبان بن عثما للجيلاني: ص6، ومستدرك الوسائل ج3 ص759 الخاتمة، ونتيجة المقال ص79.

[30] قواعد الحديث ص67، عن الجواهر ج2 ص316.

[31] مستدرك الوسائل ج3 ص769 الخاتمة، عن الرواشح السماوية.

[32] مستدرك الوسائل ج3 ص768، وراجع: ص767 الخاتمة.

[33] راجع: مقباس الهداية ص71، واختاره في الوسائل ج20 ص81، وعن الوافي ج2 ص12.

[34] كذا ذكر بعض المحققين حينما عرضت هذه الرسالة عليه.

[35] راجع: نتيجة المقال في علم الرجال للبارفروشي المازندراني ص74 و75 و79، ومستدرك الوسائل ج3 ص760 الخاتمة، ومقباس الهداية ص71، وقواعد الحديث ص47،عن منتهى المقال ص9-10.

[36] مستدرك الوسائل ج3 ص759 و763 الخاتمة، وقواعد الحديث ص59، ونتيجة المقال ص80.

[37] مستدرك الوسائل ج3 ص764 الخاتمة.

[38] مستدرك الوسائل ج3 ص767-768 الخاتمة.

[39] راجع: نتيجة المقال في علم الرجال ص78.

[40] قواعد الحديث ص61.

[41] راجع: رجال الكشي ص238 و375 و556، ورسالة أبان للجيلاني ص4، ومستدرك الوسائل الخاتمة ج3 ص757، وقواعد الحديث ص38 و39 و40، والوسائل ج2 ص79 و80، ومقباس الهداية ص73.

[42] راجع: قواعد الحديث ص48، ورسالة أبان بن عثمان للجيلاني ص5، ومقباس الهداية ص73 عن السيد محسن الأعرجي.

[43] راجع: رسالة أبان بن عثمان للسيد محمد باقر الجيلاني ص5، ومستدرك الوسائل ج3 ص769، ونتيجة المقال للبارفروشي ص77.

[44] راجع: مقباس الهداية ص73 و70، وقال: هذا الإجماع قد تواتر نقله.

[45] راجع: قواعد الحديث ص75-76.

[46] راجع: فرق الشيعة للنوبختي ص91 و92، والمقالات والفرق للأشعري ص92، والفوائد الرجالية للكجوري ص102.

[47] بعد أن كتبت ذلك رأيت ان البعض قد تنبه له، فراجع مقباس الهداية ص72.

[48] راجع: عدة الأصول ص61، وقواعد الحديث ص98، والوسائل ج20 ص88، ومقباس الهداية ص73.

[49] معجم رجال الحديث ج13 ص33.

[50] من لا يحضره الفقيه ج1 ص3.

[51] راجع: رجال المامقاني ج1 ص318.

[52] ولاسيما إذا كان له عموم وضعي، فإن هذه العبارة: " فإني قد جعلته عليكم حاكماً " مما يصح أن يبتدأ به، فيكون له عموم وضعي، كقوله: فإن المجمع عليه لا ريب فيه، كذا ذكره الأشكوري في حاشيته على المكاسب، والمراد: أنه إذا كانت الجملة مما يصح الابتداء بها، فإنها لا تكون مختصة في المورد، بحسب استعمال أهل اللغة، كما هو ظاهر.

[53] ويدل على أن ذلك من شؤون حكومة الفقيه العادل ما روي عن الصادق عليه السلام: " اتقوا الحكومة، فإن الحكومة إنما هي للإمام العالم بالقضاء، العادل في المسلمين، لنبي أو وصي نبي " راجع: الوسائل ج18 ص7.

وقال تعالى: ﴿يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ﴾ [سورة ص26]، فالتفريع في الآية، يدل على ما ذكرناه دلالة ظاهرة..

ثم هناك قول علي عليه السلام لشريح: لقد جلست مجلساً لا يجلسه إلا نبي، أو وصي نبي، أو شقي"، الوسائل ج18 ص7، والكافي ج7 ص406، والتهذيب ج6 ص217، والفقيه ج3 ص4، وعن المقنع ص132.

وعدا ذلك، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام قد كانوا حكاماً على الناس، وبيدهم أزمة الأمور، وكانوا في الوقت نفسه يقضون بين الناس، إليهم المرجع في فصل الخصومات والقضاء، أو إلى من ينصبونه لذلك، فالقضاء – كما هو معلوم – من شؤنهم وصلاحياتهم، التي يفترض فيهم أن يمارسوها، إما بالمباشرة، أو بالاستبانة.

[54] راجع: تهذيب الأحكام للطوسي ج6 ص303 حديث 53، والوسائل ج18 ص100 عنه.

[55] المكاسب للشيخ الأنصاري ص154.

[56] جواهر الكلام ج40 ص18.

[57] المصدر السابق ص17.

[58] منية الطالب للخوانساري، تقريرات لبحث النائيني ج1 ص327.

[59] محيط المحيط للبستاني ص184.

[60] مستدرك الوسائل ج3 ص189، وغرر الحكم للآمدي ج1 ص20، المترجم إلى الفارسية.

[61] مستدرك الوسائل ج3 ص188، وشرح نهج البلاغة للمعتزلي: قسم الحكم، رقم484 ج20، ومستند الشيعة ج2 أوائل كتاب القضاء، وقصار الجمل ج2 ص64 و239 عنه، والبحار ج1 ص183.

[62] البحار ج2 ص48 عن أمالي الشيخ.

[63] غرر الحكم، المطبوع مع الترجمة الفارسية ج1 ص75.

[64] محيط المحيط للبستاني ص184.

[65] تحف العقول ص169، ومستدرك الوسائل ج3 ص188، وعن الوافي للفيض ج2 ص30 ح9، ومستند الشيعة ج2، أوائل كتاب القضاء.

[66] الأغاني ط ساسي ج7 ص14، وعصر المأمون ج2 ص345 وديوان السيد الحميري ص406-407.

[67] مصادر هذا النص كثيرة، سواء من طرق الشيعة، أو من طرق غيرهم، ولذا فلا حاجة إلى تعدادها.

[68] نهج البلاغة بشرح عبده ج2 ص177، الخطبة القاصعة رقم187، وراجع: مصادر نهج البلاغة ج3 ص57-58 للإطلاع على مصادر أخرى.

[69] من يمضي الأحكام بالسيف والسوط هو السلطان، حسبما تقدم.

[70] نهج البلاغة ج2 ص179 الخطبة القاصعة، ومصادر نهج البلاغة ص57/58 للإطلاع على مصادر أخرى.

[71] نهج البلاغة ج2 ص214-215، الخطبة رقم205، وراجع كتاب: مصادر نهج البلاغة ج3 ص115.

[72] راجع: يوم الخلاص ص337 الطبعة الأولى عن صحيح مسلم ج8 ص58، وبشارة الإسلام ص33 و133، والبحار ج52 ص212.

[73] البحار ج52 ص372 عن الاختصاص للمفيد، ويوم الخلاص ص195.

[74] البحار ج52 ص317، والخصال ج2 ص541 طبع سنة 1389.

[75] يوم الخلاص ص187، الطبعة الأولى عن بشارة الإسلام قسم1 ص208 و205، وإلزام الناصب ص199، ومنتخب الأثر ص476 و162، بعضه، وفي الملاحم والفتن ص168 بلفظ آخر.

[76] يوم الخلاص ص195، الطبعة الأولى، والملاحم والفتن لابن طاووس ص205، وبشارة الإسلام ص211، ومنتخب الأثر ص475.

[77] يوم الخلاص ص195، الطبعة الأولى، والبحار ج52 ص370، والغيبة للنعماني ص170، وإلزام الناصب ص19، بشارة الإسلام ص207 وينابيع المودة ج3 ص77.

[78] الملاحم والفتن ص209.

[79] الكافي ج8 ص264، والوسائل ج11 ص25 كتاب الجهاد باب13، والرواية طويلة وذكر قسماً منها في ج11 ص38 عن علل الشرايع ص192.

[80] غرر الحكم ودرر الكلم، المطبوع مع الترجمة الفارسية ج1 ص186.

[81] راجع: حاشية الإيرواني على المكاسب ص155.

[82] نهج البلاغة ج2 ص14 و105.

[83] المحاسن للبرقي ص93، ومن لا يحضره الفقيه جد1 ص247 وثواب الأعمال وعقاب الأعمال ص246، والتهذيب للشيخ ج3 ص56، وعلل الشرايع ج1 ص326، والوسائل ج5 ص41، وعن السرائر ص282، وثمة ما يؤيد ذلك أيضاً، مما ورد في إمامة العبد، فراجع التهذيب ج3 ص29 وغيره.

[84] ستأتي المصادر لهذه الرواية وغيرها.

[85] أساس الحكومة الإسلامية ص193 بتصرف، قد اعتمدنا في هذا المورد على طبعة الدار الإسلامية سنة 1399، وفي سائر الموارد على طبعة أخرى.

[86] غرر الحكم ودرر الكلم، المطبوع مع الترجمة الفارسية ج1 ص83.

[87] قصار الجمل ج1 ص262 عن مستدرك الوسائل.

[88] أساس الحكومة الإسلامية للحائري ص153، وراجع ص151.

[89] أساس الحكومة الإسلامية ص151.

[90] الوسائل ج18 ص5، وفي هامشه عن تهذيب الأحكام ج6 ص219 ح10.

[91] راجع: منية المطالب ج1 ص327، وأساس الحكومة الإسلامية 222.

[92] وقد تقدم أن ظاهره إرادة الحاكم بمعناه الأوسع.. لأن من يجري الأحكام بالسيف والسوط هو السلطان.

[93] هذا.. إن لم نقل: أن احتياج الآية إلى تفسير الإمام يعطينا: إن المتبادر من لفظ الحكام آنئذٍ هو السلطان الذي بيده أزمّة الأمور.

[94] راجع: الوسائل ج18 ص100.

[95] راجع: التهذيب للشيخ ج6 ص219 و303، والفقيه ج2 ص2، والكافي ج7 ص412، والوسائل ج18 ص4.

[96] أساس الحكومة الإسلامية ص221، وليراجع حاشية المامقاني ج1 ص418، لكنه عبر بلفظ " الوكالة " بدل النيابة، وراجع أيضاً: كتاب القضاء للرشتي ج1 ص101، والمسالك ج2 – أوائل كتاب القضاء.

[97] حاشية المكاسب للمامقاني ج1 ص418و49، أساس الحكومة الإسلامية ص221، كتاب القضاء للأشتياني ص47، وقال في المسالك ج2 أوائل كتاب القضاء: الأصحاب مطبقون على استمرار تلك التولية، فإنها ليست كالتولية الخاصة، بل حكم بمضمون ذلك، فإعلامه بكونه من أهل الولاية على ذلك كإعلامه بكون العدل مقبول الشهادة، وذي اليد مقبول الخبر وغير ذلك. وفيه بحثانتهى. ويرد عليه: أنه غير وافٍ بدفع الإشكال على النحو الذي قررناه، فلاحظ.

[98] راجع: كتاب القضاء للآشتياني ص49، وراجع كتاب القضاء للرشتي ج1 ص103.

[99] راجع: كتاب القضاء للآشتياني ص478 و479، وأشار إليه الإيرواني في حاشيته على المكاسب ص155 من دون تفصيل.

[100] هذا ما أشار إليه بعض الأعلام حينما عرضت الرسالة عليه.

[101] ورد بعض الأعلام: بأن المراد الرد عليه، من حيث أنه حامل للحكم الشرعي، فالرد عليه رد على الإمام، واستخفاف بالحكم.

وفيه: أن التفريع إنما كان على هذا الجعل للحاكمية، لا عليه بما انه راو، حتى يصح ما ذكره المحقق، فما ذكر في المتن في محله، ولا غبار عليه.

[102] كنز العمال ج10 ص86.

[103] كنز العمال ج10 ص77.

[104] عيون أخبار الرضا ج2 ص38، ومعاني الأخبار ص356، ومن لا يحضره الفقيه ج4 ص302، والوسائل ج18 ص101، والبحار ج2 ص25 و144 و145 عن أمالي الشيخ وغيره، ومنية المريد ط قم سنة1402 ص24، ومجمع الزوائد ج1 ص126 عن الطبراني، وقصار الجمل ج2 ص63، ومستند الشيعة ج2 أوائل كتاب القضاء، والترغيب والترهيب للمنذري ج1 ص110، والمحجة البيضاء ج1 ص19، والجوهرة في نسب علي بن أبي طالب عليه السلام للتلمساني البري ص57، وقصار الجمل ج1 ص261، وراجع: كنز العمال ج10 ص128 و133 و134.

[105] والآية في سورة آل عمران، رقم: 68. البحار ج68 ص83 وج1 ص183، وغرر الحكم ج1 ص221و186، المطبوع مع الفارسية، من دون ذكر الآية، ومجمع البيان ج2 ص458، ونهج البلاغة بشرح عبده ج3 ص171 الحكمة رقم96، وتفسير نور الثقلين ج1 ص293، والمكاسب ص154، ومصادر نهج البلاغة ج4 ص91 عن بعض ما تقدم، وعن المالكي في تنبيه الخواطر ص17، وعن الزمخشري في ربيع الأبرار، باب التفاوت والتفاضل.

[106] أمالي المفيد ص12، والبحار ج2 ص24 و110 و121، عنه وعن كنز الفوائد للكراجكي، وعن غوالي اللآلي، ومنية المريد ص137 والمصنف لعبد الرزاق ج11 ص256 و257، وصحيح البخاري ج1 ص175 بهامش فتح الباري، وفتح الباري ج1 ص75و174 عن مسلم، والنسائي، ومسند أبي عوانة، وتحف العقول ص27.

[107] تحف العقول ص280، والبحار ج78 ص259 عنه، وج2 ص308، عن فقه الرضا، ومستدرك الوسائل ج2 ص246 عن العياشي، وغيبة النعماني، وفقه الرضا.

[108] أمالي الشيخ الطوسي ج2 ص172 والاحتجاج للطبرسي ج2 ص8 والبحار ج10 ص143 وج44 ص22 و63 عنهما وعن كتاب العدد، وحلية الأبرار ص257، ومستدرك الوسائلل ج2 ص247، عن كتاب البرهان.

[109] الضعفاء الكبير ج4 ص355.

[110] الاختصاص للمفيد ص245 و251، والبحار ج1 ص199 وج2 ص110، وفي ص308، بعض الحديث عن فقه الرضا، وكذا في الكافي ج1 ص37. ط – الإسلامية.

[111] أصول الكافي ج1 ص37 ط سنة 1388، ومنية المريد ص45 والبحار ج2 ص38.

[112] الضعفاء الكبير ج4 ص248.

[113] غرر الحكم ج1 ص25.

[114] الكافي ج1 ص27 وتهذيب الأحكام ج6 ص151، والوسائل ج11 ص29 – كتاب الجهاد – باب8 حديث2.

[115] دستور معالم الحكم: ص145و146.

[116] أصول الكافي ج1 ص40، وراجع: رجال الكشي ص3و4، والبحار ج2 ص105ز148، عن الغيبة للنعماني، والوسائل ج18 ص99، وراج: ص108 و109، وقصار الجمل ج1 ص261.

[117] كشف الأستار عن زوائد البزار: ج1 ص84، ومجمع الزوائج ج1 ص126، وقال: رجاله موثقون.

[118] شرح النهج للمعتزلي ج20 ص319 قسم الحكم، الحكمة رقم660، وقصار الجمال ج2 ص64.

[119] بحار الأنوار ج1 ص201 عن أمالي الطوسي، ج2 ص87، وراجع ط بيروت: ج77 ص79 و125، عن مكارم الأخلاق ص537 في حديث أبي ذر.

[120] بحار الأنوار ج1 ص216، وراجع حلية الأولياء ج3 ص194، وكنز العمال ج105، وزاد في بعض النصوص قوله: "ما لم يدخلوا في الدنيا". وزاد في نص آخر: قوله: "ويتبعوا الشيطان".

[121] بحار الأنوار ج1 ص195.

[122] أصول الكافي ط سنة 1388.ق ج1 ص30.

[123] عوائد الأيام ص190، ومستند الشيعة ج2 أوائل كتاب القضاء، ولكن قد جاء في البحار ج1 ص195 كلمة: "عالم" بدل: حاكم. ولعل الأصح ما عن المستند والعوائد؛ لأن كلمة عالم تكرار لا مبرر له.

[124] البحار ج1 ص171 عن أمالي الشيخ، وص166 عن أمالي الصدوق، وجامع بيان العلم ج1 ص65، ومنية المريد ص28.

[125] وراجع أيضا: شرح النهج البلاغة للمعتزلي ج20 ص304.

[126] راجع: نهج البلاغة ج2 ص16، وراجع: البحار ط – بيروت ج75 ص58 وج74 ص297، وتحف العقول ص153 وغرر الحكم ج2 ص822 ومناقب ابن الجوزي الخطبة المنيرية ص120 و121.

[127] كتاب سليم بن قيس ص143 و144، والبحار ج8 ص555، ط حجرية.

[128] سورة البقرة: الآية 246و247.

[129] التبيان ج2 ص292.

[130] مجمع البيان ج2 ص351.

[131] سورة النساء: الآية 75.

[132] راجع: حاشية المكاسب للأصفهاني ج1 ص214.

[133] راجع: حاشية المكاسب للإيرواني ص156 و155.

[134] راجع في هذه الاعتراضات: حاشية المكاسب للإيرواني ص156.

[135] راجع: حاشية المكاسب للإيرواني ص156.

[136] حاشية المكاسب للإشكوري ص115، وعوائد الأيام للنراقي ص188.

[137] وقد تقدم عن مقباس الهداية: أن نقله متواتر، وقد أشرنا إلى أننا نشك في هذا التواتر الذي ينتهي إلى الكشي حسب الظاهر. ولكننا نقول: يكفي نقل الكشي له، حيث إن البناء في الرجال على الاكتفاء بالظن. وإذا كان يكتفي في توثيق الشخص على نقل واحد من العلماء وثاقته، حتى يحكم على الرواية بالصحة والاعتبار.. فكيف يتأمل في الاعتماد على هذا الإجماع الذي اهتم العلماء بتفسير المراد منه، واعتمدوا عليه؟!.

 


  • المصدر : http://www.al-ameli.com/subject.php?id=103
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 02 / 06
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28