• الموقع : سماحة السيد جعفر مرتضى العاملي .
        • القسم الرئيسي : الأسئلة والأجوبة .
              • القسم الفرعي : الأسئلة القرآنية .
                    • الموضوع : بلسان عربي مبين.. .

بلسان عربي مبين..

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..

سماحة السيد جعفر مرتضى العاملي دام توفيقه.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إن الله تعالى يقول عن القرآن: ﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾(1)، فكيف يكون كذلك مع وجود كلمات غير عربية كثيرة في القرآن، مثل: «استبرق» وغيرها؟!

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..


الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد.

فإن ما يتحدث عنه بعض الناس في هذا الاتجاه يمكن أن يجاب عنه بأكثر من جواب..

فأولاً: إن مجرد وجود التشابه بين كلمتين في هذه اللغة وتلك، لا يدل على أن هذه اللغة قد أخذت من تلك اللغة.. فلعل العكس هو الصحيح.

وأكثر ما يقال حول هذه الأمور مجرد حدسيات، وظنون، لا تملك دليلاً حاسماً ومقنعاً.

ودعوى أسبقية ظهور هذه اللغة على تلك في المجتمعات البشرية، لو ثبتت، لا تكفي للحكم الجازم بأن اللغة اللاحقة قد أخذت من سابقتها هذا اللفظ الذي تتشارك فيه معها..

وسبب ذلك: أن استعمال الألفاظ للتعبير عن أمر بعينه إنما هو حين تظهر الحاجة إلى ذلك.. فإذا اخترع فريق من الناس آلة نقل الصوت مثلاً، فإنه حين يريد إحضارها إلى ذهن سامعه يحتاج إلى وضعها في قالب لفظي يدل علىها به، فيختار كلمة «راديو».

أما إذا صادف أن اخترع أناس من أهل لغة أخرى نظير الآلة المشار إليها، فإنهم سوف يضعون لها لفظاً يدل عليها، فقد يضعون لها لفظ: مذياع، وقد يسمونها بنفس كلمة «راديو» إذا كانوا قد سمعوها من أهل تلك اللغة قبل ذلك.

ولوجدت بينهم هذه الآلة بالشراء أو بغيره، للتعبير عنها. فقد ينقلونها هي واسمها إلى شعوبهم.. وقد يختارون لها اسماً آخر.

ثانياً: إن الإشكال إنما يرد لو كان القرآن هو الذي جاء بالكلمة من لغتها الأم، واستعملها لأول مرة. ولكن هذا لم يحصل. فإن الكلمات التي يتحدثون عنها كانت موجودة في اللغة العربية ـ ربما قبل نزول القرآن بمئات أو آلاف السنين ـ وأصبحت جزءاً من اللغة العربية قبل أن يستعملها القرآن، ولا دليل على أن العرب كانوا حين نزول القرآن يرونها غريبة عن لغتهم، فإن اللغة العربية كانت منتشرة في أجزاء كبيرة من أقطار الأرض، في الجزيرة العربية وخارجها، ثم بدأ جمعها في قواميس ومعاجم بعد ظهور الإسلام بأكثر من قرنين من الزمان.

وكانت بعض الشعوب العربية تختلط بالشعوب الأخرى قبل الإسلام، وتتعامل معها في التجارة وغيرها،وكان هذا هو حال أهل مكة، وأهل العراق، ومناطق الخليج، واليمن، وبلاد الشام وغيرها..

فإن كانت هذه الألفاظ قد دخلت إلى اللغة العربية من لغات أخرى، فربما كان ذلك عن طريق التجارة قبل مئات السنين كما قلنا.

وبعد أن أصبحت عربية في الوجدان العربي والشعبي، ولم يعد أحد يلتفت إلى مناشئها وأصولها، استعملها القرآن الكريم، فلم يستعمل القرآن الكريم إلا ما هو عربي بنظر العرب.

ثالثاً: إن المعنى قد يوجد لدى شعب، ولا يوجد لدى آخر.

إما لأجل أن المشيئة الإلهية قد اختصت تلك المناطق دون ما عداها بنوع من المخلوقات، سواء أكان من الشجر، أو من الحيوان، أو غير ذلك.. مما لا يوجد في بلاد أخرى، فإن حيوان الكنغارو الموجود في بلاد أستراليا مثلاً، والذي يحمل ولده في جيبه الذي خلقه تعالى له.

فإن لم يوجد هذا الحيوان في البلاد العربية، فلماذا يضع العرب له اسماً؟!

وهكذا يقال بالنسبة إلى بعض أنواع الأشجار، والنباتات، والثمار التي توجد في بعض البلاد ـ كأفريقيا ـ دون البلاد الأخرى.

أو لأجل أن ذلك الشيء هو من الأمور المخترعة لذلك الشعب، كبعض الوسائل والأجهزة، والآلات التي يتداولها الناس في هذه الأيام، مثل الكامبيوتر، كالتلفزيون، والراديو، ووسائل الاتصال، ووسائل النقل، وغير ذلك..

وهكذا يقال بالنسبة إلى بعض الألبسة، كالاستبرق، والسندس، وبعض المعادن، والأحجار الكريمة.. أو بعض أنواع الأطعمة، والحلوى مثل الكز والسوهان، وما إلى ذلك..

فإذا نقلت هذه الأمور إلى شعب آخر، له لغة أخرى. فقد يستفيد من نفس التسميات التي وضعها الفريق الذي سبق إلى اختراع هذه الأمور، أو وجدت عنده دون غيره.

ولكن هذه التسميات لا ربط لها باللغة التي انتقلت إليها، فإنها لا تعدو كونها أسماء لأشخاص، أو لموجودات محدَّدة ومعيَّنة. فتكون نظير أسماء الأشخاص، أو الأماكن، أو البلاد، أو الجبال.. فإذا ذكرت تلك الأسماء في القرآن، أو في أي كتاب آخر، كاسم قابيل أو هابيل، أو أسماء الأنبياء، أو اسم جبل في أي بقعة من العالم، وكان واضع هذا الاسم هو الشعب، أو الشخص الفلاني، الذي لا يعرف العربية، فهل يكون ذكر اسمه في أي كتاب، أو أي لغة خروجاً عن تلك اللغة، ليصبح الكلام بلغة أخرى؟!

إن اللغة لا تُعْنَى بالأسماء والألقاب، بل هي منهج وطريقة تعبير عن حركة الكائنات، ثم هي متابعة لهذه الحركة، وتسجيل لصدى ولمدى ارتباطاتها، وتأثيرها وتأثرها بمحيطها، وتناغمها مع مكوناته، ورصد حي لمدى انسجامها معه.

فالمسميات هي محور الحدث، والأسماء التي توضع لها إنما تُفْرَضُ عليها من قبل الآخرين، ولا تستطيع اللغة أن تتدخل في تحديد من يفرض تلك الأسماء، ولا في طبيعة ما يُفْرَضُ منها.

ووظيفة اللغة هي أن تقوم بنقل ما يعرض على تلك المسميات، أو ما يصدر منها، أو يحل فيها، أو يرتبط بها، أو ما إلى ذلك.. تنقله إلى الغير، استجابة لرغبة راغب، من ناطق بها، أو كاتب لها.

أما الأسماء، فلا تتدخل اللغة فيها، بل هي خاضعة لإرادات من سمَّى الأشياء، ومن يريد أن يستعملها، والإرادات تتحول وتتبدل حسب اختلاف الأهواء والمناسبات والمعطيات.

فإذا استعمل العربي اسم رئيس جمهورية الصين، أو ألمانيا، أو أميركا، أو اسم فيلسوف يوناني، مثل: أرسطو، أو أفلاطون، وتكلم عنه بما أراد، وكرر اسمه عشرات المرات خلال بضعة دقائق، فإن كلامه يبقى عربياً، ولا يقال: إنه خلط العربي بالصيني، أو الألماني، أو الإنكليزي، أو اليوناني.

وهكذا يقال لو استعمل العربي اسم مدينة صينية، أو فرنسية، أو إيرانية، أو أميركية، أو أورد في كلامه اسم نوع من الحلوى معروف عند الفرس، أو غيرهم.. وليس متداولاً عند العرب. مثل كلمة: «سوهان» (وهي نوع من أنواع الحلوى عند الإيرانيين)، أو كلمة استبرق، أو كلمة سماور وهي الوسيلة المستعملة في صنع الشاي عند بعض الأمم، فإن كلامه لا يصبح فارسياً، ولا فرنسياً، ولا روسياً، ولا غير ذلك..

والقرآن الكريم لم يستعمل الكلمات غير العربية في بيان حركة الحدث، في المسميات، ولا في بيان حالات، وصفات، وتفاصيل ترتبط بالمسمى، بل استعملها كأسماء لمسميات، وضعها من كان معنياً بالتعبير عنها.

والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله..

جعفر مرتضى الحسيني العاملي..


(1) الآية 195 من سورة الشعراء.


  • المصدر : http://www.al-ameli.com/subject.php?id=322
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 07 / 22
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20