||   الموقع بإشرف السيد محمد مرتضى العاملي / پايگاه اينترنتى تحت اشرف سيد محمد مرتضى عاملي مي‌باشد   ||   الموقع باللغة الفارسية   ||   شرح وتفسير بعض الأحاديث..   ||   لقد تم افتتاح الموقع أمام الزوار الكرام بتاريخ: 28/جمادی الأولی/ 1435 هـ.ق 1393/01/10 هـ.ش 2014/03/30 م   ||   السلام عليكم ورحمة الله.. أهلاً وسهلا بكم في موقع سماحة السيد جعفر مرتضى العاملي.. نود إعلامكم أن الموقع قيد التحديث المستمر فترقبوا المزيد يومياً..   ||  



الصفحة الرئيسية

السيرة الذاتية

أخبار النشاطات والمتابعات

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

المؤلفات

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

الأسئلة والأجوبة

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

التوجيهات والإرشادات

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

الحوارات

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

النتاجات العلمية والفكرية

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

الدروس

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

الصور والتسجيلات

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

مركز نشر وترجمة المؤلفات

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

مختارات

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

مركز الطباعة والنشر

شريط الصور


  • ابن عربي سني متعصب غلاف
  • رد الشمس لعلي
  • سياسة الحرب غلاف
  • زواج المتعة
  • الولاية التشريعية
  • كربلا فوق الشبهات جديد
  • علي ويوشع
  • طريق الحق
  • توضيح الواضحات
  • دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام ط ايران
  • تخطيط المدن في الإسلام
  • تفسير سورة الماعون
  • تفسير سورة الكوثر (التاريخ العربي)
  • تفسير سورة هل أتى
  • تفسير سورة الناس(التاريخ العربي)
  • تفسير سورة الكوثر
  • تفسير سورة الفاتحة (التاريخ العربي)
  • السوق في ضل الدولة الإسلامية
  • سنابل المجد
  • سلمان الفارسي في مواجهة التحدي
  • الصحيح من سيرة الإمام علي ج 3
  • الصحيح من سيرة الإمام علي
  • صفوة الصحيح فارسي
  • رد الشمس لعلي
  • كربلاء فوق الشبهات
  • اكذوبتان حول الشريف الرضي
  • منطلقات البحث العلمي
  • مختصر مفيد
  • المقابلة بالمثل
  • ميزان الحق ط 1
  • ميزان الحق (موضوعي)
  • موقف الإمام علي (عليه السلام) في الحديبية
  • المراسم والمواسم _ إيراني
  • المواسم والمراسم
  • مقالات ودراسات
  • مأساة الزهراء غلاف
  • مأساة الزهراء مجلد
  • لماذا كتاب مأساة الزهراء (عليها السلام)؟!
  • لست بفوق أن أخطئ
  •  خسائر الحرب وتعويضاتها
  • علي عليه السلام والخوارج
  • ظاهرة القارونية
  • كربلاء فوق الشبهات
  • حقوق الحيوان
  • الحاخام المهزوم
  • الحياة السياسية للإمام الجواد
  • الحياة السياسية للإمام الحسن ع سيرة
  • الحياة السياسية للإمام الحسن ع
  • الحياة السياسية للإمام الحسن ع ايران
  • الحياة السياسية للإمام الرضا ع
  • إدارة الحرمين الشريفين
  • ابن عباس ـ ايران
  • ابن عربي سني متعصب
  • ابن عباس وأموال البصرة
  • دراسة في علامات الظهور مجلد
  • بلغة الآمل
  • براءة آدم (ع)
  • بنات النبي أم ربائبه غلاف
  • بنات النبي أم ربائبه
  • عرفت معنى الشفاعة
  • الصحيح1
  • الصحيح 2
  • الصحيح8
  • الجزيرة الخضراء
  • الجزيرة الخضراء
  • الصحيح
  • الغدير والمعارضون لبنان
  • الغدير والمعارضون
  • الأداب الطيبة المركز
  • الآداب الطبية في الإسلام
  • البنات ربائب
  • علامات الظهور
  • علامات الظهور قديم
  • أحيو امرنا
  • أهل البيت في آية التطهير
  • افلا تذكرون
  • ابوذر
  •  بنات النبي (صلى الله عليه وآله) أم ربائبه؟!
  • الإمام علي والنبي يوشع
  • براءة آدم (ع)
  • الغدير والمعارضون
  • الإمام علي والخوارج
  • منطلقات البحت العلمي
  • مأساة الزهراء عليها السلام

خدمات

  • الصفحة الرئيسية
  • أرشيف المواضيع
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • أضف الموقع للمفضلة
  • إتصل بنا





  • القسم الرئيسي : المؤلفات .

        • القسم الفرعي : الكتب .

              • الموضوع : الجزيرة الخضراء ومثلث برمودا .

الجزيرة الخضراء ومثلث برمودا

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 1/

ماذا عن الجزيرة الخضراء
ومثلث برمودا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 2/

حقوق الطبع محفوظة
الطبعة الأولى
1423هـ. ـ 2003م
المركز الإسلامي للدراسات

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 3/

ماذا عن الجزيرة الخضراء
ومثلث برمودا
السيد جعفر مرتضى العاملي
المركز الإسلامي للدراسات

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 4/

بسم الله الرحمن الرحيم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 5/

تقديم:

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين..

هناك رواية يتداولها البعض تعرف برواية: «الجزيرة الخضراء»، وقد ازداد الاهتمام بأمر هذه الرواية بعد أن حاول البعض أن يفعل المستحيل لإظهار صحتها وواقعيتها من أجل أن يخلص إلى دعوى انطباقها على ما ذكرته بعض الجرائد والمجلاّت والإذاعات، معروفة الاتجاه، حول ما يعرف بـ «مثلث برمودا».

هذا.. وبسبب كثرة السؤال عن مدى اعتبار هذه الرواية، فقد أحببنا أن نسجل رأينا حولها، وحول انطباقها ـ لو صحت ودون ذلك خرط القتاد ـ على المثلث المذكور.

ولسوف نعتمد في هذا البحث الموجز الاختصار، والاقتصار على خصوص ما هو ضروري ولازم، من دون أن نرى في أنفسنا رغبة في أن نتعرض لما ذكره هذا الشخص أو ذاك، مادام أن الأمر فيه يتضح بأدنى تأمل فها نحن نقدم حصيلة من نتاج وقفتنا مع هذه الرواية، ولسوف يرى القارئ أنها موجزة وقصيرة، على أمل أن نوفر وقتنا وجهدنا ليصرف فيما هو أهم، ونفعه أعم. فنقول:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 6/

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 7/

الفصل الأول:
النص الكامل لرواية
الجزيرة الخضراء

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 8/

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 9/

نص رواية الجزيرة الخضراء:

قال المجلسي (رحمه الله):

أقول: وجدت رسالة مشتهرة بقصة «الجزيرة الخضراء» في البحر الأبيض أحببت إيرادها لاشتمالها على ذكر من رآه، ولما فيه من الغرائب.

وإنما أفردت لها باباً لأني لم أظفر بها في الأصول المعتبرة. ولنذكرها بعينها كما وجدتها:

      بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي هدانا لمعرفته، والشكر له على ما منحنا للاقتداء بسنن سيد بريته، محمد الذي اصطفاه من بين خليقته، وخصنا بمحبة علي والأئمة المعصومين من ذريته، صلى الله عليهم أجمعين، الطيبين الطاهرين، وسلم تسليماً كثيراً.

وبعد..

فقد وجدت في خزانة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وسيد الوصيين، وحجة رب العالمين، وإمام المتقين، علي بن أبي طالب (عليه السلام)، بخط الشيخ الفاضل والعالم العامل، الفضل بن يحيى بن علي الطيبي الكوفي قدس الله روحه ما هذا صورته:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 10/

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله وسلم..

وبعد:

فيقول الفقير إلى عفو الله سبحانه وتعالى، الفضل بن يحيى بن علي الطيبي الإمامي الكوفي عفا الله عنه:

قد كنت سمعت من الشيخين الفاضلين العالمين، الشيخ شمس الدين بن نجيح الحلي، والشيخ جلال الدين عبد الله بن الحرام الحلي قدس الله روحيهما، ونور ضريحيهما، في مشهد سيد الشهداء وخامس أصحاب الكساء، مولانا وإمامنا أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) في النصف من شهر شعبان سنة تسع وتسعين وستمائة من الهجرة النبوية على مشرفه محمد وآله أفضل الصلاة وأتم التحية، حكاية ما سمعاه من الشيخ الصالح التقي، والفاضل الورع الزكي، زين الدين علي بن فاضل المازندراني، المجاور بالغري ـ على مشرفيه السلام ـ حيث اجتمعا به في مشهد الإمامين الزكيين الطاهرين، المعصومين السعيدين (عليهما السلام) بسر من رأى، وحكى لهما حكاية ما شاهده ورآه في البحر الأبيض، و«الجزيرة الخضراء» من العجائب.

فمر بي باعث الشوق إلى رؤياه، وسألت تيسير لقياه، والاستماع لهذا الخبر من لقلقة فيه بإسقاط رواته.

وعزمت على الانتقال إلى سر من رأى للاجتماع به.

فاتفق أن الشيخ زين الدين علي بن فاضل المازندراني انحدر من سر من رأى الى الحلة في أوائل شهر شوال من السنة المذكورة ليمضي على جاري عادته، ويقيم في المشهد الغروي على مشرفه السلام.

فلما سمعت بدخوله إلى الحلة، وكنت يومئذ بها أنتظر قدومه فإذا أنا به وقد أقبل راكبا يريد دار السيد الحسيب، ذي النسب الرفيع، والحسب المنيع،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 11/

السيد فخر الدين الحسن بن علي الموسوي المازندراني نزيل الحلة أطال الله بقاه.

ولم أكن إذ ذاك أعرف الشيخ الصالح المذكور، لكن خلج في خاطري أنه هو.

فلما غاب عن عيني تبعته إلى دار السيد المذكور، فلما وصلت إلى باب الدار رأيت السيد فخر الدين واقفا على باب داره مستبشراً. فلما رآني مقبلاً ضحك في وجهي وعرفني بحضوره.

فاستطار قلبي فرحاً وسروراً ولم أملك نفسي الصبر على الدخول إليه في غير ذلك الوقت.

فدخلت الدار مع السيد فخر الدين، فسلمت عليه، وقبلت يديه، فسأل السيد عن حالي، فقال له: هو الشيخ فاضل بن الشيخ يحيى الطيبي، صديقكم، فنهض واقفاً، وأقعدني في مجلسه، ورحب بي، وأحفى السؤال عن حال أبي وأخي الشيخ صلاح الدين لأنه كان عارفاً بهما سابقاً، ولم أكن في تلك الأوقات حاضراً، بل كنت في بلدة واسط، أشتغل في طلب العلم عند الشيخ العامل الشيخ أبي إسحاق إبراهيم بن محمد الواسطي الإمامي تغمده الله برحمته، وحشره في زمرة أئمته (عليهم السلام).

فتحادثت مع الشيخ الصالح المذكور متع الله المؤمنين بطول بقائه، فرأيت في كلامه أمارات تدل على الفضل في أغلب العلوم، من الفقه والحديث، والعربية بأقسامها، وطلبت منه شرح ما حدث به الرجلان الفاضلان، العالمان العاملان، الشيخ شمس الدين، والشيخ جلال الدين، الحليان المذكوران سابقاً، عفا الله عنهما.

فقص لي، القصة من أولها إلى آخرها، بحضور السيد الجليل السيد فخر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 12/

الدين نزيل الحلة صاحب الدار، وحضور جماعة من علماء الحلة والأطراف، قد كانوا أتوا لزيارة الشيخ المذكور وفقه الله، وكان ذلك في اليوم الحادي عشر من شهر شوال سنة تسع وتسعين وستمائة.

وهذه صورة ما سمعته من لفظه، أطال الله بقاءه وربما وقع في الألفاظ التي نقلتها من لفظه تغيير، لكن المعاني واحدة.

قال حفظه الله تعالى:

قد كنت مقيماً في دمشق الشام، منذ سنين، مشتغلاً بطلب العلم، عند الشيخ الفاضل الشيخ عبد الرحيم الحنفي وفقه الله لنور الهداية في علمي الأصول والعربية، وعند الشيخ زين الدين علي المغربي الأندلسي المالكي في علم القراءة لأنه كان عالماً فاضلاً، عارفاً بالقراءات السبع وكانت له معرفة في أغلب العلوم، من الصرف، والنحو، والمنطق، والبيان، والأصولين(1) وكان لين الطبع، لم يكن عنده معاندة في البحث، ولا في المذاهب لحسن ذاته.

فكان إذا جرى ذكر الشيعة يقول: قال علماء الإمامية. بخلاف المدرسين، فإنهم كانوا يقولون عند ذكر الشيعة: قال علماء الرافضة.

فاختصصت به، وتركت التردد إلى غيره فأقمنا على ذلك برهة من الزمان، أقرأ عليه في العلوم المذكورة.

فاتفق أنه عزم على السفر من دمشق الشام، يريد الديار المصرية فكثرة المحبة التي كانت بيننا عز علي مفارقته، وهو أيضاً كذلك فآل(2) الأمر إلى أنه

ـــــــــــــــ

(1) كأنه يريد أصول الفقه وأصول الدين، وأما ما في الأصل المطبوع: الأصوليين. فهو تصحيف.

(2) في المطبوعة: قال. وهو تصحيف.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 13/

هداه الله صمم العزم على صحبتي له إلى مصر، وكان عنده جماعة من الغرباء مثلي، يقرؤون عليه فصحبه أكثرهم.

فسرنا في صحبته إلى أن وصلنا مدينة بلاد مصر المعروفة بالفاخرة(1)، وهي أكبر من مدائن مصر كلها، فأقام بالمسجد الأزهر مدة يدرس. فتسامع فضلاء مصر بقدومه فوردوا كلهم لزيارته وللانتفاع بعلومه، فأقام في قاهرة مصر مدة تسعة أشهر، ونحن معه على أحسن حال إذا بقافلة قد وردت من الأندلس، ومع رجل منها كتاب من والد شيخنا الفاضل المذكور يعرفه فيه بمرض شديد قد عرض له، وأنه يتمنى الاجتماع به قبل الممات، ويحثه فيه على عدم التأخير.

فرقّ الشيخ من كتاب أبيه وبكى، وصمم العزم على المسير إلى جزيرة الأندلس، فعزم بعض التلامذة على صحبته، ومن الجملة أنا، لأنه هداه الله قد كان أحبني محبة شديدة، وحسن لي المسير معه فسافرت إلى الأندلس في صحبته، فحيث وصلنا إلى أول قرية من الجزيرة المذكورة، عرضت لي حمى منعتني عن الحركة.

فحيث رآني الشيخ على تلك الحالة رق لي وبكى، وقال: يعز علي مفارقتك، فأعطى خطيب تلك القرية التي وصلنا إليها عشرة دراهم، وأمره أن يتعاهدني حتى يكون مني أحد الأمرين، وإن منّ الله بالعافية أتبعه إلى بلده، هكذا عهد إليّ بذلك وفقه الله بنور الهداية إلى طريق الحق المستقيم، ثم مضى إلى بلد الأندلس، ومسافة الطريق من ساحل البحر إلى بلده خمسة أيام.

ـــــــــــــــ

(1) الظاهر أن الصحيح هو: القاهرة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 14/

فبقيت في تلك القرية ثلاثة أيام لا أستطيع الحركة لشدة ما أصابني من الحمى ففي آخر اليوم الثالث فارقتني الحمى، وخرجت أدور في سكك تلك القرية فرأيت قفلاً قد وصل من جبال قريبة من شاطئ البحر الغربي، يجلبون الصوف والسمن والأمتعة فسألت عن حالهم فقيل:

إن هؤلاء يجيئون من جهة قريبة من أرض البربر، وهي قريبة من جزائر الرافضة.

فحيث سمعت ذلك منهم ارتحت إليهم، وجذبني باعث الشوق إلى أرضهم فقيل لي:

إن المسافة خمسة وعشرون يوماً، منها يومان بغير عمارة ولا ماء.

وبعد ذلك فالقرى متصلة، فاكتريت معهم من رجل حماراً بمبلغ ثلاثة دراهم، لقطع تلك المسافة التي لا عمارة فيها، فلما قطعنا معهم تلك المسافة، ووصلنا أرضهم العامرة، تمشيت راجلاً، وتنقلت على اختياري من قرية إلى أخرى «إلى» أن وصلت إلى أول تلك الأماكن، فقيل لي:

إن جزيرة الروافض قد بقي بينك وبينها ثلاثة أيام، فمضيت، ولم أتأخر.

فوصلت إلى جزيرة ذات أسوار عالية، أولها أبراج محكمات شاهقات، وتلك الجزيرة بحصونها راكبة على شاطئ البحر، فدخلت من باب كبيرة يقال لها: باب البربر، فدرت في سككها أسأل عن مسجد البلد فهديت عليه، ودخلت إليه فرأيته جامعاً كبيراً، معظماً، واقعاً على البحر من الجانب الغربي من البلدة، فجلست في جانب المسجد لأستريح وإذا بالمؤذن يؤذن للظهر ونادى بحي على خير العمل. ولما فرغ دعا بتعجيل الفرج للإمام صاحب الزمان (عليه السلام).

فأخذتني العبرة بالبكاء، فدخلت جماعة بعد جماعة إلى المسجد،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 15/

وشرعوا في الوضوء، على عين ماء تحت شجرة في الجانب الشرقي من المسجد، وأنا أنظر إليهم فرحاً مسروراً لما رأيته من وضوئهم المنقول عن أئمة الهدى (عليهم السلام).

فلما فرغوا من وضوئهم، وإذا برجل قد برز من بينهم بهيّ الصورة، عليه السكينة والوقار، فتقدم إلى المحراب، وأقام الصلاة، فاعتدلت الصفوف وراءه وصلى بهم إماماً، وهم به مأمومون صلاة كاملة بأركانها المنقولة، والتسبيح. ومن شدة ما لقيته من وعثاء السفر، وتعبي في الطريق لم يمكنني أن أصلي معهم الظهر.

فلما فرغوا ورأوني أنكروا علي عدم اقتدائي بهم فتوجهوا نحوي بأجمعهم وسألوني عن حالي ومن أين أصلي، وما مذهبي؟ فشرحت لهم أحوالي وأني عراقي الأصل، وأما مذهبي فإنني رجل مسلم أقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله «بالهدى» ودين الحق، ليظهره على الأديان كلها ولو كره المشركون.

فقالوا لي: لم تنفعك هاتان الشهادتان إلا لحقن دمك في دار الدنيا.

لم لا تقول الشهادة الأخرى لتدخل الجنة بغير حساب؟

فقلت لهم: وما تلك الشهادة الأخرى؟

اهدوني إليها يرحمكم الله.

فقال لي إمامهم: الشهادة الثالثة هي أن تشهد أن أمير المؤمنين، ويعسوب المتقين، وقائد الغر المحجلين علي بن أبي طالب والأئمة الأحد عشر من ولده أوصياء رسول الله، وخلفاؤه من بعده بلا فاصلة، قد أوجب الله عز وجل طاعتهم على عباده، وجعلهم أولياء أمره ونهيه، وحججاً على خلقه في أرضه، وأماناً لبريته، لأن الصادق الأمين محمداً رسول رب العالمين (صلى الله عليه وآله)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 16/

أخبر بهم عن الله تعالى مشافهة من نداء الله عز وجل له (صلى الله عليه وآله) في ليلة معراجه إلى السماوات السبع، وقد صار من ربه كقاب قوسين أو أدنى، وسماهم له واحداً بعد واحد، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين.

فلما سمعت مقالتهم هذه حمدت الله سبحانه على ذلك، وحصل عندي أكمل السرور، وذهب عني تعب الطريق من الفرح، وعرّفتهم أني على مذهبهم، فتوجهوا إلي توجه إشفاق، وعينوا لي مكاناً في زوايا المسجد، وما زالوا يتعاهدوني بالعزة والإكرام مدة إقامتي عندهم، وصار إمام مسجدهم لا يفارقني ليلاً ولانهاراً.

فسألته عن ميرة(1) أهل بلده من أين تأتي إليهم فإني لا أرى لهم أرضاً مزروعة.

فقال: تأتي إليهم ميرتهم من «الجزيرة الخضراء» من البحر الأبيض، من جزائر أولاد الإمام صاحب الأمر (عليه السلام).

فقلت له: كم تأتيكم ميرتكم في السنة؟

فقال: مرتين، وقد أتت مرة وبقيت الأخرى.

فقلت: كم بقي حتى تأتيكم؟

قال: أربعة أشهر.

فتأثرت لطول المدة، ومكثت عندهم مقدار أربعين يوماً أدعو الله ليلاً ونهاراً بتعجيل مجيئها، وأنا عندهم في غاية الإعزاز والإكرام، ففي آخر يوم من الأربعين ضاق صدري لطول المدة فخرجت إلى شاطىء البحر، أنظر إلى جهة المغرب التي ذكر أهل البلد أن ميرتهم تأتي إليهم من تلك الجهة.

ـــــــــــــــ

(1) الميرة: الطعام والأرزاق.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 17/

فرأيت شبحاً من بعيد يتحرك، فسألت عن ذلك الشبح أهل البلد. وقلت لهم: هل يكون في البحر طير أبيض؟

فقالوا لي: لا، فهل رأيت شيئاً؟

قلت: نعم. فاستبشروا، وقالوا: هذه المراكب التي تأتي إلينا كل سنة من أولاد الإمام (عليه السلام).

فما كان إلا قليل حتى قدمت تلك المراكب، وعلى قولهم: إن مجيئها كان في غير الميعاد فقدم مركب كبير وتبعه آخر، وآخر، حتى كملت سبعاً، فصعد(1) من المركب الكبير، شيخ مربوع القامة، بهي المنظر، حسن الزي، ودخل المسجد فتوضأ الوضوء الكامل على الوجه المنقول عن أئمة الهدى (عليهم السلام)، وصلى الظهرين، فلما فرغ من صلاته التفت نحوي مسلماً علي فرددت (عليه السلام)، فقال:

ما اسمك وأظن أن اسمك علي؟

قلت: صدقت.

فحادثني بالسر محادثة من يعرفني.

فقال: ما اسم أبيك؟ ويوشك أن يكون فاضلاً.

قلت: نعم. ولم أكن أشك في أنه قد كان في صحبتنا من دمشق.

فقلت: أيها الشيخ ! ما أعرفك بي وبأبي؟ هل كنت معنا حيث سافرنا من دمشق الشام إلى مصر؟

فقال: لا.

قلت: ولا من مصر إلى الأندلس؟

ـــــــــــــــ

(1) أي صعد على الساحل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 18/

قال: لا. ومولاي صاحب العصر.

قلت له: فمن أين تعرفني باسمي واسم أبي؟.

قال: اعلم أنه قد تقدم إلي وصفك، وأصلك، ومعرفة اسمك، وشخصيتك، وهيأتك، واسم أبيك، وأنا أصحبك معي إلى «الجزيرة الخضراء».

فسررت بذلك حيث قد ذُكرت ولي عندهم اسم.

وكان من عادته: أنه لا يقيم عندهم إلا ثلاثة أيام فأقام أسبوعاً وأوصل الميرة إلى أصحابها المقررة لهم، فلما أخذ منهم خطوطهم بوصول المقرر لهم، عزم على السفر، وحملني معه، وسرنا في البحر.

فلما كان في السادس عشر من مسيرنا في البحر رأيت ماء أبيض، فجعلت أطيل النظر إليه، فقال لي الشيخ واسمه محمد: ما لي أراك تطيل النظر إلى هذا الماء.

فقلت له: إني أراه على غير لون ماء البحر.

فقال لي: هذا هو البحر الأبيض، وتلك «الجزيرة الخضراء»، وهذا الماء مستدير حوله مثل السور، من أي الجهات أتيته وجدته، وبحكمة الله تعالى إن مراكب أعدائنا إذا دخلته غرقت ـ وإن كانت محكمةً ـ ببركة مولانا وإمامنا صاحب العصر (عليه السلام)، فاستعمله، وشربت منه. فإذا هو كماء الفرات.

ثم إنّا لما قطعنا ذلك الماء الأبيض، وصلنا إلى «الجزيرة الخضراء» لا زالت عامرة أهله ثم صعدنا من المركب الكبير إلى الجزيرة، ودخلنا البلد، فرأيته محصناً بقلاع وأبراج، وأسوار سبعة واقعة على شاطئ البحر، ذات أنهار وأشجار مشتملة على أنواع الفواكه والأثمار المنوعة، وفيها أسواق كثيرة، وحمامات عديدة، وأكثر عمارتها برخام شفاف وأهلها في أحسن الزي والبهاء واستطار قلبي سروراً لما رأيته.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 19/

ثم مضى بي رفيقي محمد بعدما استرحنا في منزله إلى الجامع المعظم، فرأيت فيه جماعة كثيرة وفي وسطهم شخص جالس، عليه من المهابة والسكينة والوقار ما لا أقدر [أن] أصفه. والناس يخاطبونه بالسيد شمس الدين محمد العالم، ويقرؤون عليه القرآن والفقه، والعربية بأقسامها، وأصول الدين والفقه الذي يقرؤونه عن صاحب الأمر (عليه السلام) مسألة مسألة، وقضية قضية، وحكماً حكماً.

فلما مثلت بين يديه رحب بي وأجلسني في القرب منه، وأحفى السؤال عن تعبي في الطريق وعرفني أنه تقدم إليه كل أحوالي، وأن الشيخ محمد رفيقي إنما جاء بي معه بأمر من السيد شمس الدين العالم أطال الله بقاءه.

ثم أمر لي بتخلية موضع منفرد في زاوية من زوايا المسجد، وقال لي:

هذا يكون لك إذا أردت الخلوة والراحة، فنهضت ومضيت إلى ذلك الموضع، فاسترحت فيه إلى وقت العصر، وإذا أنا بالموكل بي قد أتى إلي وقال لي: لا تبرح من مكانك حتى يأتيك السيد وأصحابه لأجل العشاء معك، فقلت: سمعاً وطاعةً.

فما كان إلا قليل وإذا بالسيد سلمه الله قد أقبل، ومعه أصحابه، فجلسوا ومدت المائدة فأكلنا ونهضنا إلى المسجد مع السيد لأجل صلاة المغرب والعشاء.

فلما فرغنا من الصلاتين ذهب السيد إلى منزله، ورجعت إلى مكاني وأقمت على هذه الحال مدة ثمانية عشر يوماً، ونحن في صحبته أطال الله بقاءه.

فأول جمعة صليتها معهم رأيت السيد سلمه الله صلى الجمعة ركعتين فريضة واجبة، فلما انقضت الصلاة قلت: يا سيدي قد رأيتكم صليتم الجمعة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 20/

ركعتين فريضة واجبة.

قال: نعم، لأن شروطها المعلومة قد حضرت فوجبت.

فقلت في نفسي: ربما كان الإمام (عليه السلام) حاضراً.

ثم في وقت آخر سألت منه في الخلوة: هل كان الإمام حاضراً؟

فقال: لا، ولكني أنا النائب الخاص بأمر صدر عنه (عليه السلام).

فقلت: يا سيدي وهل رأيت الإمام (عليه السلام)؟

قال: لا، ولكن حدثني أبي ـ رحمه الله ـ أنه سمع حديثه ولم ير شخصه، وأن جدي ـ رحمه الله ـ سمع حديثه، ورأى شخصه.

فقلت له: ولم ذاك يا سيدي، يختص بذلك رجل دون آخر؟

فقال لي: يا أخي إن الله سبحانه وتعالى يؤتي الفضل من يشاء من عباده وذلك لحكمة بالغة، وعظمة قاهرة كما أن الله تعالى اختص من عباده الأنبياء والمرسلين، والأوصياء المنتجبين، وجعلهم أعلاماً لخلقه، وحججاً على بريته، ووسيلة بينهم وبينه ليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حي عن بينة، ولم يخل أرضه بغير حجة على عباده للطفه بهم، ولابد لكل حجة من سفير يبلغ عنه.

ثم إن السيد سلمه الله أخذ بيدي إلى خارج مدينتهم، وجعل يسير معي نحو البساتين، فرأيت فيها أنهاراً جارية، وبساتين كثيرة، مشتملة على أنواع الفواكه، عظيمة الحسن والحلاوة، من العنب والرمان، والكمثرى وغيرها، ما لم أرها في العراقين، ولا في الشامات كلها.

فبينما نسير من بستان إلى آخر إذ مر بنا رجل بهي الصورة، مشتمل ببردين من صوف أبيض فلما قرب منا سلم وانصرف عنا، فأعجبتني هيئته.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 21/

فقلت للسيد سلمه الله: من هذا الرجل؟

قال لي: أتنظر إلى هذا الجبل الشاهق؟

قلت: نعم.

قال: إن في وسطه لمكاناً حسناً، وفيه عين جارية، تحت شجرة ذات أغصان كثيرة، وعندها قبة مبنية بالآجر، وإن هذا الرجل مع رفيق له خادمان لتلك القبة، وأنا أمضي إلى هناك في كل صباح جمعة، وأزور الإمام (عليه السلام) منها، وأصلي ركعتين، وأجد هناك ورقة مكتوب فيها ما أحتاج إليه من المحاكمة بين المؤمنين. فمهما تضمنته الورقة أعمل به، فينبغي لك أن تذهب إلى هناك وتزور الإمام (عليه السلام) من القبة.

فذهبت إلى الجبل فرأيت القبة على ما وصف لي سلمه الله، ووجدت هناك خادمين، فرحب بي الذي مر علينا وأنكرني الآخر فقال له: لا تنكره، فإني رأيته في صحبة السيد شمس الدين العالم، فتوجه إلي، ورحب بي وحادثاني وأتيا لي بخبز وعنب فأكلت وشربت من ماء تلك العين التي عند تلك القبة، وتوضأت وصليت ركعتين.

وسألت الخادمين عن رؤية الإمام (عليه السلام).

فقالا لي: الرؤية غير ممكنة، وليس معنا إذن في إخبار أحد فطلبت منهم الدعاء، فدعيا لي، وانصرفت عنهما، ونزلت من ذلك الجبل إلى أن وصلت إلى المدينة.

فلما وصلت إليها ذهبت إلى دار السيد شمس الدين العالم، فقيل لي: إنه خرج في حاجة له، فذهبت إلى دار الشيخ محمد الذي جئت معه في المركب فاجتمعت به، وحكيت له عن مسيري إلى الجبل، واجتماعي بالخادمين، وإنكار الخادم علي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 22/

فقال لي: ليس لأحد رخصة في الصعود إلى ذلك المكان سوى السيد شمس الدين وأمثاله، فلهذا وقع الإنكار منه لك.

فسألته عن أحوال السيد شمس الدين أدام الله أفضاله.

فقال: إنه من أولاد أولاد الإمام، وأن بينه وبين الإمام (عليه السلام) خمسة آباء، وأنه النائب الخاص عن أمر صدر منه (عليه السلام).

قال الشيخ الصالح زين الدين علي بن فاضل المازندراني، المجاور بالغري على مشرفه السلام.

واستأذنت السيد شمس الدين العالم، أطال الله بقاءه في نقل بعض المسائل التي يحتاج إليها عنه، وقراءة القرآن المجيد، ومقابلة المواضع المشكلة من العلوم الدينية وغيرها، فأجاب إلى ذلك وقال:

إذا كان ولا بد من ذلك فابدأ أولاً بقراءة القرآن العظيم.

فكان كلما قرأت شيئاً فيه خلاف بين القراء أقول: قرأ حمزة كذا، وقرأ الكسائي كذا، وقرأ عاصم كذا، وأبو عمرو بن كثير كذا.

فقال السيد سلمه الله: نحن لا نعرف هؤلاء، وإنما القرآن نزل على سبعة أحرف، قبل الهجرة من مكة إلى المدينة وبعدها لما حج رسول الله (صلى الله عليه وآله) حجة الوداع، نزل عليه الروح الأمين جبرائيل (عليه السلام).

فقال: يا محمد، اتل علي القرآن حتى أعرفك أوائل السور، وأواخرها، وشأن نزولها.

فاجتمع إليه علي بن أبي طالب، وولداه الحسن والحسين (عليهم السلام)، وأبي بن كعب، وعبد الله بن مسعود، وحذيفة بن اليمان، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأبو سعيد الخدري، وحسان بن ثابت، وجماعة من الصحابة رضي الله عن المنتجبين منهم، فقرأ النبي القرآن من أوله إلى آخره فكان كلما

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 23/

مر بموضع فيه اختلاف بيّنه له جبرائيل (عليه السلام)، وأمير المؤمنين (عليه السلام) يكتب ذاك في درج من أدم. فالجميع قراءة أمير المؤمنين ووصي رسول رب العالمين.              

فقلت له: يا سيدي أرى بعض الآيات غير مرتبطة بما قبلها، وبما بعدها كأن فهمي القاصر، لم يصر إلى غورية(1) ذلك.

فقال: نعم، الأمر كما رأيته وذلك «أنه» لما انتقل سيد البشر محمد بن عبد الله من دار الفناء إلى دار البقاء، وفعل صنما قريش ما فعلاه، من غصب الخلافة الظاهرية، جمع أمير المؤمنين (عليه السلام) القرآن كله، ووضعه في إزار وأتى به إليهم وهم في المسجد.

فقال لهم: هذا كتاب الله سبحانه أمرني رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن أعرضه إليكم لقيام الحجة عليكم، يوم العرض بين يدي الله تعالى.

فقال له فرعون هذه الأمة ونمرودها: لسنا محتاجين إلى قرآنك.

فقال (عليه السلام): لقد أخبرني حبيبي محمد (صلى الله عليه وآله) بقولك هذا، وإنما أردت بذلك إلقاء الحجة عليكم.

فرجع أمير المؤمنين (عليه السلام) به إلى منزله، وهو يقول: لا إله إلا أنت، وحدك لا شريك لك، لا راد لما سبق في علمك، ولا مانع لما اقتضته حكمتك فكن أنت الشاهد لي عليهم يوم العرض عليك.

فنادى ابن أبي قحافة بالمسلمين، وقال لهم: كل من عنده قرآن من آية أو سورة، فليأت بها، فجاءه أبو عبيدة بن الجراح، وعثمان، وسعد بن أبي وقاص، ومعاوية بن أبي سفيان، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة بن عبيد

ـــــــــــــــ

(1) كذا في الأصل المطبوع والقياس «غور ذلك» يقال غار في الأمر غوراً: أي دقق النظر فيه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 24/

الله، وأبو سعيد الخدري، وحسان بن ثابت، وجماعات المسلمين وجمعوا هذا القرآن وأسقطوا ما كان فيه من المثالب التي صدرت منهم، بعد وفاة سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله).

فلهذا ترى الآيات غير مرتبطة، والقرآن الذي جمعه أمير المؤمنين (عليه السلام) بخطه محفوظ عند صاحب الأمر (عليه السلام)، فيه كل شيء حتى أرش الخدش، وأما هذا القرآن، فلا شك ولا شبهة في صحته، وإنما كلام الله سبحانه، هكذا صدر عن صاحب الأمر (عليه السلام).

قال الشيخ الفاضل علي بن فاضل: ونقلت عن السيد شمس الدين حفظه الله مسائل كثيرة تنوف على تسعين مسألة، وهي عندي. جمعتها في مجلد وسميتها بالفوائد الشمسية ولا أطلع عليها إلا الخاص من المؤمنين، وستراه إنشاء الله تعالى.

فلما كانت الجمعة الثانية، وهي الوسطى من جمع الشهر، وفرغنا من الصلاة وجلس السيد سلمه الله في مجلس الإفادة للمؤمنين، وإذا أنا أسمع هرجا ومرجا، وجزلة(1) عظيمة خارج المسجد فسألت من السيد عما سمعته فقال لي: إن أمراء عسكرنا يركبون في كل جمعة من وسط كل شهر، وينتظرون الفرج فاستأذنته في النظر إليهم فأذن لي.

إذا هم جمع كثير، يسبحون الله ويحمدونه، ويهللونه جل وعز، ويدعون بالفرج للإمام القائم بأمر الله والناصح لدين الله [م ح م د] بن الحسن المهدي الخلف الصالح، صاحب الزمان (عليه السلام).

ثم عدت إلى مسجد السيد سلمه الله، فقال لي: رأيت العسكر؟

ـــــــــــــــ

(1) من قولهم: «جزل الحمام: صاح» فالمراد بالجزلة صياح الناس ولغطهم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 25/

فقلت: نعم.

قال: فهل عددت أمراءهم؟

قلت: لا.

قال: عدتهم ثلاث مائة ناصر، وبقي ثلاثة عشر ناصرا، ويعجل الله لوليه الفرج بمشيئته، إنه جواد كريم.

قلت: يا سيدي ومتى يكون الفرج؟.

قال: يا أخي إنما العلم عند الله، والأمر متعلق بمشيئته سبحانه وتعالى، حتى إنه ربما كان الإمام (عليه السلام) لا يعرف ذلك، بل له علامات وأمارات تدل على خروجه.

من جملتها:

أن ينطق ذوالفقار بأن يخرج من غلافه، ويتكلم بلسان عربي مبين:

قم يا ولي الله، على اسم الله فاقتل بي أعداء الله.

ومنها:

ثلاثة أصوات يسمعها الناس كلهم:

الصوت الأول:

أزفت الآزفة، يا معشر المؤمنين.

والصوت الثاني:

ألا لعنة الله على الظالمين لآل محمد (عليهم السلام).

والثالث:

بدن يظهر، فيرى في قرن الشمس، يقول: إن الله بعث صاحب الأمر [م ح م د] بن الحسن المهدي (عليه السلام)، فاسمعوا له وأطيعوا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 26/

فقلت: يا سيدي قد روينا عن مشايخنا أحاديث رويت عن صاحب الأمر (عليه السلام):

أنه قال لما أمر بالغيبة الكبرى: من رآني بعد غيبتي فقد كذب فكيف فيكم من يراه.

فقال: صدقت، إنه (عليه السلام) إنما قال ذلك في ذلك الزمان لكثرة أعدائه من أهل البيت، وغيرهم من فراعنة بني العباس، حتى إن الشيعة يمنع بعضها بعضا عن التحدث بذكره.                

وفي هذا الزمان تطاولت المدة وأيس منه الأعداء. وبلادنا نائية عنهم وعن ظلمهم وعنائهم، وببركته (عليه السلام) لا يقدر أحد من الأعداء على الوصول إلينا.

قلت: يا سيدي! قد روت علماء الشيعة حديثاً عن الإمام (عليه السلام) أنه أباح الخمس لشيعته فهل رويتم عنه ذلك؟.

قال: نعم، إنه (عليه السلام) رخص وأباح الخمس لشيعته من ولد علي (عليه السلام) وقال: هم في حل من ذلك.

قلت: وهل رخص للشيعة أن يشتروا الإماء والعبيد من سبي العامة؟ قال: نعم، ومن سبي غيرهم لأنه (عليه السلام) قال: عاملوهم بما عاملوا به أنفسهم، وهاتان المسألتان زائدتان على المسائل التي سميتها لك.

وقال السيد سلمه الله: إنه يخرج من مكة بين الركن والمقام في سنة وتر فليرتقبها المؤمنون.

فقلت: يا سيدي، قد أحببت المجاورة عندكم إلى أن يأذن الله بالفرج.

فقال لي: اعلم يا أخي أنه تقدم إلي كلام بعودك إلى وطنك، ولا يمكنني وإياك المخالفة لأنك ذو عيال وغبت عنهم مدة مديدة، ولا يجوز لك التخلف عنهم أكثر من هذا. فتأثرت من ذلك، وبكيت.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 27/

وقلت: يا مولاي، وهل تجوز المراجعة في أمري؟

قال: لا.

قلت: يا مولاي، وهل تأذن لي في أن أحكي كلما قد رأيته وسمعته؟

قال: لا بأس أن تحكي للمؤمنين لتطمئن قلوبهم، إلا كيت وكيت، وعين ما لا أقوله.

فقلت: يا سيدي، أما يمكن النظر إلى جماله وبهائه (عليه السلام).

قال: لا، ولكن اعلم يا أخي أن كل مؤمن مخلص يمكن أن يرى الإمام ولا يعرفه.

فقلت: يا سيدي، أنا من جملة عبيده المخلصين، ولا رأيته.

فقال لي: بل رأيته مرتين مرة منها أتيت إلى سر من رأى وهي أول مرة جئتها، وسبقك أصحابك، وتخلفت عنهم، حتى وصلت إلى نهر لا ماء فيه.

فحضر عندك فارس على فرس شهباء، وبيده رمح طويل، وله سنان دمشقي، فلما رأيته خفت على ثيابك. فلما وصل إليك قال لك:

لا تخف اذهب إلى أصحابك، فإنهم ينتظرونك تحت تلك الشجرة. فأذكرني والله ما كان.

فقلت: قد كان ذلك يا سيدي.

قال: والمرة الأخرى حين خرجت من دمشق تريد مصرا مع شيخك الأندلسي، وانقطعت عن القافلة، وخفت خوفاً شديداً، فعارضك فارس على فرس غراء محجلة، وبيده رمح أيضا، وقال لك:

سر ولا تخف إلى قرية على يمينك، ونم عند أهلها الليلة، وأخبرهم بمذهبك الذي ولدت عليه، ولا تتق منهم، فإنهم مع قرى عديدة جنوبي دمشق، مؤمنون مخلصون، يدينون بدين علي بن أبي طالب والأئمة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 28/

المعصومين من ذريته (عليه السلام).

أكان ذلك يابن فاضل؟.

قلت: نعم وذهبت إلى عند القرية، ونمت عندهم فأعزوني. وسألتهم عن مذهبهم فقالوا لي: من غير تقية مني نحن على مذهب أمير المؤمنين، وصي رسول رب العالمين، علي بن أبي طالب والأئمة المعصومين من ذريته (عليهم السلام).

فقلت لهم: من أين لكم هذا المذهب؟ ومن أوصلها إليكم؟.

قالوا: أبو ذر الغفاري رضي الله عنه حين نفاه عثمان إلى الشام، ونفاه معاوية إلى أرضنا هذه، فعمتنا بركته، فلما أصبحت طلبت منهم اللحوق بالقافلة: فجهزوا معي رجلين ألحقاني بها، بعد أن صرحت لهم بمذهبي.

فقلت له: يا سيدي، هل يحج الإمام (عليه السلام) في كل مدة بعد مدة؟.

قال لي: يا بن فاضل! الدنيا خطوة مؤمن فكيف بمن لم تقم الدنيا إلا بوجوده، ووجود آبائه (عليهم السلام). نعم، يحج في كل عام ويزور آباءه في المدينة، والعراق، وطوس، على مشرفيها السلام، ويرجع إلى أرضنا هذه.

ثم إن السيد شمس الدين حث علي بعدم التأخير بالرجوع إلى العراق وعدم الإقامة في بلاد المغرب، وذكر لي أن دراهمهم مكتوب عليها لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي ولي الله، محمد بن الحسن القائم بأمر الله.

وأعطاني السيد منها خمسة دراهم وهي محفوظة عندي للبركة.

ثم إنه سلمه الله وجهني مع المراكب التي أتيت معها، إلى أن وصلنا إلى تلك البلدة التي أول ما دخلتها من أرض البربر.

وكان قد أعطاني حنطة وشعيراً فبعتها في تلك البلدة بمائة وأربعين

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 29/

ديناراً ذهباً، من معاملة(1) بلد المغرب.

ولم أجعل طريقي على الأندلس امتثالاً لأمر السيد شمس الدين العالم أطال الله بقاءه.

وسافرت منها مع الحجج المغربي(2) إلى مكة شرفها الله تعالى وحججت، وجئت إلى العراق. وأريد المجاورة في الغري على مشرفيها السلام حتى الممات.

قال الشيخ زين الدين، علي بن فاضل المازندراني: لم أر لعلماء الإمامية عندهم ذكراً سوى خمسة: السيد المرتضى الموسوي، والشيخ أبو جعفر الطوسي، ومحمد بن يعقوب الكليني، وابن بابويه، والشيخ أبو القاسم جعفر بن سعيد الحلي.

هذا آخر ما سمعته من الشيخ الصالح التقي، والفاضل الزكي، علي بن فاضل المذكور أدام الله أفضاله، وأكثر من علماء الدهر وأتقيائه أمثاله.

والحمد لله أولاً وآخراً، ظاهراً وباطناً، وصلى الله على خير خلقه سيد البرية، محمد وعلى آله الطاهرين المعصومين وسلم تسليماً كثيراً(3).

بيان:

«اللقلقة» بفتح اللامين: الصوت، والقفل، بالتحريك: اسم جمع للقافل، وهو الراجع من السفر، وبه سمي القافلة. قوله: «تنوف» أي تشرف وترتفع، وتزيد.

ـــــــــــــــ

(1) المعاملة: قد يطلق ويراد به ما يتعامل به من الدينار والدرهم.

(2) الحجج بضمتين: جمع للحجاج شاذ اللسان.

(3) البحار ج 52 ص 159/174 والنص موجود أيضاً في تبصرة الولي ص 243/251 وثمة مصادر أخرى قد أوردته ولكنها قد نقلته عمن ذكرنا، ولذا فلا حاجة إلى ذكرها..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 30/

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 31/

الفصل الثاني:
سند رواية الجزيرة الخضراء

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 32/

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 33/

سند الرواية:

أما بالنسبة لسند هذه الرواية، فإننا نسجل ما يلي:

أولاً:

بالنسبة للرجل الذي يقول: «وجدت في خزانة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، بخط الشيخ الفاضل، والعالم العامل، الفضل بن يحيى الطيبي الخ».

إن هذا الرجل غير معروف لدينا، فهو مجهول الاسم، والنسب، والحال، بصورة تامة، فمن هو هذا الرجل يا ترى!.

إذ ليس هو المجلسي قطعاً، لأن المجلسي قد صرح بأنه إنما ينقل من رسالة متداولة.

كما أن السيد هاشم البحراني، المعاصر للمجلسي، قد قال: «قال بعض المشايخ: وجدت بخط الشيخ.. الخ»(1). وهذه العبارة لا تدل على سماع السيد البحراني منه.

وعلى تقدير ذلك، فكيف رآه البحراني، ولم يره المجلسي، وهما متعاصران؟.

ولماذا اكتفى المجلسي بالنقل من رسالة متداولة، ولم يبحث عن صاحبها ليسأله عن حقيقة الحال.

ـــــــــــــــ

(1) تبصرة الولي ص 243.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 34/

ثانياً:

كيف عرف هذا الرجل «المجهول»!!: أن ما وجده هو خط الطيبي بعينه، فهل كان خط الطيبي الذي مات قبله بمئات السنين متداولاً ومعروفاً للناس حتى عرفه هذا الرجل المجهول.

ولعل هذا الرجل المجهول قد اشتبه عليه الأمر بسبب أنه وجده يتحدث في الرواية فتخيل: أن هذا المتحدث هو نفسه الكاتب أيضاً.

مع غفلته عن أنه لا ملازمة بين الأمرين.

وثالثاً:

إننا نلاحظ: أن علي بن فاضل، الذي يوصف في الرواية بالمازندراني، ثم يصف نفسه في نفس الرواية بالعراقي، يهتم بتسجيل بعض الفضائل لنفسه كما يظهر من قوله للسيد شمس الدين، وهو يتحدث عن رؤية الإمام:

«يا سيدي، أنا من جملة عبيده المخلصين، ولا رأيته، فقال لي: بل رأيته مرتين الخ».. ثم ذكرهما له.

كما أن الرواية كلها إنما تسجل فضيلة فريدة له، وأنه قد وصل إلى ما لم يصل إليه أحد، كما وتسجل اهتمام الناحية المقدسة بأمره.

فإذا لاحظنا ذلك، وأضفناه إلى حقيقة: أنه لم يوثقه أحد من معاصريه، وإنما وثقه بعض من تأخر عنه بمئات السنين، والظاهر: أن مستندهم في هذا التوثيق هو نفس رواية «الجزيرة الخضراء»، كما يشير إليه سياق كلماتهم ـ إذا لاحظنا ذلك ـ، فإن النتيجة هي: أنه لا يمكننا الاطمئنان إلى صحة ما نقله لنا هذا الرجل إذ من الممكن أن تكون هذه القضية من صنع خياله بهدف الحصول على الشهرة في الآفاق، أو لأهداف أخرى، كما تعودناه في حالات مشابهة، على مدى العصور.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 35/

ورابعاً:

إن مما يزيدنا ريباً في أمر هذا الرجل وقصته هو أن معاصريه ـ كالعلامة الحلي، وابن داود الذي انتهى من تأليف كتابه في الرجال في سنة 707 هـ. وكذا غيرهما من العلماء ـ قد أهملوه إهمالاً كلياً. ولم يشر إليه أحد منهم بأدنى كلمة. مع أن قصته الفريدة والنادرة لابد وأن تثير فيهم الحرص على الإشارة إليه وإليها، والتنويه به وبها، واعتبارها من دلائل الإمام والإمامة، التي تستحق التدوين في المجاميع والمؤلفات. وقد دوّن العلماء ما هو أقل أهمية منها فهل اعتبرها العلماء أكذوبة باطلة؟ أم أنهم لم يسمعوا بها؟ أم أنها لم تكن قد صنعت في عصرهم من الأساس؟!.

كل ذلك محتمل، وكل ذلك يدعونا إلى الشك في الرواية وفي ناقلها.

وأما محاولة الإيراد على هذا بأن هناك بعض الشخصيات لم يذكرها المؤلفون في الرجال، مع أنها كانت معاصرة لهم، ولعل هذا الرجل قد حصل له ما حصل لها.

فهي محاولة غير موفقة، إذ إن تلك الشخصيات قد ثبت لها ذكر في مؤلفات أخرى معاصرة لها، أو ثبتت وثاقتها بقرائن وشواهد أخرى سوى ما حكته تلك الشخصيات عن نفسها. ولم يكن لتلك الشخصيات ـ كما لعلي بن فاضل ـ حكاية فريدة، لم يسجل التاريخ مثلها.

إذن، فيكون هذا الإهمال له ولحكايته من قبل معاصريه، وعدم الاطلاع على شيء من أمره سوى ما ينقله هو عن نفسه مثيراً للريب وللشك في أمره بصورة كبيرة وخطيرة.

وخامساً:

إن مما يلفت النظر أيضاً هو: أن هذه الرواية تصرح بأن علي بن فاضل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 36/

قد قص قصته من أولها إلى آخرها بحضور الطيبي، وحضور جماعة من علماء الحلة والأطراف، كانوا قد أتوا لزيارة الشيخ المذكور.

ولكننا ـ مع ذلك ـ لم نجد لأحد من هؤلاء جميعاً رواية لهذه القصة، لا بالمباشرة، ولا بالواسطة، رغم أننا نتوقع منهم أن ينشروها في البلاد والعباد، وأن تتناقلها الألسن، وتصبح حديث المحافل والأندية حيث إنها تحدد موضع وجود الإمام وأولاده في ظروف غامضة واستثنائية.

ولقد كنا نتوقع أيضاً: أن يَفِد الناس لزيارة بطل هذا الاكتشاف العجيب، والتبرك به، وسماعها منه وكتابتها عنه، ثم أن يتبرك العلماء بذكر اسمه، وقصته في معاجمهم الرجالية وغيرها.

ولكن أياً من ذلك لم يحدث، ولم نسمع لهذه القصة ذكراً إلا من الطيبي في أوراق وجدت في خزانة كتب عرفها واكتشفها مجهول، ثم اكتُشِفَ صاحبها المجهول بواسطة خطه المعروف فتبارك الله أحسن الخالقين!!.

صدق الراوي لا يلازم صدق الرواية:

ولو أغمضنا النظر عما تقدم، وفرضنا ثبوت صدق هذا الرجل «علي بن فاضل» فيما يرويه، ويحكيه لنا، فإن ذلك لا يلزم منه صدق المحكي، إذ ليس لنا طريق لإثبات صدق شمس الدين محمد العالم فيما يدعيه.

فقد يكون ثمة جزيرة تسمى بـ: «الخضراء»، وفيها رجل اسمه شمس الدين، وجماعة آخرون، يدعون أنهم من أحفاد الإمام المهدي (عليه السلام)، ومن أنصاره.

ولكن كيف يمكن إثبات صحة دعواهم تلك، فلعلهم يريدون تضليل الناس والتلاعب بعقولهم ومشاعرهم عن هذا الطريق، الذي نجد فيه الكثيرين يحاولون إثبات شيء منه لأنفسهم لأهداف شيطانية ماكرة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 37/

ووجودهم في جزيرة حولها ماء أبيض لا يكفي لذلك.

إذ إن علي بن فاضل لم يشاهد بنفسه هلاك أعداء أهل البيت (عليهم السلام) في ذلك البحر، ولا رأى غرق سفنهم. وإنما هي مجرد دعوى سمعها من رفيقه الذي كان معه.

وأما إخبار الذي أتى بالميرة إلى جزيرة الرافضة لعلي بن فاضل باسمه، واسم أبيه، وصفته فهو أيضا لا يكفي لإثبات صدق هذه الدعوى. لاسيما وأن من الممكن لهم الحصول على معلومات كهذه بالوسائل العادية، بأن يكون لهم في الجزيرة من يخبرهم بكل قادم إليها.

مع العلم بأن علي بن فاضل يعتقد: أنه كان قد رأى هذا الرجل معهم في القافلة من دمشق إلى مصر، وقال: «ولم أكن أشك في أنه قد كان في صحبتنا من دمشق ـ زاد في تبصرة الولي قوله: وإلى جزيرة الأندلس ـ فقلت: أيها الشيخ، هل كنت معنا حيث سافرنا من دمشق إلى مصر.

قال: لا، ومولاي.

قلت: ولا من مصر إلى الأندلس؟

قال: لا، والله»(1).

فنلاحظ:

أنه اكتفى منه بإخباره بأنه لم يكن معهم!! مع العلم بأن هذه القافلة مهما كبرت واتسعت فإن من هم فيها سيتعرف بعضهم على بعض بسبب طول المدة، والاضطرار إلى التعامل مع أصحابها، ومع العلم بأنه ما كان يشك في كونه قد كان معهم.

ـــــــــــــــ

(1) تبصرة الولي ص246 وراجع رواية المجلسي المتقدمة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 38/

البحث السندي بطريقة أخرى:

وفي الختام، فقد رأيت من المناسب إيراد مناقشة لسند رواية: «الجزيرة الخضراء» قام بها بعض الإخوة الأفاضل الذي لم يشأ ذكر اسمه كما أنه لم يكن راغباً في نشرها، في بادىء الأمر، ولكنه قَبِل في النهاية بأن يتحفنا بخلاصة عنها، فكتب يقول:

حكاية الجزيرة الخضراء في مصادرها الأولى:

ليس فيما بين يدينا من مصادر لحديث الجزيرة أسبق من كتاب «مجالس المؤمنين» للقاضي نور الله التستري الذي استشهد في سنة1019 هـ. ق.(1) إذ لم أعثر على من ذكرها قبله، سوى ما يحتمل في حق معاصره السيد شمس الدين محمد بن أسد الله(2).

كما أنه ذُكِر أن للمحقق الكركي ترجمة فارسية لهذه القصة، مطبوعة في ذيل كتاب السيد شمس الدين هذا، (3) إلا أن المراجع للمصادر التي ترجمت للمحقق الكركي (رحمه الله)، وذكرت مؤلفاته، لا يجد لهذه الترجمة أثراً ولا ذكراً(4).

وجدير بالملاحظة هنا: أن الشيخ الطهراني، وإن كان قد نسب ترجمة

ـــــــــــــــ

(1) مجالس المؤمنين ج 1 ص 78/79.

(2) راجع: الذريعة ج 5 ص 106 وج 4 ص 94 وراجع: ج1ص 109.

(3) راجع المصدر السابق.

(4) أمل الآمل ج 1 ص 121 وتكملة أمل الآمل ص 291 ورياض العلماء ج 3 ص 441 وأعيان الشيعة ج 8 ص 208.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 39/

«الجزيرة الخضراء» إلى المحقق الكركي أولاً(1) ولكنه عاد فتردد في ذلك، فقال (رحمه الله):

«لعل هذه الترجمة هي التي أدرجت في طي رسالة شمس الدين محمد بن أسد الله، أو أنها ترجمة للسيد شمس الدين محمد نفسه، أدرجها في رسالته»(2).

قصة الجزيرة في أمالي الشهيد:

كما أن القاضي التستري قد نقل عن الشهيد في مجالسه: أنه رواها في بعض أماليه(3).

لكن القاضي لم ينقل لنا: إن كان قد رأى ذلك بأم عينه، أم أنه اعتمد في هذا النقل على واسطة أو وسائط لا بد لنا من الاطلاع عليها، لنرى إن كانت توجب لنا الظن أو الاطمينان بالصحة أولاً.

هذا مع أن المجلسي (رحمه الله) قد أفرد لقصة الجزيرة باباً نادراً في بحاره(4)، مع تصريحه (رحمه الله) بأن جميع كتب الشهيد، ورسائله، وأجوبة مسائله موجودة عنده(5) فيبعد أن يكون للشهيد بعد هذا إملاء لم يطلع عليه المجلسي. وهو الرجل المتبحر والمتتبع.

ـــــــــــــــ

(1) الذريعة ج 4 ص 94.

(2) الذريعة ج 5 ص 106.

(3) راجع: مجالس المؤمنين ج 1ص 78/79.

(4) راجع البحار ج 52 ص 159.

(5) البحار ج1 ص 10.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 40/

مضافاً إلى أن أياً من المصادر التي ترجمت للشهيد لم تذكر: أن له هكذا إملاء(1) واحتمال كون هذا الآملاء مذكوراً في ضمن بعض كتبه.

مدفوع بأن هذا الاحتمال لا يصح في غير مجاميع الشيخ محمد علي الجبعي، لأن أكثر كتب الشهيد معروفة ومشهورة، كما ذكره المجلسي في أول كتاب البحار(2).

واحتمال كونها في المجاميع التي هي عبارة عن موضوعات متفرقة، يدفعه: أن المجلسي نفسه قد صرح في البحار، حين إيراده لحكاية الجزيرة بأنه لم يجدها في كتاب معتبر، لذا أفردها في باب نادر(3).

ومع تسليم كون الرواية مسندة فلا دليل على وثاقة رجال السند. وعلى فرض وثاقتهم فالكلام في نفس علي بن فاضل نفسه، كما سيأتي إن شاء الله.

اتصال الشهيد بالفضل بن يحيى:

وقد يدعى: أن الشهيد قد روى القصة مباشرة عن الفضل بن يحيى، راوي القصة.

ولكنها دعوى بدون دليل، فضلاً عن كونها بعيدة في نفسها، لأن ولادة الشهيد (رحمه الله) كانت سنة 734 هـ. وهجرته إلى الحلة كانت سنة 750 هـ. وقد مكث فيها خمس سنوات تقريباً ثم عاد إلى بلاده(4).

ـــــــــــــــ

(1) راجع على سبيل المثال: تكملة أمل الآمل ص 365 والبحار ج 1 ص 10 و30.

(2) بحار الأنوار ج 1 ص 30.

(3) البحار ج 53 ص159.

(4) تكملة أمل الآمل ص 365.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 41/

والذي نعلمه عن الفضل بن يحيى هو:

أنه كان حياً سنة 699 هـ. ق. حين سمع القصة من علي بن فاضل. فبملاحظة ما ذكر في قصة الجزيرة، من أن الفضل كان صديقاً للسيد فخر الدين، الذي حل علي بن فاضل عنده ضيفاً، ونهوض علي بن فاضل له حين دخوله المجلس ليجلسه في مكانه.

وبملاحظة: أن الفضل كان قد اشتغل بطلب العلم مدة في واسط. وأنه قد رأى في كلام علي بن فاضل أمارات تدل على الفضل في أكثر علوم الفقه، والحديث، والعربية بأقسامها.

وبملاحظة: أن علي بن فاضل قد توجه إليه هو ليخبره بقصة الجزيرة رغم حضور جماعة من علماء الحلة والأطراف، نعم، بملاحظة ذلك كله: مضافاً إلى أن تاريخ إجازة الإربلي له هو سنة 691 هـ.(1) يظهر أن الفضل بن يحيى كان عالماً فاضلاً في الفقه، والحديث، والعربية، وأغلب العلوم مقدماً جليل القدر بين العلماء. ومن كانت هذه صفته فلا يبعد كونه في الخمسينات من عمره، ولا أقل من أن يكون في الأربعينات إلا إذا فرضنا:

أن هذا الرجل كان من نوابغ الدهر، وفلتات الزمان، ولو كان لبان.

وبعدما تقدم، فإن بين تاريخ لقائه مع علي بن فاضل في سنة 699هـ. حيث سمع منه قصة «الجزيرة الخضراء»، وتاريخ قدوم الشهيد إلى الحلة سنة 750 هـ. أكثر من خمسين عاماً على أحسن التقادير.

فيبعد إدراك الشهيد له، والحالة هذه.

ولو سلمنا: أنه أدركه فلا دليل على أنه قد رواها عنه مباشرة.

ـــــــــــــــ

(1) أمل الآمل ج 2 ص 218.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 42/

ولو سلمنا ذلك أيضاً: فإن المحدث النوري قد نقل عن الهزارجريبي ـ كما سيأتي ـ وجادة الشهيد (رحمه الله) لرسالة «الجزيرة الخضراء»، وهذا ينفي رواية الشهيد (رحمه الله) عن الفضل بن يحيى، كما هو ظاهر.

بل لا دليل على أن الفضل بن يحيى هو الواسطة من الأساس، فلعل الواسطة بين الشهيد وبين علي بن فاضل كان شخصاً أو أشخاصاً آخرين.

وجادة الشهيد لرسالة الجزيرة الخضراء:

هذا.. وقد نسب المحدث النوري دعوى: أن الواجد لرسالة «الجزيرة الخضراء» هو الشهيد أيضاً، إلى المولى محمد كاظم الهزارجريبي(1).

ولكن الظاهر ممن نقل الحكاية من علمائنا قدس الله أسرارهم: أن أكثرهم قد أخذها عن المجلسي، حيث إن بعضهم ـ كما لاحظنا مباشرة أو بواسطة النقل عنهم ـ كالفيض في النوادر، والحر في كتاب إثبات الهداة، والسيد الجزائري في رياض الأبرار، والمحدث البحراني في كشكوله، والسيد شبر في جلاء العيون ـ قد صرحوا بالنقل عنه (رحمه الله).

في حين نجد أن رواة، آخرين لها كالأفندي في رياض العلماء، والشريف الفتوني العاملي في ضياء العالمين، والشيخ عبد الله البحراني في العوالم، والميرزا عبد الحسين النصيري في تفسيره، والمير محمد لوحي في كفاية المهتدي ـ إن هؤلاء ـ كانوا من جملة تلامذة المجلسي، عدا الأخيرين، فإنهما من معاصريه.

وعلى هذا فإنهم جميعاً يرجعون إلى وجادة المجلسي (رحمه الله).

ـــــــــــــــ

(1) النوري: النجم الثاقب ص 403.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 43/

وأما نسخة البحراني، فهي وجادة للبحراني نفسه، وقد لاحظنا الاختلاف بين نسختيهما مع أن الواجد فيهما ينقل عن خط الفضل بن يحيى، ومع هذا، فمدعي الوجادة لخط الطيبي، في كل من روايتي المجلسي والبحراني مجهول أيضاً.

وعدا عن ذلك كله، فإن هناك مئات السنين تفصل بين الهزارجريبي، الذي عاش في أواخر القرن الثاني عشر ـ ولعله أدرك القرن الثالث عشر(1) لأنه من تلامذة الوحيد البهبهاني والسيد علي صاحب الرياض ـ وبين الشهيد الذي عاش في القرن الثامن. وقد صرح النوري بأن الهزارجريبي قد اعتمد في نسبة الوجادة إلى الشهيد على بعض المؤمنين الأتقياء(2)، فمن هم هؤلاء الأتقياء وهل جميع أفراد السلسلة بين الهزارجريبي والشهيد لهم هذه الصفة أم أنه يقصد خصوص الطبقة الأولى منهم وبماذا شهدوا وعلى أي شيء لا ندري؟

ثم إنه قد تقدم: أن كتب الشهيد ورسائله، وأجوبة مسائله كانت جميعها حاضرة عند المجلسي، ومع ذلك فقد أورد هذه الرسالة في باب نادر مصرحاً بأنه لم يجدها في كتاب معتبر، فكيف يدعي الهزارجريبي، وجادة الشيخ، لا سيما إذا لاحظنا كثرة تتبع المجلسي، وسعة اطلاعه.

وقد حاول المحدث النوري أن يؤيد ما ذهب إليه بأن عدم طعن صاحب كفاية المهتدي في هذه القصة، مع كثرة ما طعن به على المجلسي وكتابه، يدل على أن صاحب الرسالة كان معروفاً لديه، وكلامه معتبر عنده،

ـــــــــــــــ

(1) أعيان الشيعة ج 9 ص 22.

(2) النجم الثاقب ص 403.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 44/

وليس مثله محل كلام(1).

ويرد عليه بالإضافة إلى ما قدمناه من وجود كتب الشهيد كلها عند المجلسي ثم تصريحه بأنه لم يجد رواية «الجزيرة الخضراء» في كتاب معتبر: أن صاحب كفاية المهتدي قد خالف المجلسي حتى في هذه الرواية أيضاً، حيث إنه قد صرح بأنها خبر معتبر(2)، مع أن المجلسي قد صرح بأنه لم يجدها في كتاب يعتمد عليه.

ونسجل هنا: أن اعتبارها عند صاحب كفاية المهتدي إنما يعبر عن رأي خاص به، ولم يظهر لنا الوجه الذي اعتمد عليه في حكمه هذا.

عصر شيوع حديث الجزيرة الخضراء:

وبملاحظة من قدمنا ذكرهم من الأعلام الذين ذكروا قصة «الجزيرة الخضراء» في مؤلفاتهم، وعصر انتشار هذه القصة نعرف الوجه في عد الشيخ كاشف الغطاء الكبير قدس سره هذه الحكاية من حكايات الأخباريين(3).

فقد بات من الواضح: أن الاتجاه نحو تدوين الأخبار كان حينئذ هو الصفة المميزة لذلك العصر حيث دونت فيه طائفة من أبرز وأوسع مجاميع الحديث، عند الشيعة، مثل: الوسائل، والوافي، وبحار الأنوار، والعوالم، وتفسير

ـــــــــــــــ

(1) المصدر السابق.

(2) النجم الثاقب ص 403.

(3) مقدمة كتاب كشف الأستار للنوري ص 19.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 45/

البرهان، وتفسير نور الثقلين(1)، وفي ذلك العصر أيضاً اشتهر كتاب فقه الرضا، وقصته معروفة.

فدعوى: أن العلماء قد تلقوا هذا الخبر بالقبول، تصبح واضحة المنشأ، لو صحت، مع أنها هي الأخرى لا تصح، لأن مجرد إيراد العلماء لها لا يدل على قبولهم إياها ولا على صحتها عندهم.

من هو الفضل بن يحيى:

بقي أن نشير إلى أنه يحتمل في الفضل بن يحيى أن يكون اثنين:

أحدهما: الراوي لقصة الجزيرة.

والثاني: الذي أجازه الإربلي.

ويظهر ذلك من قول الميرزا عبد الله الأفندي: الحق اتحادهما(2)، فاتحادهما إذن موضع نقاش وخلاف.

ولكن الأفندي لم يذكر لنا دليلاً على الاتحاد، الذي اعتبر أنه هو الحق.

وسنشير فيما يلي إلى ما يشهد بأنهما اثنان.

علي بن فاضل في ميزان الاعتبار:

لقد ذكر الحر العاملي شيئاً من حكاية «الجزيرة الخضراء» في كتاب إثبات

ـــــــــــــــ

(1) راجع: المعالم الجديدة للأصول ص 82/83.

(2) رياض العلماء ج 4 ص 377.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 46/

الهداة(1).

ثم إنه حين ترجم لنفسه في كتاب «أمل الآمل»، عد من جملة مؤلفاته الكتاب المذكور(2) أي كتاب «إثبات الهداة» الذي كان قد ألفه قبل ذلك.

فيلاحظ هنا: أنه قد ترجم في كتاب أمل الآمل للفضل بن يحيى، ولم يترجم علي بن فاضل، الذي كان قد أثبت قصته في كتابه قبل ذلك.

وهذا يشير إلى أنه لم يعتمد في ترجمته للفضل بن يحيى على قصة «الجزيرة الخضراء».

فيظهر أنه قد اعتمد على مصدر آخر لترجمته، وهو كتابة الفضل لكشف الغمة، ومقابلته له، وسماعه من مؤلفه، مضافاً إلى إجازة الإربلي له سنة 691هـ (3). أو سنة 692 هـ (4).

فقد يجد البعض في موقف «الحر» (رحمه الله) هذا مدحاً لعلي بن فاضل، وتوهيناً له.

على اعتبار: أنه (رحمه الله) قد أثنى على الفضل بن يحيى راوي كشف الغمة، ومدحه، فمقتضى ذلك أن يأخذ بتوثيقه لعلي بن فاضل الوارد في خبر الجزيرة، ويترجم له في كتابه أيضاً. فعدم ترجمته له شاهد على عدم اعتماده على توثيق الفضل، الذي ثبتت جلالته عنده.

ولعله يمكن أن يكون ذلك منه بسبب أنه يرى أن الفضل الراوي

ـــــــــــــــ

(1) إثبات الهداة، الباب الثالث والثلاثون ج 3 ص 707.

(2) أمل الآمل ج 1 ص 141 فما بعد.

(3) أمل الآمل ج 2 ص 218 /217.

(4) آخر كتاب كشف الغمة ج 3 ص 344.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 47/

لحديث «الجزيرة الخضراء»، هو غير الفضل المجاز ويكون ذلك شاهداً على أنه يرى تعددهما فوثاقة أحدهما عنده لا تستلزم وثاقة الآخر(1).

هذا ويستفاد من كلام الأفندي ـ الذي يظهر أنه أول من ترجم لعلي بن فاضل ـ: أنه قد اعتمد في ترجمته له على رواية «الجزيرة الخضراء» (2). وهذا ليس كافياً، لاسيما إذا عرفنا: أن العلامة وابن داود رحمهما الله لم يترجما لهذا الرجل أيضاً، مع أنه كان معاصراً لهما.

أما تصريح الفضل بن يحيى في رواية «الجزيرة الخضراء»، بأن علي بن فاضل ثقة عنده.

فلا يجدي شيئاً، وذلك لعدة وجوه:

الأول: أنه إنما يتم بناء على اتحاد الفضل بن يحيى مع الفضل الذي أجازه الإربلي. وهو موضع شك كما ذكرنا.

الثاني: يحتمل أن يكون توثيق الفضل لعلي بن فاضل مستنداً إلى نفس لقياه إياه واستماعه منه حديث «الجزيرة الخضراء»، ويرشد إلى هذا قوله: «فوجدت في كلامه أمارات تدل على الفضل والتقى» كما في نسخة البحراني(3).

الثالث: أنه لاشك في أن الطيبي قد سمع بقصة «الجزيرة الخضراء» قبل أن يلتقي بعلي بن فاضل بحوالي شهرين. فكيف لم يحاول التعرف على

ـــــــــــــــ

(1) إثبات الهداة، الباب الثالث والثلاثون ج 3 ص 707.

(2) أما إذا كان السبب هو عدم وثوقه بالرواية، من حيث إنها وصلت إليه بالوجادة، أو لأسباب أخرى تقدمت وسيأتي الإشارة إلى بعضها فلا يكون ذلك شاهداً على كونه يرى: أن الفضل اثنين أو واحداً.

(3) راجع: رياض العلماء ج 4 ص 175. ويلاحظ قوله في آخر الترجمة: انتهى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 48/

مدى وثاقة ذلك الرجل الذي اتفقت له هذه القصة العجيبة الغريبة، وبقي أمره مجهولاً لديه حتى رآه، ورأى فيه أمارات تدل على الفضل والتقى.

ولكن بقيت قصة الجزيرة مستورة عن مثل الفضل بن يحيى العالم الفاضل الذي يعيش في الحلة، في واسط فلم يسمع بها ولا بصاحبها ـ الذي كان مجاوراً في الغري ـ مدة عشر سنوات مع أن دواعي نشر أمثال هذه القضايا الغريبة والعجيبة، والسؤال عنها وعن الذي اتفقت له متوفرة، وموجودة في كل زمان ومكان.

واحتمال أن علي بن فاضل كان يتستر بهذا الأمر، ولا يفشيه، بعيد لأنه قد حدث به الفضل بمحضر جماعة من علماء الحلة والأطراف.

في نهايات البحث:

هذا.. آخر ما أتحفنا به صديقنا الفاضل الجليل الذي لم يشأ ذكر اسمه. قد ذكرناه مع بعض التقليم والتطعيم ونعتقد أنه بالإضافة إلى ما ألمحنا إليه فيما سبق يكفي لوضع علامة استفهام كبيرة حول وثاقة سند رواية «الجزيرة الخضراء»، واتصاله.

نسأل الله سبحانه أن يوفقنا لما فيه الصلاح والسداد، إنه ولي قدير، وبالإجابة حري وجدير.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 49/

الفصل الثالث:
مع رواية الجزيرة الخضراء
في دلالاتها وخصوصياتها

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 50/

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 51/

شكوك ليست مورد البحث:

قد نجد البعض في بحثه حول رواية: «الجزيرة الخضراء» يرغب في التشكيك، أو إثارة تساؤلات حول أمور لا نجد ضرورة للتشكيك ولا لإثارة التساؤلات حولها.

ونحن لا نوافق على هذا الأسلوب من التعامل، ونرغب في أن نتوجه إلى الرواية موضع البحث نفسها مباشرة، لنتعامل معها من موقع الناقد المنصف، من دون أن نثير تساؤلات في اتجاهات أخرى، لا نجدها تجدي كثيراً في تحقيق ما هو الحق في الرواية، أو تزييف الزائف وإن كانت تلك التساؤلات على درجة من القوة، وتتوفر فيها كل العناصر المطلوبة لتأكيد صحتها، ولأجل ذلك فلسوف لا أثير تساؤلات كثيرة حول «مثلث برمودا»، وأن ما يقال عنه حقيقة أو خرافة، وإن كنت أعتقد أن إثارة ذلك، ليس فيها أي محذور أو تبعة.

ولن أثير أيضاً تساؤلات كثيرة حول ما يتداوله الناس من أخبار مثيرة حول هذا المثلث، على اعتبار أنها أخبار جرائد ومجلات، أو إذاعات استعمارية، أو تسير في ركاب الاستعمار، أو مأخوذة من كتاب ألفه أحد الأشخاص، الذين يحتمل أن يكونوا من أدوات المخابرات العالمية. وإن كان ذلك صحيحاً أيضاً.

ثم إنني لا أرغب في تذكير القارىء بما نشرته مؤخراً وسائل الإعلام في

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 52/

أستراليا، وغيرها حول انتشال حطام بعض السفن التي غرقت في ذلك المثلث بالذات، الأمر الذي يؤيد القول بأن المثلث إنما يصبح خطراً في بعض أيام السنة، أما في سائر الأيام فتكون الحالة فيه اعتيادية، كسائر المواقع والمواضع.

كما أنني لست بصدد التحقيق حول صحة دعوى فقدان طائرة هنا، أو سفينة هناك، فيها العشرات، أو المئات من الأشخاص، من قِبَل صحيفة من الدرجة الثانية أو الثالثة، في بلد لا يعنيه أمر هذه الطائرة أو السفينة، لا من قريب، ولا من بعيد.

مع ما تعودناه من الاهتمام البالغ بأحداث كهذه من قبل الدولة المعنية نفسها، بل هي تهتم بما هو أدنى من ذلك بكثير.

وكذلك، فإنني لا أريد أن أقول: كيف لا تعكف الجامعات، والمؤسسات العلمية على دراسة ظاهرة: «مثلث برمودا»، ويكون في صميم دروسها وتحقيقاتها بهدف حل هذا اللغز المحير، والعجيب، والغريب.

وأخيراً.. فإنني لا أريد في هذا الفصل أن أثير المخاوف في أن يكون وراء إطلاق هذه الشائعات من قبل صحيفة هنا، أو إذاعة هناك هو أجهزة المخابرات الدولية الاستعمارية لأهداف شيطانية، وتضليلية ماكرة حيث يعملون على إثارة الغبار هنا، بهدف تسديد ضربة، أو تمرير مؤامرة هناك.

لا، لا أريد كل ذلك، فإنه كله، وإن كان صحيحاً مائة بالمائة، إلا أنه لا يمنع من أن يكون بعض ما يذكر عن المثلث حقيقة راهنة إذ ما الذي يمنع الكاذب من أن يصدق، وما يمنع الجريدة أو الإذاعة الاستعمارية من أن تقول الحق، أو بعض الحق أحياناً.

وإن كانت تخفي الكثير مما من شأنه أن يدل على السر، ويكشف اللغز المثير.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 53/

ولعل أجهزة إعلام الدول المعنية بالأحداث التي تتعرض لها سفنها وطائراتها قد سجلت الحدث أيضاً، وبالمستوى المطلوب أحياناً، ولكن لم يصل ذلك إلي. ولعل! ولعل!!.

الأدب والإنصاف:

وثمة أمور أخرى لا أريد التعرض لها أيضاً، ولكنها من نوع آخر فأنا لا أريد ولا أرغب في مناقشة هذا المؤلف فيما يدعيه، ولا ذاك فيما يرتئيه، ولا معاتبة من تجرأ منهم على ساحة كبار علماء الإسلام، وحماة الدين والشريعة، وعمل على تسفيه آرائهم بأسلوب قاس، ومرير، وشرس، ومهين، ومشين، وليس بعلمي، ولا متزن، ولا رصين!!.

ولا أريد أيضاً: أن أعدد على هذا المؤلف أخطاءه، ولا على ذاك هفواته، رغم أن الهفوات قد تكون كبيرة، والأخطاء فاحشة وخطيرة. بل هي كذلك بالفعل.

ثم إنني لا أميل إلى ذكر ما شاهدته وأشاهده لدى البعض ممن ألف في هذا الموضوع من تدليس أو تغافل عن الحقيقة.

ولا إلى التذكير بالموارد التي شوهد فيها ـ هذا البعض ـ وهو يتهرب فيها من طرح بعض القضايا التي لا يمكنه الإجابة عليها.

وكذا ما يمارسه من طرح الموضوع في مستوى الاحتمال، لكنه يحاسب الآخرين ويتعامل معهم على أساس أن هذا الاحتمال هو الحق الصراح، والواقع المر، الذي لا مجال لتجاهله، أو التشكيك فيه، ثم يشتم هذا، ويسب ذاك من أجل ذلك، وفي سبيله.

ولا أريد كذلك أن أدل القارىء على ذلك الكاتب الذي يحاول إثبات

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 54/

وجهات نظره وتكريسها بطريقة إرهابية، أكثر منها علمية وواقعية فهو يطلق باستمرار بالونات في الهواء، تصاحبها انتفاخات أوداج، وهدير أمواج، وإثارة عجاج، وهرج ومرج، وصخب ورهج، وعجيج وضجيج، ثم يتمخض الجبل، فيلد فأرةً، أو دونها.

هذا كله عدا عن أنه يجر قارئه المسكين إلى أمور جانبية وقشرية.

ثم هو يعظم الحقير، ويصغر الكبير، ثم يلقي قارئه في العراء، لا يدري من أين يذهب، وإلى أين يمضي، ثم يعود فيتلقفه، ليدس إليه ما يريد، ويلهيه بما يشاء.

لا.. لا أريد ذلك، ولا أرغب في أن أتفوه به، ما دام أنه سوف يجعلني مضطراً إلى التماس الشواهد الكثيرة والدلائل الغزيرة له. وهي ـ وإن كانت متوفرة لدي، وسهلة الحصول علي، إلا أنني لا أريد أن أشغل نفسي بها، حرصاً على توفير الوقت، ليصرف فيما هو أهم، ونفعه أعم.

ولكنني أريد ببحثي هذا المقتضب والموجز جداً: أن أسجل رأيي حول رواية: «الجزيرة الخضراء» من وجهة نظر علمية بحتة، ومن دون الخروج على سياق الرواية ذاتها، إلا في نطاق محدود، ومحدود جداً حسبما يقتضيه البحث.

ونسأل الله أن يوفقنا جميعاً لما فيه الخير، وأن يقينا شرور أنفسنا، وغرور آمالنا وأمانينا إنه ولي قدير، وبالإجابة حري وجدير.

فإلى ما يلي من صفحات:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 55/

تناقضات لا حل لها:

والغريب في الأمر: أن هذه الرواية منقولة بطريق الوجادة، من خط الفضل بن يحيى بن علي الطيبي.

وقد رواها السيد هاشم البحراني المتوفى سنة 1107 هـ. ق. ورواها العلامة المجلسي المتوفى سنة 1111 هـ. ق. مصرحين بالوجادة المذكورة.

ولكن بين الروايتين تناقضات ظاهرة، كما أن بينهما وبين النص الذي ذكر الشهيد التستري بعضاً منه، تناقضاً أيضاً، ونحن نشير هنا إلى الموارد التالية:

ألف: قد صرح الشهيد القاضي التستري بأن المسافة بين القرية التي مرض فيها علي بن فاضل، وجزيرة الرافضة هي خمسة عشر يوماً، منها يومان صحراء مقفرة، لا يحصل فيها ماء، وأما الباقي فعامر، والقرى فيها كثيرة ومتصلة(1).

ولكن العلامة المجلسي في النص المنقول عنه آنفا، والسيد هاشم البحراني أيضاً(2) يقولان: إن المسافة خمسة وعشرون يوماً، منها يومان بغير عمارة ولا ماء، وبعد ذلك فالقرى متصلة الخ.فراجع.

ب: في رواية المجلسي الآنفة الذكر: أن عدد الأمراء والأنصار هو ثلاث مائة، وبقي ثلاثة عشر ناصراً.

لكن في رواية البحراني: أن عدتهم هي ثلاث مائة وأحد عشر، وبقي

ـــــــــــــــ

(1) مجالس المؤمنين ج 1 ص 78.

(2) تبصرة الولي ص 245.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 56/

اثنان فقط(1).

ج: تنص رواية المجلسي على أن علي بن فاضل قال: «لم أر لعلماء الإمامية عندهم ذكرا سوى خمسة: السيد المرتضى الموسوي، والشيخ أبو جعفر الطوسي، ومحمد بن يعقوب الكليني، وابن بابويه، والشيخ أبو القاسم جعفر بن سعيد الحلي».

لكن في رواية البحراني قد نص على أنهم ثلاثة فقط فقال: «ما رأيت من أحد من علماء الشيعة الإمامية عندهم ذكر إلا الشيخ أبو جعفر الطوسي، والسيد المرتضى علم الهدى، والشيخ أبو القاسم جعفر بن اسماعيل الحلي، وان الشيخ أبا القاسم خالف الشيخ الطوسي في ست عشرة مسألة والحق معها(2) مع الطوسي»(3).

د: ويلاحظ: الاختلاف الآخر في النص المتقدم، فرواية المجلسي تذكر:

جعفر بن سعيد الحلي.

ورواية البحراني تذكر:

جعفر بن إسماعيل الحلي.

هـ: رواية المجلسي تقول: فلما كان في السادس عشر من مسيرنا في البحر رأيت ماء أبيض.

لكن رواية البحراني تقول: فسرنا خمسة أيام، فلما كان في اليوم

ـــــــــــــــ

(1) تبصرة الولي ص 249.

(2) الظاهر: أن الصحيح هو: فيها.

(3) تبصرة الولي ص 250 / 251.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 57/

السادس رأيت ماء أبيض(1).

و: وتذكر رواية المجلسي المتقدمة: أن السيد شمس الدين أعطى علي بن فاضل حنطة وشعيرا، فباع ما أعطاه إياه بمئة وأربعين ديناراً ذهبا.

لكن رواية البحراني تقول: إنه باع ذلك بخمسة وعشرين ديناراً ذهبية، ومثلها دراهم فضة(2).

ز: ويظهر أن في رواية البحراني تناقضاً آخر، حيث تقول الرواية تارة إنه قال لشمس الدين محمد العالم:

«وهل رأيت الإمام قال: لا، ولكن أبي رآه»(3).

ولكنه عاد فقال: «ذكر لي السيد شمس الدين بأن الإمام (عليه السلام) يأتي في رأس كل سنة إلى تلك القبة، وما يجتمع بها إلا المخلصون.

قلت له: لعلك منهم؟. فبكى، وقال: إن شاء الله»(4).

فيظهر من ذلك ـ بملاحظة أن هذا الرجل هو النائب الخاص له (عليه السلام) في تلك الجزيرة ـ أنه قد رآه، فمن أولى به منه برؤية الإمام (عليه السلام) وجوابه هذا ظاهر في الإيجاب، فإذا أخذنا ذلك بنظر الاعتبار، يحصل التناقض بين جوابه هذا وجوابه السابق.

ح: لقد ذكرت رواية المجلسي: أن شمس الدين قد أعطى علي بن

ـــــــــــــــ

(1) تبصرة الولي ص 246 / 247.

(2) تبصرة الولي ص 250.

(3) المصدر السابق ص 247.

(4) تبصرة الولي ص250.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 58/

فاضل خمسة دراهم من الجزيرة، قال: «وهي محفوظة عندي للبركة».

لكن رواية البحراني تقول: إن علي بن فاضل قال عن شمس الدين: «وذكر لي أن هذه الجزيرة لا يدخل إليها درهم، ولا يخرج منها درهم. ودراهمهم مكتوب عليها.. الخ»(1).

ط: وقد صرحت رواية المجلسي بأنه حين علم أنه قد بقي إلى أن تأتي الميرة من «الجزيرة الخضراء» أربعة أشهر تأثر لطول المدة، ومكث عندهم مقدار أربعين يوماً يدعو الله، ليلاً ونهاراً بتعجيل مجيئها، ففي آخر يوم من الأربعين خرج إلى شاطىء البحر ينظر إلى جهة المغرب فرأى شبحاً من بعيد.. الخ..

ولكن رواية البحراني تقول: «إنه مكث عندهم مقدار أسبوع، ثم خرج إلى شاطىء البحر، فرأى شبحاً من بعيد.. الخ»(2).

وحسبنا ما ذكرناه حول هذا الأمر، وبإمكان المطالع أن يجد المزيد من ذلك إذا دقق النظر، وقارن بين النصين.

هذا، مع العلم بأن المأخوذ عنه في كلا المصدرين هو كتابة وجدت بخط الشيخ الطيبي!!.

فكيف اختلف المتن إلى هذا الحد، وظهرت فيه هذه التناقضات يا ترى!.

ـــــــــــــــ

(1) تبصرة الولي ص 250.

(2) تبصرة الولي ص 246.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 59/

السر في التناقضات:

ونحن في مقام الإجابة على هذا السؤال نقول:

إن ناسج خيوط هذه الرواية يمكن أن يكون قد كتبها أولاً، ونسبها إلى خط الشيخ الطيبي، ثم بدا له أن يعيد كتابتها مع إدخال بعض التحسينات عليها، مع الإصرار على نسبتها إلى خط ذلك الرجل المعروف فكان أن ظهرت فيها هذه الاختلافات، ووضحت فيها تلكم التناقضات.

أكذوبة تحريف القرآن:

وقد صرحت الرواية: بأن السبب في عدم الترابط فيما بين آيات القرآن هو أن الخليفة أبا بكر قد رفض القرآن الذي جمعه علي أمير المؤمنين (عليه السلام)، ثم نادى بالمسلمين، وقال لهم:

«كل من عنده قرآن من آية أو سورة فليأت بها.

فجاءه أبو عبيدة بن الجراح، وعثمان، وسعد بن أبي وقاص، ومعاوية بن أبي سفيان، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة بن عبيد الله، وأبو سعيد الخدري، وحسان بن ثابت، وجماعات من المسلمين، وجمعوا القرآن، وأسقطوا ما فيه من المثالب التي صدرت منهم، بعد وفاة سيد المرسلين صلى الله عليه وآله فلهذا ترى الآيات غير مرتبطة.. الخ».

ونحن أمام هذه الدعوى نسجل الحقائق التالية:

أولاً: لقد أثبتنا في كتابنا «حقائق هامة حول القرآن الكريم» بالأدلة القاطعة، والبراهين الساطعة أن القرآن سليم عن أي تحريف أو نقص أو زيادة وهو مقتضى النص والوعد الإلهي القاطع الذي يقول:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 60/

{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(1).

حيث قد أجمعت الأمة بأسرها على عدم وقوع التحريف في هذه الآية، وقد دلت هذه الآية على أن القرآن محفوظ عن أن يتطرق إليه أي تغيير أو تبديل، أو زيادة أو نقصان.

ودعوى: أنه يكفي ـ في صدق الآية ـ حفظه لدى بعض الأفراد من الأمة وإن كان الموجود عند سائر الناس قد نالته يد التحريف.

دعوى باطلة فإن الهدف من إنزال القرآن هو هداية الأمة، {لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ}(2) والتدبر في آياته: {لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ}(3) و {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}(4).

وواضح: أن هذا الأمر لا يختص بفرد دون فرد، ولا بجماعة دون أخرى.

وحفظ القرآن، إنما هو لأجل حصول هذه الغاية بالذات، فإذا كان محرفاً، لم يكن هدى لأحد، ولا هو مما لا ريب فيه، كما لا معنى للوم والتقريع على عدم تدبر آياته.

ودعوى: أن التحريف يمكن أن يكون قد نال الجوانب التي لا تؤثر على هداية الناس.

لا يمكن قبولها، فإن هدف الأعداء والمنافقين من القيام بعملية كهذه هو

ـــــــــــــــ

(1) سورة الحجر، آية 9.

(2) سورة البقرة، آية 2.

(3) سورة ص، آية 29.

(4) سورة محمد، آية 24.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 61/

الإضرار بهذا الجانب بالذات، وإيجاد الريب فيه.

وثانياً: أضف إلى ما تقدم: أن شدة العناية بالقرآن، وبكتابته، وبحفظه، وتعدد المصاحف وشيوعها منذ عهد الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، وبإشراف مباشر منه صلى الله عليه وآله، قد بلغ حداً جعل حصول أي تحريف أو تبديل يلحق بالمحالات والممتنعات..

ويكفي أن نذكر: أنه لم تمض على وفاة الرسول الأكرم سوى سنوات قليلة، لا تصل إلى ثلاثة عقود من الزمن حتى أصبح قراء القرآن يعدون بعشرات الألوف(1) وكيف يجرؤ أحد على ارتكاب جريمة كهذه، مع وجود الخيرة من الصحابة ومن غيرهم فإنهم ـ ولا شك ـ لسوف يقيمون الدنيا، ثم لا يقعدونها، ولسوف يصبح من تسول له نفسه ذلك لعنة التاريخ، في كل جيل.

وبعد ما تقدم فإننا نحيل القارىء إلى كتابنا «حقائق هامة حول القرآن الكريم» فإن فيه ما يكفي لإثبات بطلان دعوى تحريف القرآن، وأنها قد جاءت من قِبَل أعداء الدين بهدف المساس بقدسية القرآن، والطعن فيه.

وثالثاً: إن الشخصيات المذكورة أسماؤهم في قضية جمع أبي بكر للقرآن في هذه الرواية وان كان يمكن أن يكونوا قد حضروا وشاركوا في هذا الأمر. إلا أن الرواية لم تذكر زيد بن ثابت الذي تدعي الروايات: أنه هو الذي كان مكلفاً رسمياً من قبل الخلفاء بجمع القرآن وأعني زيد بن ثابت.

كما أنها لم تذكر ابن مسعود، ولا أبي بن كعب، ولا معاذ بن جبل، الذين عرفوا بالقرآن وقراءته وحفظه، وذكرت بعض الأحاديث التي تؤكد

ـــــــــــــــ

(1) صفين للمنقري ص 188.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 62/

على أن لهم مقاماً مرموقاً في هذا المجال(1).

نزول القرآن على سبعة أحرف:

بقي أن نشير إلى أن رواية «الجزيرة الخضراء» قد ذكرت: أن القرآن قد نزل على سبعة أحرف وأن النبي صلى الله عليه وآله بعد حجة الوداع قد قرأ القرآن من أوله إلى آخره، فكان كلما مر بموضع فيه اختلاف بيّنه له جبرائيل (عليه السلام)، وأمير المؤمنين (عليه السلام) يكتب ذلك في درج من أدم، وذلك بحضور جماعة منهم الحسن والحسين، وابن مسعود، والخدري، وأبي، وحذيفة، وجابر، وحسان بن ثابت، ثم تقول الرواية:

فالجميع قراءة أمير المؤمنين، ووصي رسول رب العالمين.

ونقول:

أولاً: لماذا كان ذلك سبباً في أن تكون القراءة لأمير المؤمنين (عليه السلام) ولا تكون للنبي صلى الله عليه وآله نفسه، أو لجبرائيل، أو لأي من جماعة الصحابة، الذين شهدوا، وحضروا، ونظروا؟!.

ثانياً: لقد أثبتنا في كتابنا «حقائق هامة حول القرآن الكريم» في فصل مستقل بطلان حديث نزول القرآن على سبعة أحرف. وقلنا ـ: إنه قد نزل على حرف واحد، من عند الواحد. فليراجع ما كتبناه هناك.

ثالثاً: إنه يظهر من رواية «الجزيرة الخضراء»: أن السبب في كون القراءات سبعاً هو الاختلاف الذي كان يبيّنه جبرائيل (عليه السلام)، ويكتبه علي صلوات الله وسلامه عليه.

ـــــــــــــــ

(1) راجع: حقائق هامة حول القرآن الكريم ص 112 / 114.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 63/

ومع تحفظنا على دعوى: أن القراءات سبع فهي ـ كما يدعون ـ عشرة، أو حتى أكثر من ذلك بكثير، كما ذكره المؤلفون في هذا الفن. ومع أننا قد فندنا الدعاوى التي تقول: إن هذه القراءات توقيفية، فإننا نقول:

إن ذلك الاختلاف الذي كان يبينه جبرائيل، إن كان هو الذي يتعلق بأوائل السور، وأواخرها، وشأن نزولها ـ كما ربما يظهر من الرواية ـ فأين هي القراءات السبع إذن.

فإن هذه الأمور لا ربط لها بالقراءات، ولا هي من مواردها، لتكون موضع اختلاف وبيان.

وإن كان الاختلاف في الآيات نفسها زيادة ونقيصة، وغير ذلك مما يذكرونه.

فهو وإن كنا قد أثبتنا بطلانه أيضاً(1).

إلا أن الذي يلاحظ الرواية المتقدمة يجد فيها: أن جبرائيل قد صرح بأن مهمته إنما هي بيان أوائل السور، وأواخرها، وشأن نزولها، لا أكثر.

إلا أن يكون جبرائيل (عليه السلام) قد وجد النبي صلى الله عليه وآله يخطىء في القراءة في بعض الموارد فكان يصحح له الخطأ، فيكتب أمير المؤمنين (عليه السلام)، ويشهد أولئك الحاضرون!!.

وهذا القول يعتبر إهانة لمقام النبوة الأقدس، نعوذ بالله من الخذلان والزلل، في القول والعمل.

ورابعاً: نقول:

ـــــــــــــــ

(1) راجع كتابنا حقائق هامة حول القرآن.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 64/

1 ـ إننا لا نستطيع أن نتحمل توجيه الإهانة إلى الرسول الأكرم، واتهامه بأنه كان يجهل أوائل السور، وأواخرها، وشأن نزولها.

مع أنهم يقولون: إن الصحابة كانوا يعرفون ذلك، حيث إنهم كانوا إذا نزلت {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} يعرفون ختم السورة، وابتداء غيرها(1).

2 ـ أضف إلى ذلك: أن النبي صلى الله عليه وآله كان باستمرار، وعلى مدى السنوات التي عاشها فيما بينهم كرسول، يذكر لهم فضائل السور، ويسميها بأسمائها، التي كانت متداولة منذئذ، وحتى يومنا هذا.

ولم يذكر لنا التاريخ: أنهم اختلفوا في عهده صلى الله عليه وآله في هذا الأمر، ولا أن النبي صلى الله عليه وآله قد تردد في شيء من ذلك، لا قبل حجة الوداع، ولا بعدها.

3 ـ وعدا عن ذلك كله، فهل معرفة أوائل السور، وأواخرها، وشأن نزولها يحتاج إلى قراءة القرآن كله على جبرائيل؟ ألم يكن يكفي: أن يعين له ذلك في كل مورد بخصوصه، ثم ينتقل إلى المورد الآخر ليعينه في مورده أيضاً؟.

أم أن القرآن كان مشوشاً أو مختلطاً بعضه ببعض؟ وإذا كان كذلك فماذا كان دور كتاب الوحي الذين كانوا عنده صلى الله عليه وآله.

التجربة خير دليل:

لقد ذكرت الرواية: أن مراكب أعدائهم «لعل الضمير يرجع إلى من في الجزيرة، أو الشيعة» إذا دخلت البحر الأبيض تغرق، وإن كانت محكمة ببركة

ـــــــــــــــ

(1) راجع حقائق هامة حول القرآن ص 142 / 143 عن مصادر كثيرة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 65/

مولانا وإمامنا صاحب العصر.

لا ندري، هل حاول أحد من المؤمنين طيلة هذه القرون: أن يذهب إلى «الجزيرة الخضراء».

ما دام قد أصبح واضحاً: أنه سيكون في مأمن من الغرق!.

فهذه أكثر من سبع مائة سنة تمر على انكشاف هذا الأمر، ولم نشهد أية محاولة من هذا القبيل، ولو من رجل مؤمن واحد على الأقل!! وقد كنا ولا زلنا نتوقع من الشيعة المتفانين في حب السادات وأهل البيت، ويهتمون بأمر إخوانهم من الشيعة أينما كانوا أن يهبّوا هبة رجل واحد في محاولة لزيارة تلك الأماكن التي يتواجد فيها أبناء الإمام، ويتواجد فيها الإمام بنفسه مرة ـ على الأقل ـ في كل عام.

وهذه هي الطائرات حاضرة، والسفن متوفرة، والمؤمنون قادرون على استئجارها، بل وعلى شرائها، والقيام برحلات منظمة إلى الجزيرة!.

ولتظهر هذه المعجزة العظيمة للبحر الأبيض، ليؤمن من آمن عن بينة ويقين، ويهلك من يعاند ويكفر ويذهب إلى الجحيم!!.

وليكن ذلك سبباً في إعزاز الدين، وكبت الكافرين والجاحدين.

فلماذا الخوف والجزع، والرعب، والهلع، بعد أن جُرِّب هذا الأمر، واتضح صدقه، فهذا «مثلث برمودا» ماثل للعيان، وهذه السفن فيه تغرق، وسفن أهل الإيمان من الأسار تطلق، فلتنظم إليه الرحلات، لينال الشيعة من سيدهم البركات.

الأمراء الثلاث مائة:

ومع غض النظر عن تناقض روايتي المجلسي والبحراني في عدد الذين وُلِدوا، والذين لم يولدوا بعد من أنصاره (عليه السلام) فإن البحراني قد أشار

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 66/

إلى قرب ظهور الفرج في ذلك الوقت حيث قال: «وبقي اثنان، والفرج قد آن»(1) مع أنه قد مرت حتى الآن على هذه الحادثة أكثر من سبعة قرون، ولكنه لم يظهر(عليه السلام).

ونذكر القارىء هنا بأن هناك رواية تتحدث عن هؤلاء الأنصار، وتذكر أسماءهم، وأسماء بلدانهم، وأنهم حين ظهوره (عليه السلام) سوف يُفقَدُون عن فرشهم، ويَصِلون إليه (عليه السلام) وهو في مكة.

فهل هي تتحدث عن أشخاص وُلِدوا، أو سيولدون! وإذا كانوا قد ولدوا فهل سوف يُعَمرّون إلى وقت ظهوره (عليه السلام)، أم أنهم سوف يموتون ثم يبعثهم الله لنصرته!.

وإذا كانوا سيفقدون من فرشهم فهل يكون ذلك من فرشهم التي في بيوتهم في الأصقاع والبلاد المختلفة؟ أم من خصوص «الجزيرة الخضراء»؟!.

وهل هم متزوجون ولهم أولاد، أم لا؟.

ولماذا لم يولد الاثنان الآخران، أو الثلاثة عشر، ليعيشوا مع إخوانهم بانتظار خروجه (عليه السلام)!.

ولماذا تتأخر ولادات الثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً إلى قرب ظهوره (عليه السلام)!.

وما هو الدور الذي يقوم به هؤلاء طيلة هذه المدة المتطاولة.

إلى غير ذلك من الأسئلة التي ربما تراود ذهن القارىء بملاحظة ما ذكرته رواية «الجزيرة الخضراء».

ـــــــــــــــ

(1) تبصرة الولي ص 249.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 67/

الرقعة التي تحت القبة:

هذا، وقد ذكرت الرواية: أن شمس الدين محمد العالم قد قال لعلي بن فاضل:

«إنه يمضي كل صباح جمعة إلى القبة فوق الجبل، فيجد هناك رقعة مكتوب فيها ما يحتاج إليه من المحاكمة بين المؤمنين، فمهما تضمنته الورقة يعمل به».

وأقول:

لم يذكر لنا السيد شمس الدين من الذي يكتب له هذه الورقة، لكن كلامه يوحي: أنها صادرة من قِبَل الإمام صاحب العصر (عليه السلام).

وعلى هذا القول:

أولاً: من الذي يستطيع أن يثبت لنا صدق شمس الدين فيما يدعيه!.

ثانياً: ولو سلمنا أنه صادق في ذلك، فهل لم يكن بوسع السيد شمس الدين أن يتعلم قواعد القضاء والمحاكمة بين المؤمنين، ثم يستقل في هذه المحاكمات، من دون أن يحتاج إلى هذه الورقة في كل جمعة!.

ثالثاً: كيف يمكن دفع احتمال أن تكون الورقة يكتبها أحد شياطين الإنس أو الجن، أو أحد الخادمين أو كلاهما، ويضعها هناك فيأتي السيد شمس الدين، ويأخذها بحسن نية، وسلامة طوية، بتخيل أنها من الإمام المعصوم، وهو إنما وقع تحت تأثير ماكر ماهر؟.

هل للإمام (عليه السلام) أولاد؟!:

هذا هو السؤال الأهم الذي يفرض نفسه، والذي تهرب من الإجابة عليه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 68/

بعض من راق له أن يدافع عن رواية «الجزيرة الخضراء»، بكل حماس وقوة، وليس هذا هو الأول ولا الأخير من الإيرادات القوية التي تهرب منها، فإن له نظائر أخرى أيضاً.

بل نستطيع أن نقول:

إن هذا المؤلف قد حاول أن يشغل القارىء بأمور جانبية، وخارجة عن الموضوع الأساس ليبعده عن التفكير بهدوء في نفس القصة موضع البحث.

كما أنه قد حاول أن يتمسك بأمور ومؤاخذات وإيرادات صغيرة، استطاع أن يسجلها على باحثين لم يهتموا بالتدقيق في الرواية التي هي موضع البحث. ثم هو قد ضخم هذه المؤاخذات الصغيرة، وأطال، وأطنب فيها، واستعمل مختلف الألفاظ الخشنة أحياناً، والمعسولة أحياناً أخرى للحط من شأن العلماء، والطعن في أساطين الفكر، وخَدَمةِ الشريعة ليغطي بذلك على هروبه من مواجهة الإشكالات القوية والحقيقية من قبيل الإشكال في أصل ثبوت الأولاد للإمام الحجة (عليه السلام).

ونحن بالنسبة لهذا الموضوع بالذات أعني موضوع ثبوت الأولاد له (عليه السلام) نقول:

إن ذلك موضع شك وريب أيضاً فإن بعض الأخبار وإن كان ظاهرها ذلك، ولكن العلماء من أمثال المفيد، والبياضي، والطبرسي، لم يرتضوا ذلك، بالإضافة إلى بعض الروايات المصرحة بعدمه كما سيأتي.

ونحن نذكر أولاً ما يمكن أن يستدل به على وجود أولاد له (عليه السلام) فنوجز ذلك على النحو التالي:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 69/

روايات الأولاد له (عليه السلام) لا تصح ولا تدل:

إن ظاهر بعض الأخبار: يدل على ثبوت الأولاد له (عليه السلام)، وهي ـ فيما نعلم ـ الروايات التالية:

رواية الشيخ الطوسي، بسنده عن المفضل بن عمر، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، والتي يقول فيها:

«لا يطلع على موضعه أحد من ولده ولا غيره، إلا المولى الذي يلي أمره»(1).

والاستدلال بهذه الرواية لا يصح وذلك لما يلي:

أولاً: إن النعماني قد روى نفس هذه الرواية، ولكنها قالت: «لا يطلع على موضعه أحد من ولي، ولا غيره»(2).

فمع اتحاد الروايتين عند الطوسي والنعماني، ووجود هذا الاختلاف فيما هو محل الشاهد، فإن الرواية تسقط عن صلاحية الاستدلال بها(3).

وثانياً: قد يقال بحصول تحريف في خصوص رواية الشيخ الطوسي، (رحمه الله) تعالى حيث قد استعمل فيها ضمير المفرد محل ضمير الجمع فقال: «من ولده ولا غيره».

مع أن الصحيح هو أن يقول: «ولا غيرهم» إلا أن تكون الهاء في كلمة «ولده» قد زيدت من النساخ.

ـــــــــــــــ

(1) الغيبة للشيخ الطوسي ص 102 والأخبار الدخلية ج 1 ص 150 عنه وتاريخ الغيبة الكبرى ص 69 وعن النجم الثاقب ص 224.

(2) الغيبة للنعماني ص 172 والأخبار الدخلية ج 1 ص 150 وتاريخ الغيبة الكبرى ص 69.

(3) راجع: الأخبار الدخلية ج 1 ص 150 وتاريخ الغيبة الكبرى ص 70.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 70/

أو يقال: إن المقصود الإشارة إلى أنه ليس للإمام المهدي (عليه السلام) سوى ولد واحد.

أو يقال: قد قصد فيه جنس الولد وأعيد الضمير إليه مفرداً لمراعاة لفظه.

وثالثاً: لو سلمنا فإننا نقول: ليس في الرواية ما يدل على زمان وجود الأولاد له (عليه السلام)، فقد يولدون له (عليه السلام) بعد قرون من الزمن. مع التأكيد على أن مجرد دعوى البنوة له (عليه السلام) من البعض لا تكفي للتصديق بها.

2 ـ رواية «الجزيرة الخضراء»، التي هي موضع البحث(1).

وقد قدمنا ما يكفي لإسقاطها عن درجة الاعتبار، وعن صلاحية الاعتماد.

3 ـ رواية المدائن الخمس التي رواها أحمد بن محمد بن يحيى الأنباري(2).

وقد ضعفها العلماء وردوها بصورة قوية وحاسمة، فلتراجع كلماتهم رضوان الله تعالى عليهم(3).

4 ـ ما رواه ابن طاووس عن الإمام الرضا (عليه السلام) في الصلاة على

ـــــــــــــــ

(1) تاريخ الغيبة الكبرى ص 69.

(2) المصدر السابق والرواية موجودة في البحار ج 53 ص 213/221 والصراط المستقيم ج2 ص264/266 والأنوار النعمانية ج 2 ص 59/64 وراجع: الأخبار الدخلية ج 1 ص 140/145 وراجع: تاريخ الغيبة الكبرى ص 69/77/80/83 عن النجم الثاقب ص 217 وقد اشار إليها ـ فيما يظهر ـ في جمال الأسبوع ص 512.

(3) راجع: الذريعة ج 5 ص 107/108 [الهامش] والأخبار الدخلية ج1 ص 152/146 وهامش كتاب الأنوار النعمانية ج2 ص69/64.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 71/

الإمام المهدي (عليه السلام)، فقد وردت العبارات التالية:

«اللهم أعطه في نفسه، وأهله وولده وذريته، وجميع رعيته ما تقر به عينه، وتسرّ به نفسه، وتجمع له ملك المملكات كلها، قريبها وبعيدها، وعزيزها وذليلها، حتى يجري حكمه على كل حكم، ويغلب بحقه على كل باطل الخ»(1).

ونقول:

أولاً: إن سند هذه الرواية لا يصح الاعتماد عليه.

ثانياً: إن غاية ما يدل عليه هذا الدعاء الذي صدر عن الإمام الرضا (عليه السلام) قبل ولادة الإمام المهدي (عليه السلام) بأكثر من نصف قرن: أنه سيكون ثمة مهدي للأمة، وأنه سوف يولد له أولاد.

وليس فيه ما يدل على زمان ولادة أولئك الأولاد، فقد يولدون له في أول عمره، وقد يولدون له بعد قرون من الزمن، وربما بعد ظهوره (عليه السلام)، كما ربما يفهم من سياق الكلام الناظر في الأكثر إلى عصر ظهوره، وقيام دولته (عليه السلام).

5 ـ ما ذكره ابن طاووس من أنه قد روي عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنه قال: «اللهم صل على ولاة عهده، والأئمة من ولده»(2).

ولكن هذه الرواية أيضاً، لا يمكن الاعتماد عليها.

أولاً: لضعف أسنادها.

ـــــــــــــــ

(1) جمال الأسبوع ص 510/516.

(2) جمال الأسبوع ص 512.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 72/

وثانياً: لأن هناك نصاً آخر للرواية يقول: «اللهم صل على ولاة عهده والأئمة من بعده» بتصريح ابن طاووس نفسه(1).

فمع هذا الاختلاف فيما هو محل الشاهد، فإن الرواية تسقط عن صلاحية الاستدلال بها، كما لا يخفى.

ثالثاً: لو سلمنا صحة الرواية فليس في الرواية دلالة على زمان ولادتهم له(عليه السلام).

6 ـ قد ورد ذكر الأئمة من ولده وذريته أيضاً في توقيع كان مع إنسان يزعم أنه قد أرسل إلى رجل يقال له القاسم بن العلاء وقد تعرف ذلك الرجل على امرأة عجوز سمراء، مجهولة الهوية، تدعي أنها على اطلاع على أمور كهذه، فعرض التوقيع عليها طالباً منها تأييده أو تفنيده، فأيدته له(2).

فترى: أن هذه كلها مجموعة مجاهيل، لا يمكن الاستناد إليهم، ولا الاعتماد عليهم في شيء.

بالإضافة إلى أن ذلك لا يدل على فعلية وجود الولد له (عليه السلام) كما قلنا.

وبعد ما تقدم نقول:

أدلة عدم وجود الأولاد للإمام (عليه السلام):

فالروايات الآنفة الذكر جميعها إذن ليست صالحة للدلالة على وجود أولاد له (عليه السلام) بالفعل.

ـــــــــــــــ

(1) جمال الأسبوع ص 512.

(2) راجع جمال الأسبوع ص494/504.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 73/

وهذا يؤيد صحة ما ذهب إليه الشيخ المفيد، والبياضي والطبرسي، وغيرهم رحمهم الله تعالى ومما يدل عليه بالإضافة إلى ذلك، ما يلي:

أولاً: روى المسعودي: أن علي بن أبي حمزة وابن السراج، وابن أبي سعيد المكاري دخلوا على الإمام الرضا (عليه السلام)، فقال له علي بن أبي حمزة:

روينا عن آبائك… إلى أن قال:

«فإنا روينا: أن الإمام لا يمضي حتى يرى عقبه؟

فقال له الرضا: أما رويتم في هذا الحديث بعينه: إلا القائم.

قالوا: لا.

قال الرضا: بلى قد رويتموه. وأنتم لا تدرون لم قيل، ولا ما معناه.

قال ابن أبي حمزة: إن هذا لفي الحديث.

فقال له الرضا: ويحك، تجرأت على أن تحتج علي بشيء تدمج بعضه بعضاً؟

ثم قال: إن الله تعالى سيريني عقبي»(1).

ثانياً: عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري عن أبيه، عن علي بن سليمان بن رشيد، عن الحسن بن علي الخزاز، قال:

«دخل علي بن أبي حمزة على أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، فقال له:

أنت إمام؟.

قال: نعم..

ـــــــــــــــ

(1) إثبات الوصية ص 201.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 74/

فقال له: إني سمعت جدك جعفر بن محمد (عليه السلام)، يقول: لا يكون الإمام إلا وله عقب.

فقال: أنسيت يا شيخ، أو تناسيت، ليس هكذا قال جعفر، إنما قال جعفر:

لا يكون الإمام إلا وله عقب، إلا الإمام الذي يخرج عليه الحسين بن علي (عليه السلام)، فإنه لا عقب له.

فقال له: صدقت، جعلت فداك، هكذا سمعت جدك يقول»(1).

وواضح: أن المقصود هو الإشارة إلى رجوع الإمام الحسين (عليه السلام) وخروجه من قبره في عهد الإمام المهدي (عليه السلام).

«لما روي سابقاً في أحاديث كثيرة من رجعة الحسين (عليه السلام) عند وفاة المهدي ليغسله»(2).

وثالثاً: وأما ما يذكر من أنه سيكون لأولاد المهدي (عليه السلام) دولة من بعده، فإنه أيضاً موضع شك وريب فقد قال المفيد (رحمه الله):

«وليس بعد دولة القائم (عليه السلام) لأحد دولة إلا ما جاءت به الرواية من قيام ولده إن شاء الله ذلك(3) ولم يرد به على القطع والثبات. وأكثر الروايات: لن يمضي مهدي الأمة إلا قبل القيامة بأربعين يوماً يكون فيها الفرج(4)، وعلامات

ـــــــــــــــ

(1) الغيبة للطوسي ص 134 /135 ودلائل الإمامة للطبري ص130/131 والإيقاظ من الهجعة ص 354/355.

(2) الإيقاظ من الهجعة ص 404 وراجع بعض الروايات في ص 306 و 310 أيضاً.

(3) لعل الصحيح: بذلك.

(4) عبارة البحار عن الإرشاد: الهرج. وكذا عبارة الطبرسي والبياضي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 75/

خروج الأموات، وقيام الساعة للحساب»(1).

وعبارة الطبرسي قريبة من عبارة المفيد، إلا أنه قال:

«وجاءت الرواية الصحيحة بأنه ليس بعد دولة القائم دولة لأحد الخ..»(2).

وقال البياضي بعد أن وصف الرواية الواردة عن ابن عباس وأنس، وظاهرها بأنه سيكون بعد المهدي دولة، بأنها شاذة: «وأكثر الروايات أنه لن يمضي إلا قبل يوم القيامة بأربعين يوماً، يكون فيها الهرج، وعلامة خروج الأموات للحساب»(3).

وبعد أن ذكر البياضي (رحمه الله) الرواية التي تقول: إنه سيكون بعد الأئمة الاثني عشر اثناعشر مهدياً قال:

«قلت: الرواية بالإثني عشر بعد الاثني عشر شاذة، ومخالفة للروايات الصحيحة، والمتواترة الشهيرة، بأنه ليس بعد القائم دولة، وأنه لن يمضي من الدنيا إلا أربعين يوماً فيها الهرج، وعلامة خروج الأموات، وقيام الساعة..»(4).

وأما بالنسبة لروايات الأربعين يوما، المشار إليها آنفاً، فقد قال الحر العاملي عنها:

«أقول: أما حديث وفاة الإمام المهدي (عليه السلام) قبل القيامة بأربعين

ـــــــــــــــ

(1) الإرشاد ص 366 [الصفحة الأخيرة] والبحار ج 53 ص 145 عنه وأشار إليه في الإيقاظ من الهجعة ص 397.

(2) إعلام الورى ص 466.

(3) الصراط المستقيم ج 2 ص 254 وعنه في الإيقاظ من الهجعة ص 397.

(4) الصراط المستقيم ج 2 ص 152.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 76/

يوماً، فقد ورد من طرق متعددة لا تحضرني الآن»(1).

ويمكن أن يكون المقصود هو الروايات التي تقول: إن الأرض لا تخلو من حجة ولا ينقطع الحجة من الأرض إلا أربعين يوماً قبل القيامة(2).

ويمكن تأييد ذلك بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: يكون بعدي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش.

فسئل: ثم يكون ماذا؟.

قال: ثم يكون الهرج(3).

ويظهر أن هذا الأمر قد كان من اعتقادات الشيعة بصورة عامة، فقد روي عن عبد الله بن جعفر الحميري، قال:

اجتمعت أنا والشيخ أبا عمرو (رحمه الله) عند أحمد بن إسحاق. فغمزني أحمد بن إسحاق أن أسأله عن الخلف، فقلت له:

يا أبا عمرو، إني أريد أن أسألك عن شيء، وما أنا بشاك فيما أريد أن أسألك عنه، فإن اعتقادي وديني: أن الأرض لا تخلو من حجة إلا إذا كان قبل يوم القيامة بأربعين يوما، فإذا كان ذلك رفعت الحجة، وأغلق باب التوبة الخ..(4).

ـــــــــــــــ

(1) إعلام الورى ص 466.

(2) راجع: كمال الدين ج 1 ص 229 والمحاسن للبرقي ص 236 والإيقاظ من الهجعة ص 296 عن الأول.

(3) الخصال ج 2 ص 470 /471 /472 وراجع ص 474 وراجع: الإيقاظ من الهجعة ص 395.

(4) الكافي ج 1 ص 265 والإيقاظ من الهجعة ص 392.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 77/

والمقصود بالحجة هو الإمام، كما يظهر من سياق الرواية، وكما يظهر من الروايات الأخرى، تقول: «إن الأرض لا تخلو من حجة»(1).

ومما يدل على عدم وجود دولة بعد المهدي ما ورد أنه لو بقي اثنان على وجه الأرض لكان أحدهما الإمام(2).

وبعد كل ما تقدم: فإننا لا نستطيع أن نؤكد صحة ما يقال: من أن للإمام (عليه السلام) أولاداً في «الجزيرة الخضراء»، أو في غيرها، ولا أن نطمئن إلى الروايات «التي وصفت بالشذوذ» التي تقول: إن له أولاداً سيحكمون من بعده.

وشكنا بوجود الولد له قبل الظهور يستند إلى الروايتين اللتين ذكرناهما تحت عنوان: أولاً وثانياً.

وشكنا في هذا الأخير يستند إلى هذا الذي ذكرناه ثالثاً وأخيراً.. لا سيما مع وجود النفي القاطع من هؤلاء الأعلام، وقولهم: إنه توجد روايات صحيحة تدل على ذلك.

وحسبنا ما ذكرناه حول هذا الأمر، والحمد لله أولاً وآخراً، وباطناً وظاهراً.

أمور تلفت النظر:

وقبل أن ندخل في بقية ما يرد على هذه الرواية نشير إلى أمور وهي:

ـــــــــــــــ

(1) راجع على سبيل المثال: البحار ج 23 ص 56 باب الاضطرار إلى الحجة، وراجع المصادر التي نقل عنها.

(2) راجع المصدر السابق.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 78/

1ـ الدراهم الخارجة من الجزيرة:

لقد نصت رواية البحراني على أن السيد شمس الدين قد قال لعلي بن فاضل: «إن هذه الجزيرة لا يدخل إليها درهم، ولا يخرج منها درهم».

ولكن رواية المجلسي قد ذكرت: أن السيد شمس الدين قد أعطى علي بن فاضل خمسة دراهم من دراهمهم، فهي محفوظة عنده للبركة.

فكيف خرجت هذه الدراهم الخمسة من تلك الجزيرة يا ترى.

ولماذا لم يطلبها الطيبي والحاضرون من العلماء وغيرهم من الذين استمعوا لعلي بن فاضل وهو يروي لهم ذلك، لماذا لم يطلبوها منه لرؤيتها، والتبرك بها، لمساً وتقبيلاً و.. و.. الخ..

وماذا كان مصير هذه الدراهم بعد موت علي بن فاضل، وإلى من صارت؟.

فهل المقصود إضافة فضيلة جديدة لعلي بن فاضل، حيث خولف القرار المتخذ حول الدراهم لأجله، ولأجله فقط.

2ـ آخر ما سمعه الطيبي:

وتنص رواية المجلسي: على أن الطيبي بعد ذكره لعلماء الإمامية، الذين سمع بذكرهم في الجزيرة، قال: «هذا آخر ما سمعته من الشيخ الصالح التقي.. الخ».

ولكننا نجد في رواية البحراني عدة أسطر أخرى ذكرها بعد ذلك، تضمنت سؤال علي بن فاضل للسيد شمس الدين عن سبب تفريقه بين الظهرين، وجواب السيد له.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 79/

ثم إنه ذكر تاريخ رؤيته للسيد شمس الدين، وكم مضى عليها من السنين الى ذلك الوقت، وهي أشياء لم تذكر في رواية المجلسي (رحمه الله).

ومعنى ذلك: أن أسماء علماء الإمامية لم تكن هي آخر ما سمعه الطيبي من علي بن فاضل.

3ـ المسافة بين بلاد المغرب والجزيرة:

وقد ذكرت الرواية: أن المسافة بين «جزيرة الرافضة» و «الجزيرة الخضراء» قد قطعت في مدة خمسة وعشرين يوماً.

بل في رواية القاضي التستري: أنها قد قطعت في مدة خمسة عشر يوماً فقط.

فإذا قبلنا بما يدعيه البعض: من انطباق «الجزيرة الخضراء» على الجزيرة التي في «مثلث برمودا»، فإن المسافة التي بين بلاد المغرب، وبين هذا المثلث، تزيد كثيراً على الخمسة آلاف كيلومتراً.

فإذا أخذنا بنظر الاعتبار: أن السفن في القرن السابع لم تكن تسير بالمحركات الآلية، وإنما كانت شراعية، تعتمد على هبوب الريح، وعلى كون هبوبها موافقاً للاتجاه المطلوب.

وعرفنا: أن الريح قد تتوقف أحياناً، وقد تهب في غير الاتجاه المطلوب أحياناً أخرى، بل إن الريح الآتية من جهة الشرق ـ والتي هي المطلوبة في دفع السفن إلى الغرب ـ هذه الريح إنما تهب في أيام معدودة ومحدودة خلال السنة..

نعم، إذا عرفنا ذلك كله، فإنه يصبح من الصعوبة بمكان تحصيل القناعة بقطع كل تلك المسافات الشاسعة جداً في أشهر فضلاً عن أيام قلائل، خمسة عشر يوماً مثلاً، بل وحتى خمسة وعشرين يوماً أيضاً.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 80/

تحديد موقع الجزيرة والمثلث:

وقد حاول البعض أن يدعي: أن «الجزيرة الخضراء» تقع في المحيط الأطلسي، حيث يقع «مثلث برمودا» أيضاً.

وعمدة ما استدل به على ذلك: أن علي بن فاضل، وهو في جزيرة الرافضة قد خرج إلى حيث يقع المسجد في جهة الغرب على ساحل البحر، فنظر إلى جهة الغرب، فرأى المراكب القادمة من «الجزيرة الخضراء» إذ لو كان في البحر الأبيض المتوسط لوجب أن يكون المسجد في الجهة الشمالية أو الشمالية الشرقية لا في جهة الغرب لأن البحر لا يقع إلى جهة الغرب بل إلى الجهة الشمالية، والشمالية الشرقية، كما أن مجيء المراكب من جهة المغرب يشير إلى أنه كان على ساحل المحيط الأطلسي لأن البحر الأبيض ليس في جهة الغرب من بلاد البربر.

ومهما يكن من أمر فإن هذا الرجل قد حاول بكل ما أوتي من قوة وحول إثبات كون الجزيرة في المحيط الأطلسي لا في المتوسط.

ونقول:

إن الرواية قد صرحت بأن البلدة التي يقيم بها الرافضة إنما كانت جزيرة في البحر أيضاً. والجزيرة تكون عادة محاطة بالمياه فقد يكون المسجد في غربي الجزيرة، وقريباً من البحر، وينظر علي بن فاضل إلى جهة الغرب من البحرالمتوسط، وهي جهة مضيق جبل طارق، فيجد المراكب قادمة من ذلك المضيق إلى المتوسط. ولا يضر في ذلك إطلاقاً.

بل يكفي أن يكون الرافضة في شبه جزيرة تكون محاطة بالمياه من

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 81/

ثلاثة جوانب(1).

نعم، لو كانت مدينة الرافضة تقع على ساحل البحر، لكان المسجد القريب من البحر، إلى الجهة الشمالية، ولكان قوله صحيحاً.

ولكن هذا الفرض يخالف ما نصت عليه الرواية، من كونهم يعيشون في جزيرة، كما هو ظاهر.

وبذلك يتضح: أن قول الرواية: إن مجيء الميرة إلى البلد قد كان من جهة الغرب، لا يصلح دليلاً على كون الجزيرة في المحيط الأطلسي، فضلاً عن أن يكون من أكبر الأدلة كما زعم ذلك البعض.

إذ قد قلنا: إن كونها جزيرة معناه أنها محاطة بمياه البحر فيمكن أن يخرج الرجل إلى جهة الغرب حيث البحر، ثم ينظر باتجاه مضيق جبل طارق، وتأتي المراكب من تلك الجهة، كما قلنا.

ـــــــــــــــ

(1) كما قد يشير إليه قوله: «وتلك الجزيرة بحصونها راكبة على شاطىء البحر».

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 82/

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 83/

الفصل الرابع:
مثلث برمودا والجزيرة الخضراء.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 84/

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 85/

بداية:

قد عرفنا فيما سبق: أن حديث «الجزيرة الخضراء» لا يصح سنداً، ولا متناً، ولا مجال للقبول به، ولا الاعتماد عليه بوجه.

وقد تقدمت في أوائل الفصل السابق، وأواخره بعض الإشارات أيضاً إلى عدم صحة ما يقال من وجود صلة بين «الجزيرة الخضراء» و «مثلث برمودا» ورغم ميل البعض إلى وجود الجزيرة في نفس منطقة المثلث. مستعيناً ببعض الشواهد لإثبات هذه الصلة، وتصحيحها.

وقد رأينا قبل أن نغلق ملف الجزيرة: أن نسجل ملاحظات يسيرة وعابرة حول مدى دلالة الشواهد على تلك الصلة دون محاولة لاستقصاء ذلك.

وكذلك دون الإفاضة في البحث تأييداً أو تفنيداً حول مدى صحتها ودلالة الشواهد نفسها على وجود حالة غير عادية في منطقة المثلث، مع أننا نعتقد: أن أكثرها لا يصلح لذلك.

فنقول:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 86/

الجزيرة الخضراء، ومثلث برمودا:

قد يروق للبعض أن يدعي: أن عدم إمكان تصحيح السند لأي سبب كان لا يعني: أن هذه الرواية يمكن رفضها، وتجاهلها، وذلك لأن الواقع الراهن يصدقها ويؤكد صحتها، حيث إن المثلث المعروف بـ «مثلث برمودا»، قد أصبح لغزاً عجيباً ومحيراً للعلماء، حيث حصلت فيه حوادث لا يمكن تفسيرها على وجه معقول، إلا على أساس ما ورد في رواية «الجزيرة الخضراء».

ففي هذا المثلث ـ كما يروي لنا بعض المؤلفين عن مصادره ـ تفقد السفن والطائرات، ويموت ركابها، وتتوقف الأجهزة، و.. و.. الخ.

وبمقارنة أجراها بين ما يذكر عن هذه الجزيرة، وعن ذلك المثلث، وجد البعض أن ثمة وجوه شبه فيما بينهما تقرب انطباق أحدهما على الآخر، فقد ورد في كل منهما اسم «جزيرة» وورد في كل منهما القول بأن البحر تغير وصار أبيضاً. وهذان الأمران هما السبب في تأكيد ذلك البعض على سبيل الاحتمال تارة وعلى سبيل الجزم أخرى على أن «الجزيرة الخضراء» هي نفس «مثلث برمودا».

ونقول:

إننا نسجل هنا ما يلي:

أولاً: إن مجرد وصفها بـ «الجزيرة» ووجود جزيرة في «مثلث برمودا»، وكذا وجود ماء أبيض فيهما، لا يلازم كون هذا ذاك، ولا العكس.

وثانياً: إن وجود «مثلث برمودا» ـ لو صح ـ فإنه لا يصلح دليلا على صحة حديث «الجزيرة الخضراء»، إذ من الممكن أن يكون بعض أهل المناطق قد اكتشف أمر منطقة المثلث، وبلغ هذا الأمر هذا الرجل، فصاغ قصة خيالية

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 87/

بالشكل الذي ينسجم مع ما عرفوه واكتشفوه عن هذا المثلث الغريب العجيب.

فدعوى: أن هذا الاكتشاف يؤيد صحة تلك الرواية. لا تخلو عن مجازفة ظاهرة.

بل إن نفس بعض الذين يريدون التأكيد على صحة الرواية بواسطة ظهور أمر المثلث، قد ذكروا روايات عنه يرجع تاريخها إلى أكثر من مائة سنة.

فمن الذي قال: إن هذه الحوادث لم تكن تتكرر باستمرار بالنسبة للمئات من السفن التي كانت تجوب المحيط الأطلسي!.

ومن الذي قال: إن الناس ما كانوا على اطلاع تام على ما يجري وما يحدث لتلك السفن المنكوبة في تلك المنطقة!.

ثالثاً: لقد ذكرت الرواية: أن مراكب الأعداء إذا دخلت البحر الأبيض، فإنها تغرق وذلك ببركة مولانا صاحب العصر.

ولكن الأمر في «مثلث برمودا» ليس كذلك، فقد قال البعض كما ذكره ذلك المدعي نفسه:

«بينما في أحيان كثيرة يختفي الملاحون والمسافرون أو الملاحون فقط. وتعود السفن أو البواخر، وهي خاوية على عروشها، دون أي أثر لعنف، أو قرصنة، أو مشاكل.

وكانت السفن في بعض الأحيان تعود، ولكن الملاحين ميتون. وقد بدت على وجوههم آثار الرعب والموت، خوفاً من منظر مروع تعرضوا له.

في حين مرت بعض السفن والطائرات من منطقة المثلث، ولم تتعرض لأي سوء أو مكروه، وأخرى مرت وكادت أن تقع في كارثة مروعة لولا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 88/

صدور الأوامر من المثلث بالعفو عنها، وإطلاق سراحها في اللحظات الأخيرة»(1) انتهى..

ثم ذكر أمثلة لكل ما ذكره، أكثرها مأخوذ من مجلة كذا أو جريدة كذا، أو من الإذاعة الفلانية، وهكذا. أو من كتاب «تشارلز بيرلتز».

ونقول:

يتضح من النص المتقدم وأمثلته: أن بعض السفن التي للأعداء، لا تغرق، وإنما ترجع فارغة، أو يموت أصحابها فيها، بل بعضها ترجع سالمة ببركة العفو عنها.

وهذا يشير إلى عدم صحة ما ذكره ذلك الرجل، من أن سفن الأعداء تغرق ببركة مولانا صاحب العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف.

فهذه سفن أعدائهم لا تغرق في بعض الأحيان.

والطريف في الأمر: أن بعض من يحاول تطبيق حديث الجزيرة على المثلث قد أشار في بحثه إلى موضوع غرق بعض السفن دون بعض، وهو ما ينطبق ـ كما يرى ـ على حديث «الجزيرة الخضراء».

ولكنه لم يشر إلى موت الناس في السفن، ولا إلى عودتها سالمة أحياناً وليس فيها أحد، رغم أنه هو نفسه قد ذكر العبارة الآنفة الذكر، وذكر لها الشواهد أيضاً.

ـــــــــــــــ

(1) الجزيرة الخضراء ص 32.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 89/

سلامة السفن والطائرات في المثلث:

ونلاحظ هنا: أن مئات السفن أو الطائرات تمر في المثلث وتجوبه طولاً وعرضاً، ولا يحدث لها أي شيء على الإطلاق.

فإن السفن أو الطائرات التي كانت تتعرض لحادث في المثلث كان يعقبها عمليات بحث واسعة ودقيقة جداً، يشارك فيها أحياناً مئات الطائرات، ومئات السفن، المدنية والحربية على حد سواء.

بل لقد جرت عمليات مسح دقيق ومستوعب، لخمسين ألف ميل مرة، ولمائة ألف ميل، مرة أخرى، ولثلاث مائة ألف ميل مرة ثالثة في منطقة وقوع الحادث.

وأحياناً تقوم سبعون طائرة جناحاً بجناح بعملية البحث والمسح هذه.ولم يغرق من كل ذلك شيء على الإطلاق.

وقد تم العثور في أحيان كثيرة على حطام ما يعتقد أنه المفقود.

وقد نشرت وسائل الإعلام في أستراليا في العام الماضي: أنباء انتشال بعض حطام ما فقد مؤخراً.

وهذه قائمة بما ذكره بعض المؤلفين من حوادث جرت فيها عمليات البحث في منطقة الحدث في قلب «مثلث برمودا»، ولم يغرق شيء من السفن أو الطائرات الباحثة.

وهي التالية:

1 ـ البحث عن الباخرة التي غرقت سنة 1872 م.

2 ـ البحث عن الطائرة التي فقدت سنة 1949 م.

3 ـ البحث عن الطائرة التي فقدت سنة 1949 م. قرب ميامي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 90/

4 ـ البحث عن سفينة سنة 1962 م.

5 ـ البحث عن الطائرتين اللتين انفجرتا سنة 1963 م.

6 ـ البحث عن الطراد البريطاني سنة 1880 م.

7 ـ البحث عن باخرة سنة 1924 م.

8 ـ البحث عن طائرة سنة 1800 م.

9 ـ البحث عن طائرة سنة 1947 م.

10 ـ البحث عن طائرة سنة 1948 م.

11 ـ البحث عن سفينة سنة 1951 م.

12 ـ البحث عن طائرة سنة 1954 م.

13 ـ البحث عن ناقلة سنة 1963 م.

14 ـ البحث عن طائرة سنة 1965 م.

15 ـ البحث عن طراد سنة 1967 م.

16 ـ ناقلة نفط انفجرت، وقتل تسعة من بحارتها، فانتشلت زوارق نجاة تابعة لسفن سويدية الاثني عشر بحاراً الباقين.

ونذكر القارىء العزيز هنا بأن الأمثلة التي نسوقها إنما هي نفس الشواهد التي استشهد بها بعض من يرى إمكانية انطباق «مثلث برمودا» على حكاية «الجزيرة الخضراء»، وإن كنا نرى أنها غير تامة الدلالة من الأساس.

لجنة باحثة في منطقة المثلث:

وقد أظهرت إحدى الصور التي بثتها بعض الأقمار الصناعية صورة تظهر وجود قطعة من اليابسة وسط منطقة المثلث.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 91/

وبما أن من المستحيل أن يكون في تلك المياه، وتلك المنطقة قطعة يابسة فقد توجهت بعثة من الباحثين للكشف عن الكتلة في منطقة برمودا، إلا أنهم لم يجدوا سوى صمت الرياح، وتلاطم الأمواج.

فهؤلاء الباحثون يدخلون إذن إلى منطقة المثلث، ولا يغرقون، ولا يجدون شيئاً غير الرياح، والأمواج.

مناطق أخرى يدعى خطورتها:

هناك أماكن أخرى، يزعمون أنها ـ على حد تعبيرهم ـ تكاد تكون أشد خطورة من المثلث، مثل المنطقة التي قرب اليابان، وتعرف باسم «بحر الشيطان» وكذا المنطقة التي تقع قرب ماليزيا، ويطلق عليها أيضاً اسم: «بحر الشيطان»!!.

ومناطق أخرى أيضاً.. تقع فيها جميعاً حوادث شبيهة في غموضها، وعدم معقوليتها بما يذكرونه عن «مثلث برمودا»، مثل موت جميع من في البواخر، أو اختفائهم مع الآلة السدسية، وبقاء الأثاث مرتباً بعناية.. الخ.

وقد عثر على ما يعتقد أنه حطام بعض ما فقد.أو نحو ذلك.

فهل توجد أيضاً في تلك المناطق جزيرة خضراء ثانية، وثالثة.

هذا.. والأسئلة التي ألمحنا إلى بعضها فيما يرتبط بمنطقة المثلث آتية بعينها بالنسبة لغيره أيضاً.

البحث عن المفقود في منطقة الحدث:

وكما هو الحال في «مثلث برمودا»، فإنه يجري البحث عن ما يفقد في بحري الشيطان (!!) قرب اليابان وقرب ماليزيا، وفي غيرهما.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 92/

ولكن لا يحدث شيء للسفن ولا للطائرات الباحثة، ونذكر من ذلك الحوادث التالية:

1 ـ البحث عن باخرة غرقت في بحر الشيطان قرب ماليزيا سنة 1948م.

2 ـ البحث عن باخرة غرقت قرب جزيرة فيجي سنة 1955 م.

3 ـ البحث عن سفينة شمال غربي إسبانيا سنة 1981 م.

4 ـ البحث عن غواصة سنة 1968 م. على بعد 460 ميلاً جنوب شرقي جزر الآزور في المحيط الأطلسي.

5 ـ البحث عن سفينة سنة 1976 م.

ونلاحظ كما لاحظنا سابقاً أننا إنما نأتي بنفس الشواهد التي استدل بها بعض من يرى: إمكان تطبيق رواية الجزيرة على «مثلث برمودا». وإن كنا نرى أن هذه الشواهد لا تكفي للدلالة على ذلك.

توضيحات:

وقد يكون من المفيد هنا التذكير بما يلي:

ألف: إن عدداً كبيراً من الحوادث المزعومة للطائرات أو للسفن، إنما هو للحربية منها أو للغواصات.

وقد صرحت بعض الموارد بوجود شخصية عسكرية كبيرة على متن الطائرة. كما في الطائرة التي فقدت سنة 1948 م.

ب: قد ذكر في بعض الحوادث أن السبب فيما حدث هو رداءة الطقس. وقد انقطع حبل أحد زوارق الإنقاذ، وانفصل عن السفينة، ولم يغرق. وذلك

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 93/

في الحادثة التي كانت سنة 1951 م.

ج: بعض الحوادث عُلِّقَ عليها بعد عملية البحث بـ «احتمال وجود عمل تخريبي موجه ضد الطائرة».

د: هناك طيار أمريكي محترف، يتمتع بوضع أمني جيد من قبل الحكومة الأمريكية، له خبرة في مجال الطيران كبيرة. ويعمل في ميامي يدعي أنه قد تعرض للخطر الغامض في سنة 1964 م. في «مثلث برمودا» ونجا بأعجوبة.

يقول: إنه لم يكن يعرف شيئاً قبل تلك الحادثة عن «مثلث برمودا».

وهذا عجيب حقاً من رجل له تلكم المواصفات، ويعيش قرب منطقة المثلث، ويعمل طياراً، ويتمتع بوضع أمني جيد، ومجرب، ومحترف. ثم هو لا يعرف شيئاً عن منطقة المثلث، التي شهرتها ـ في حوادثها الغامضة ـ قد سارت في الآفاق، حسبما يدعون!!.

هـ: يقول العالم الكندي «دافيد كوش» الذي نشر كتاباً عن سر «مثلث برمودا»:

إن قصص المثلث ما هي إلا خرافات. وسبب الحوادث يرجع إلى كثرة تردد البواخر والطائرات في هذه المنطقة.

ويعتمد كوش على الوثائق التي نشرتها الدوائر الأمريكية التي أثبتت عدة مرات: أن تقلبات الجو في هذه المنطقة هي التفسير الوحيد لذلك(1).

ويقول العالم السوفياتي «ليونيد برايكوفسكي»: «إن موضوع الغموض بأكمله هو مجرد تكهن كاذب، روجت له الصحافة الرأسمالية»(2).

ـــــــــــــــ

(1) عن الوكالة الجديدة للصحافة. باريس. العدد 557 في 18/1/1978 م.

(2) عن جريدة: العراق. بغداد. العدد 240 في 6/12/1976 م.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 94/

و: يلاحظ أن بعض الوثائق تفقد مع خصوص الآلة السدسية وذلك في حادثتين من الحوادث التي استشهد بها بعض من يريد تطبيق قصة «الجزيرة الخضراء» على المثلث، وهما الحادثتان اللتان وقعتا في سنتي 1855 م. و 1872 م.

كما أن اختفاء الآلة السدسية، قد ذكر في عدة حوادث.

واختفى خصوص الأشخاص في عدة حوادث أخرى.

ووجد في البعض الآخر موتى عليهم آثار الرعب.

ولا ينحصر تفسير ذلك بدعوى وجود حالة غيبية خاصة بالمثلث أو ببحري الشيطان، أو غير ذلك.

فإن من الجائز أن يكون هناك نشاط مخابراتي يهدف إلى الوصول إلى بعض الوثائق، أو يهدف للتخلص من بعض الناس الذين لا يُرغَبُ في بقائهم أحياء ـ وقد يكون من بينهم شخصيات عسكرية كبيرة، بطريقة التي لا تثير الشكوك.

وقد يكون ثمة عصابات تلاحق بعض الناس أو كلهم، وتعمل على إزهاق أرواحهم لأغراض مختلفة، شخصية أو غيرها.

وقد يكون هناك عمل تخريبي، قد استهدف بعض الطائرات أو السفن.

وقد تغرق بعض الطائرات بسبب خلل فني، أو تغيّر جوي مفاجىء.

وقد..وقد.

ز: أما التركيز على حالة الغموض، الذي يلف مصير سفينة أو طائرة تمنى بكارثة، فليس في محله، إذ إن ذلك أمر طبيعي بالنسبة لمركبة تجوب الفضاء، أوتطفو على الماء وحدها وتفصلها عن سائر الناس مسافات شاسعة، وآفاق واسعة حيث لا يمكن معرفة أي شيء عنها إلا من خلال ما ترسله من

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 95/

إشارات الخطر، وطلب النجدة. أو من خلال الناجين أنفسهم إن وجدوا، وحسبما يروق لهم. فالاستدلال بالغموض لا يجدي شيئاً في هذا المجال.

ح: ثم إن من الطبيعي أيضاً: أن تصدر عن الذين يواجهون خطر الموت صرخات استغاثة فيها تصوير للهول الذي يواجهونه، وهي تصدر بصورة عفوية عن إنسان يعيش حالة الرعب الأقصى، ويفقد حالة التوازن في شخصيته نتيجة لذلك.

ط: وأخيراً، فإننا نسجل هنا: أن قسماً كبيراً من الذين كانت تغرق سفنهم، أو تختفي طائراتهم، لم يأتوا إلى تلك المنطقة لأغراض عدوانية، وإنما هي طائرات أو ناقلات نفط أو ركاب، أو نحو ذلك. فلماذا تتعرض للغرق أو للاختفاء أو غير ذلك.

وبالنسبة لتلك التي يدعى: أنها قد تعرضت للخطر ثم نجت، لماذا تعرضت للخطر أولاً. ولماذا نجت أخيراً.

فإن كانت من الأعداء فلماذا نجت، ولم تغرق، كما غرقت السفن والطائرات التجارية الأخرى، وإن لم تكن فلماذا تعرضت للخطر.

وعلى كل حال، فإن الحديث في هذا المجال عريض وطويل ولعل فيما ذكرناه كفاية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 96/

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 97/

كلمة أخيرة:

وفي ختام هذا البحث الموجز نذكر القارىء بأن ما ذكر في هذا الكتاب من بحوث ومطالب، إنما أريد به أن يكون مدخلاً لبحوث أوسع وأتم وأوفى.

وعسى أن يكون ما ذكر في هذا الكتاب حول هذه الموضوعات حافزا لكثير من الباحثين لخوض غمار التجربة، والإقدام على معاناة البحث في كثير مما حفلت به كتب التاريخ والتراث مما اختلط فيه الصحيح بالسقيم، والسليم بالفاسد، خصوصاً إذا كان له مساس بأمور حساسة تلامس التكوين العقيدي والشعوري للإنسان المسلم، حيث يصبح التلاعب فيها، والتأثير عليها مدخلاً إلى المساس والتأثير عليه في رصيده المعنوي والشعوري، والعاطفي، ثم في تكوينه الفكري والعقيدي، الذي يتحكم بمجمل واقع هذا الإنسان، ويؤثر على مستقبله ومصيره.

والخلاصة:

أن السماح لكثير مما ربما يكون قد تعرض للتحريف أو للتزييف، ليحتل مكاناً مرموقاً، في مجال الفكر، أو الموقف والممارسة في حياة الإنسان المسلم، يعتبر مجازفة خطيرة، وتساهلاً قد يكون قاتلاً ومدمراً في أحيان كثيرة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/صفحة 98/

فلا بد إذن، من رصد حركة الفكر في مجاله العام وإقامة الحواجز أمام كل ما لم تنله يد التحقيق والتمحيص، ومنعه من أن يحتل مواقع حساسة في حياة الإنسان والأمة، حيث يصبح اقتلاعه من تلك المواقع سبباً في تخريب أو تشويه الكثير من معالمها، والتقليل من درجة ومستوى الاستفادة منها، بالقياس إلى حالها لو كانت سليمة وقوية، ومحتفظة بكل ما أريد لها أن تحتفظ به من عناصر القوة أو من عناصر الجمال والفتوة.

وفي الختام فإنني أسأل الله سبحانه أن يجعل عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم، ويجعل ثوابه لشهداء الإسلام الأبرار.

والحمد لله وصلاته وسلامه على عباده الذين اصطفى محمد وآله الطاهرين..

27 شوال سنة 1411 هـ. ق

جعفر مرتضى العاملي

طباعة  ||  أخبر صديقك  ||  إضافة تعليق  ||  التاريخ : 2014/02/06  ||  القرّاء : 19337










البحث في الموقع


  

جديد الموقع



 مسابقه کتابخوانی نبراس‌۱

 لحظات الهجوم الاول على دار الزهراء عليها السلام

 كربلاء فوق الشبهات

ملفات منوعة



 معنى البداء لغة واصطلاحا

 توضيح الواضحات من أشكل المشكلات.

 إسرائيل.. في آيات سورة بني إسرائيل.. تفسير ثمان آيات..

إحصاءات

  • الأقسام الرئيسية 12

  • الأقسام الفرعية 64

  • عدد المواضيع 696

  • التصفحات 6883131

  • المتواجدون الآن 1

  • التاريخ 19/03/2024 - 03:09





تصميم، برمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net