||   الموقع بإشرف السيد محمد مرتضى العاملي / پايگاه اينترنتى تحت اشرف سيد محمد مرتضى عاملي مي‌باشد   ||   الموقع باللغة الفارسية   ||   شرح وتفسير بعض الأحاديث..   ||   لقد تم افتتاح الموقع أمام الزوار الكرام بتاريخ: 28/جمادی الأولی/ 1435 هـ.ق 1393/01/10 هـ.ش 2014/03/30 م   ||   السلام عليكم ورحمة الله.. أهلاً وسهلا بكم في موقع سماحة السيد جعفر مرتضى العاملي.. نود إعلامكم أن الموقع قيد التحديث المستمر فترقبوا المزيد يومياً..   ||  



الصفحة الرئيسية

السيرة الذاتية

أخبار النشاطات والمتابعات

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

المؤلفات

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

الأسئلة والأجوبة

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

التوجيهات والإرشادات

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

الحوارات

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

النتاجات العلمية والفكرية

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

الدروس

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

الصور والتسجيلات

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

مركز نشر وترجمة المؤلفات

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

مختارات

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

مركز الطباعة والنشر

شريط الصور


  • ابن عربي سني متعصب غلاف
  • رد الشمس لعلي
  • سياسة الحرب غلاف
  • زواج المتعة
  • الولاية التشريعية
  • كربلا فوق الشبهات جديد
  • علي ويوشع
  • طريق الحق
  • توضيح الواضحات
  • دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام ط ايران
  • تخطيط المدن في الإسلام
  • تفسير سورة الماعون
  • تفسير سورة الكوثر (التاريخ العربي)
  • تفسير سورة هل أتى
  • تفسير سورة الناس(التاريخ العربي)
  • تفسير سورة الكوثر
  • تفسير سورة الفاتحة (التاريخ العربي)
  • السوق في ضل الدولة الإسلامية
  • سنابل المجد
  • سلمان الفارسي في مواجهة التحدي
  • الصحيح من سيرة الإمام علي ج 3
  • الصحيح من سيرة الإمام علي
  • صفوة الصحيح فارسي
  • رد الشمس لعلي
  • كربلاء فوق الشبهات
  • اكذوبتان حول الشريف الرضي
  • منطلقات البحث العلمي
  • مختصر مفيد
  • المقابلة بالمثل
  • ميزان الحق ط 1
  • ميزان الحق (موضوعي)
  • موقف الإمام علي (عليه السلام) في الحديبية
  • المراسم والمواسم _ إيراني
  • المواسم والمراسم
  • مقالات ودراسات
  • مأساة الزهراء غلاف
  • مأساة الزهراء مجلد
  • لماذا كتاب مأساة الزهراء (عليها السلام)؟!
  • لست بفوق أن أخطئ
  •  خسائر الحرب وتعويضاتها
  • علي عليه السلام والخوارج
  • ظاهرة القارونية
  • كربلاء فوق الشبهات
  • حقوق الحيوان
  • الحاخام المهزوم
  • الحياة السياسية للإمام الجواد
  • الحياة السياسية للإمام الحسن ع سيرة
  • الحياة السياسية للإمام الحسن ع
  • الحياة السياسية للإمام الحسن ع ايران
  • الحياة السياسية للإمام الرضا ع
  • إدارة الحرمين الشريفين
  • ابن عباس ـ ايران
  • ابن عربي سني متعصب
  • ابن عباس وأموال البصرة
  • دراسة في علامات الظهور مجلد
  • بلغة الآمل
  • براءة آدم (ع)
  • بنات النبي أم ربائبه غلاف
  • بنات النبي أم ربائبه
  • عرفت معنى الشفاعة
  • الصحيح1
  • الصحيح 2
  • الصحيح8
  • الجزيرة الخضراء
  • الجزيرة الخضراء
  • الصحيح
  • الغدير والمعارضون لبنان
  • الغدير والمعارضون
  • الأداب الطيبة المركز
  • الآداب الطبية في الإسلام
  • البنات ربائب
  • علامات الظهور
  • علامات الظهور قديم
  • أحيو امرنا
  • أهل البيت في آية التطهير
  • افلا تذكرون
  • ابوذر
  •  بنات النبي (صلى الله عليه وآله) أم ربائبه؟!
  • الإمام علي والنبي يوشع
  • براءة آدم (ع)
  • الغدير والمعارضون
  • الإمام علي والخوارج
  • منطلقات البحت العلمي
  • مأساة الزهراء عليها السلام

خدمات

  • الصفحة الرئيسية
  • أرشيف المواضيع
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • أضف الموقع للمفضلة
  • إتصل بنا





  • القسم الرئيسي : المؤلفات .

        • القسم الفرعي : الكتب .

              • الموضوع : إدارة الحرمين الشريفين في القرآن .

إدارة الحرمين الشريفين في القرآن

 إدارة الحرمين الشريفين في القرآن الكريم


بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد وآله الطاهرين، واللعنة على أعدائهم أجمعين، إلى قيام يوم الدّين.

وبعد..

بداية:

فإن الحديث عن ولاية الحرمين الشريفين وإدارة شؤونهما، لهو حديث طويل، ومتشعب، ومترامي الأطراف سواء من الناحية التاريخية، أو السياسية، أو التشريعية، أو غير ذلك..

ولكن ما يهمنا في بحثنا هذا، هو معالجة هذه المسألة من الناحية القرآنية، من أجل أن نتعرّف على نظرة القرآن إلى هذه القضية، وكيفية تعامله معها، مع الإلماح إلى بعض الركائز والمنطلقات التي اعتمدت عليها تلك النظرة، وعلى أساسها كان ذلك التعامل، فنقول:

إننا إذا رجعنا إلى كتاب الله الخالد، الذي لا ريب فيه، ولا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه.. فإننا نستخلص منه الحقائق التالية:

البلد النموذجي:

أنه تعالى حين اختبر البشرية، من لدن آدم، ببيته الحرام، الذي جعله للناس قياماً، قد وضعه، حسبما روي عن أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام.

"بأوعر بقاع الأرض حجراً، وأقل نتائق الدنيا مدراً، وأضيق بطون الأودية قطراً، بين جبال خشنة، وعيون وشلة، وقرى منقطعة، لا يزكو بها خف ولا حافر، ولا ظلف. ثم أمر آدم وولده أن يثنوا أعطافههم نحوه، فصار مثابة، لمنتجع أسفارهم، وغاية لملقى رحالهم، تهوي إليه الأفئدة من مغاور سحيقة الخ.."[1].

نعم.. ولقد أراد الله سبحانه لهذا البلد بالذات والذي يفقد أدنى مقومات الحياة: اقتصادياً، واجتماعياً، وثقافياً، وتربوياً الخ.. أراد له، أن يكون البلد النموذجي والمثل الأعلى والأسمى في كل ذلك بكل ما لهذه الكلمة من معنى.

أراده أن يكون رمزاً ومثالاً للأمن والسلام، ثم رمزاً للحرية المسؤولة والواعية، والهادية إلى طريق التكامل، وبناء الذات، سواء على مستوى الفرد أو على مستوى الجماعة. ثم أن يكون البلد الفريد، والرضي في علاقاته الاجتماعية، والفذ الرائع في طاقاته الإيمانية، والزاخر بالمعطيات الفضلى، في إخلاص العبادة له تعالى، ورفض كل شرك، وعبادة لغيره. وأن يكو الأمثل والأغنى في روافده العاطفية، والنموذج الحي، والمتميز في رخائه الاقتصادي. ثم أن يكون بلد الرشاد، والهداية، والوعي. بلد الطهر، والخير، والبركات.

نعم.. لقد أراد الإسلام لهذا البلد، الذي لا يملك شيئاً من مقومات الحياة، بمختلف مناحيها، ومجالاتها – أن يكون النموذج الفذ، والفريد والأسمى، والمثل الرائد، الذي تتجسد فيه طموحات الإسلام وأهدافه، وإنجازه الهائل، وقدراته الفائقة.

ولتتجلى فيه على أكمل وجه وأتمّه آيات الله البيّنات، وخوارق العادات، في مجال بناء الإسلام للحضارة وتربية الإنسان.

ولا نقول ما تقدّم من عند أنفسنا، بل الإشارة إليه تصريحاً، أو تلويحاً قد وردت في العديد من الآيات القرآنية ويكفي أن نذكّر هنا بالآيات التالية:

قال تعالى، في حكايته لدعاء شيخ الانبياء، إبراهيم (عليه السلام):

﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾[2].

وقال تعالى: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً﴾[3].

وقال عز وجل: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لاَ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾[4].

فقد أشارت هذه الآيات إلى أن البيت بواد غير ذي زرع ولا يرغب فيه أحد، وقد أراد الله له أن يكون أهلاً بالناس، تهوي إليه أفئدتهم، ويعيشون في رخاء وفي سعة يرزقهم الله من الثمرات. كما وأراد الله له أن يكون مباركاً وهدى للعالمين. وفيه آيات بينات ومطهراً. وبلد العبادة والتوحيد، والتقوى. وآمناً ويجبى إليه ثمرات كل شيء، كما في سورة القصص الآية رقم 57.

هذا عدا عن الآيات القرآنية الأخرى، التي ستأتي طائفة منها، وعداً عمّا روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والأئمة المعصومين عليهم الصلاة والسلام في هذا المجال.

الحرم الآمن:

وفيما يرتبط بجعل الحرم ومكة، حرماً وبلداً آمناً، انطلاقاً من احتضانه لأقدس، وأشرف وأوّل بيت وضع للناس، وهي الكعبة المعظمة، زادها الله شرفاً، وعزّة وبهاء، فقد تكرّر التأكيد على ذلك في آيات كثيرة، وفي مناسبات مختلفة، فعدا عن الآيات المتقدمة، نذكّر بقوله تعالى: ﴿وَهَذَا الْبَلَدِ الأمِينِ﴾[5].

وقوله: ﴿جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِلنَّاسِ﴾[6].

وقوله: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً﴾[7].

وقوله: ﴿إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا﴾[8].

وقوله تعالى: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لاَ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾[9].

وثمة آيات أخرى، وفيما ذكرناه كفاية..

جميع الناس في البيت سواء:

هذا وقد قرر القرآن الكريم ـ كما صرحت به الآية السابقة ـ بالإضافة إلى ما تقدّم: أن الله سبحانه، قد جعل بيته والمسجد الحرام، للناس، كل الناس، سواء العاكف المقيم فيه، أو البادي الذي يحج إليه من غير أهله وهدى للعالمين. ومن دخله كان آمناً. وقياماً للناس، وهو: للطائفين والقائمين والركع السجود ـ وكل ذلك أيضاً قد صرّحت به النصوص الواردة عن النبي (ص)، وعن الأئمة الهداة(ع)، فليس لأحد كائناً من كان، أن يمنع أحداً من المسلمين، من أداء مناسكه، وإقامة شعائره. وكل منع وصد عنه، وكل مضايقة للناس في ذلك، فهو بظلم وتعد توعّد الله عليه بالنكال والعذاب. فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾[10].

ويلاحظ: أن وجود التنوين في قوله: ﴿بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ﴾، إنّما هو للإشارة إلى ان هذا الحكم ينسحب على كل ظلم، مهما كان صغيراً وقليلاً، وبعض الروايات قد أشارت إلى هذا التعميم أيضاً[11].

كيف تتحقق تلك الأهداف الإلهية:

وبعد.. فإن كل عاقل بصير، إذا لاحظ ما قدّمناه، وأخذ بعين الاعتبار واقع الناس في العالم، واختلاف حالاتهم، ومستوياتهم على الصعيد الفكري، والسياسي والمذهبي. ولاحظ كذلك التفاوت والاختلاف فيما بينهم: في فهمهم، وفي عواطفهم، وطموحاتهم، وخصائصهم، وغير ذلك من أمور.

ثم.. إلى تفهّم حقيقة: أن التعامل مع أي شيء، لابد وأن يكون من منطلَق إدراك واقعه، بما له من الخصائص والحالات، ومن خلال ارتباطه بسائر ما يحيط به، ليتم التحرّك نحو الهدف الأسمى، من الموقع الطبيعي، ومن خلال انسجام القدرات والوسائل فيما بينها، وبين الغايات والأهداف.

وإذا أدرك أيضاً، أن ذلك ينسحب على نقطة الارتكاز لحركة الإسلام وانطلاقته، أعني مكّة والمسجد الحرام، بما لها من دور فاعل وحسّاس وشامل في عملية بناء الإسلام لحياة الإنسان، فكراً وحضارة وإنسانيّة متكاملة، بكل ما لهذه الكلمة من معنى.

نعم.. إنه إذا لاحظ، وأدرك كل ذلك. فلابد ان تتكوّن لديه القناعة الكاملة بأن هذا البيت، الذي أسّس على التّقوى، لابد له ليحقّق أهدافه الإلهية الشاملة في الإنسان، وفي الإيمان والإسلام، من مدبّر لأموره ومتول لشؤونه، يستطيع أن يدرك الحقائق التي ألمحنا إليها آنفاً، ويتفاعل وينطلق لتحقيق الأهداف الإلهيّة بكل دقّة ووعي، وبكل إخلاص وثبات.

وليس ذلك أي كان من الناس، وإنما هم فئة خاصة لهم مواصفات معينة من شانها أن تحقق هذا الهدف المنشود، بصورة أكمل وأتم، وليست هذه الفئة إلا "المتّقّون" الذين يخافون ربّهم، ويخلصون له، ويهتدون بهديه، وهم بأمره يعملون.

وبديهي أنّ ذلك الذي ذكرناه، هو صريح حكم العقل، وهو ما تقضي به الفطرة، حينما تتاح للعقل الفرصة لتقييم الواقع بصورة صحيحة وسليمة، وتترك للفطرة الحريّة في التأثير، والتصدّي، دون أن يقهرها قاهر الهوى، أو أن تتأثّر بلفحات الميول. والذين يتجاهلون هذه الحقيقة، فإنّهم "لا يعلمون" على حسب التعبير القرآني الدّقيق.

إدارة الحرمين:

نعم.. ولقد قرّر القرآن، بصورة قاطعة: أن ولاية بيته، والتصدّي لخدمة حرمه، لا يناله أي كان من النّاس.

بل ذلك حق لجماعة خاصّة، نص القرآن على وصفهم ونعتهم، وحرم غيرهم من أن يكون لهم ذلك، فقال: ﴿وَمَا لَهُمْ أَلاَ يُعَذِّبَهُمُ اللهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَ الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾[12]. فقال عن الذين يصدّون عن المسجد الحرام، وغير المتّقين: ﴿وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءهُ. ثم أثبت الولاية للفريق الآخر، الذي ليس كذلك، فقال: ﴿إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَ الْمُتَّقُونَ﴾. نعم.. المتّقون.

والمتّقون فقط، لا يشاركهم في ذلك أحد، حتّى ولو كان من جماعة المسلمين، فضلاً عمن عداهم. كما أنّه تعالى قد ذكر لهم وصفاً آخر، له قيمته وأهميته البالغة، فيما يرتبط بالأهداف السّامية والكبرى،التي من أجلها وضع الله البيت للناس، وهو: أن لا يكونوا ممن يستحقون العذاب، لأنهم ممن يصدون الناس عن المسجد الحرام فضلاً عن الصد عن سبيل الله تعالى، فإن هؤلاء أيضاً قد توعّدهم الله بالنّكال والعذاب الأليم، حسبما صرّحت به الآية الشريفة السّابقة، التي تعرّضت لاستواء العاكف والبادي، في المسجد الحرام.

وإذا كان الله سبحانه قد توعّد بالنّكال والعذاب الأليم، كل من يظلم الناس في بيته، فقال: ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾[13].

فهل هناك ظلم أعظم من مضايقة النّاس، ومنعهم من أداء شعائرهم الدينية، حسبما يرون، ويعتقدون؟! هذا فضلاً عن مواجهتهم بشتّى أنواع الإهانات، والتّهم، والشتائم، والتكفير، والتشريك، ثم الضرب المبرح، إن لم يصل الأمر في بعضهم إلى حد التّعرّض للموت المحتّم في هذا السبيل!!

وخلاصة الأمر: إن ولاية البيت والحرم، لا يصحّ أن يتصدّى لها أي كان، وبل هي أمر خاص بالمتّقين، والذين لا يصدّون عن المسجد الحرام، ولا يريدون فيه بإلحاد بظلم، مهما كان قليلاً أو صغيراً.

وهؤلاء فقط، هم القادرون على تحقيق أهداف الله سبحانه، من وضع بيته مثابة للناس وأمناً، ويكون لهم دورهم الرّئيس، في تمكين مكّة من أداء دورها الطليعي والرائد في عملية بناء المجتمع الإسلامي السليم وتربية الإنسان.

أسئلة تحتاج إلى أجوبة:

وبعد ما تقدم فإن لنا أن نتساءل:

إن اولئك الذين يصدّون فعلاً لإدارة الحرمين الشريفين. هل يحق لهم ذلك؟ أم أنهم معتدون، وغاصبون، يبتزّون المتّقين من المسلمين حقّهم، الذي جعله الله سبحانه وتعالى لهم؟

وإذا كانوا معتدين وغاصبين، فما هو تكليف المسلمين تجاه هذا الأمر الخطير والهام؟ وهل يصح منهم السكوت على أمر مصيري كهذا؟

وإذا لم يكن السكوت مشروعاً، فما هي الوسائل التي يمكن استخدامها في مجال احقاق الحق، وإبطال الباطل، وإرجاع الأمور إلى نصابها ؟

في بدايات الإجابة:

وإننا في مقام الإجابة على هذه الأسئلة، لابد لنا من تقييم إجمالي لواقع هذه الفئة التي تنصّب نفسها لهذا الأمر الخطير والهام. وليتّضح بعد ذلك، إن كانوا ممّن يتوفّر فيهم الشّرط الأساس للتصدي لإدارة الحرمين الشريفين.. أم لا.

ونحن هنا.. في حين نعترف بعدم التمكن من استيعاب كل ما يفيد في هذا المجال، فإننا نشير إلى أن ما نريد أن نثيره في هذه العجالة – وإن كان بمثابة لمحات خاطفة وسريعة – إلا أنه كاف لجعل المسلمين يراجعون حساباتهم، ويعيدون تقييم الواقع الراهن، وفق المعايير الصحيحة والسليمة التي قررها القرآن، وجاءت بها السنة النبوية الشريفة، وحكم بها العقل القويم، واقتضتها الفطرة السليمة.

فنقول:

الوهابية والإسلام:

إن من يراجع حياة وتاريخ هذه الفئة، ليس فقط يخرج بحقيقة، أنهم ليسوا مصداقاً للوصف القرآني الذي جعله الله سبحانه ملاك استحقاق الولاية على البيت وسدانته وإنما هم أجلاف ومجرمون، بل ويسيرون باّتجاه آخر غير الاتجاه الذي يريده الله سبحانه لعباده الصالحين.

ونستطيع أن نلخص ذلك في ضمن الحديث في الاتجاهات التالية:

الاتجاه الأول: الوهابية والمقدسات الإسلامية:

إن تاريخ هذه الفئة، ليدلّ دلالة قاطعة على أن هؤلاء لا يحترمون المقدسات الإسلامية، ولا يعظمون الكعبة المقدسة، ولا الحرم النبوي الشريف، كما ينبغي لها وله. بل إنهم لا يحترمون الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم نفسه، وكشاهد على ما نقول، نشير إلى الأمور التالية:

السياسة الحجاجية تجاه الرسول:

بالنسبة للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، فيكفي أن نذكر: أن زعيمهم الأول، يقول عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إنه "طارش". وبعض أتباعه يقول بحضرته، أو يبلغه فيرضى: عصاي هذه خير من محمد، لأنه ينتفع بها في قتل الحيّة، والعقرب، ونحوها ومحمد قد مات، ولم يبق فيه نفع، وإنما هو طارش[14]، والطارش: الرسول في الحاجة.

وهذه سياسة حجاجية تجاه الرسول الأكرم (ص) بدأها الحجاج، ثم خالد القسري في العهد الأموي ومن تبعهم، حيث فضلوا الخليفة على الرسول[15]، كما أنهم لم يكن يعجبهم طواف الناس بقبر النبي (ص)، فقد خطب الحجاج، وذكر الذين يزورون قبر رسول الله (ص) بالمدينة، فقال: تباً لهم، إنما يطوفون بأعواد، ورمة بالية هلا طافوا بقصر أمير المؤمنين عبد الملك ؟ ألا يعلمون: أن خليفة المرء خير من رسوله[16]؟

وهؤلاء أيضاً قد أخذوا بهذه السياسة، وزادوا عليها ما لم يجرأ على زيادته الحجاج، ولا من جاء بعده، كما أن هؤلاء قد منعوا من زيارة الرسول الأكرم (ص) [17]، ومن التبرك بآثاره، كما هو معروف ومعلوم لدى كل أحد.

وشاع أنهم ضربوا القبة النبوية الشريفة بالرصاص، وإن كانوا هم قد أنكروا ذلك[18] لكن إنكارهم لا يدل على أن لها حرمة عندهم، ما داموا يحرمون البناء على القبور مطلقاً، ومن دون استثناء حتى للقبة النبوية الشريفة، التي يحاولون الاعتذار الضمني عن خوفهم من الإقدام على تخريبها، بأنها قبة للمسجد[19]، ومعنى ذلك: أنها لو كانت قبة على القبر لم تسلم من الإهانة والتخريب ايضاً.

كما أنهم قد نبهوا كل ما كان في الحجرة النبوية الشريفة من مجوهرات، وتحف[20].

هذا كله.. عدا عن إقدامهم على هدم المساجد، المبنية في بعض المواضع، التي كان لها شأن في التاريخ الإسلامي، بالإضافة إلى هدم المقامات، والقباب والمزارات، ومحو آثارها، ومنها مقامات ومزارات أهل البيت عليهم السلام في البقيع[21]، وكانوا وما زالوا يمنعون الناس، ويصدونهم عن سبيل الله ظلماً  وبغياً وعتواً وعلواً، فكانوا مصداقاً بارزاً للآية الشريفة المتقدمة في مطلع هذا البحث.

السياسة اليزيدية تجاه مكة والكعبة:

واما فيما يرتبط بإهانتهم لمكة المكرمة، والكعبة الشريفة، فيكفي أن نشير هنا إلى أنهم في ما سلف من أيامهم، قد حاصروا مكة أكثر من مرة[22] وفي أحداها: تعرض أهلها للمخصمة الشديدة، والمجاعة المحاقة، حتى مات منهم الكثيرون، وهاجر من هاجر، "وبعضهم مات، وهو يمشي، وترى الأطفال موتى في كل زقاق، فهرع الناس إلى الحسينية من الطرق الصعبة، خوفاً من السطوة بهم، فمنهم من قتل، ومنهم من مات جوعاً"[23].

وحينما دخل سعود بن عبد العزيز مكة، في أوائل القرن الثالث عشر للهجري، خطب الناس، فكان مما قال:

"اعلموا أن مكة حرام ما فيها، لا يختلى خلالها، ولا ينفر صيدها وإنما أجلت ساعة من نهار. إلى أن قال: ولم نزل ندعو الناس للإسلام، وجميع من تراه عيونكم، ومن تسمعون به من القائل، إنما أسلموا بهذا السيف، ورفع سيفه تجاه الكعبة"[24].

فليلاحظ: أنه حين يجعل نفسه مكان رسول الله(ص)، حتى ليدعي: أن الكعبة المحرمة إلى الأبد، بنص رسول الله، قد أحلت ساعة من نهار، ويدعي: أن المسلمين الذين قهرهم على مذهبه إنما دخلوا في الإسلام، بعد أن كانوا غير مسلمين ـ أنه بعد ذلك كله لا يتورع عن أن يرفع سيفه تجاه الكعبة، دونما خشية ولا خجل.

هذا بالإضافة إلى أنهم قد منعوا الناس من الحج واعتبروا: أن كل من ليس وهابياً فهو مشرك، وقد استمر هذا المنع لعدة سنوات[25]، هذا عدا عن منعهم من التبرك بمقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ومن لمسه، وتقبيله[26].

وأعظم من ذلك كله، وأمر وأدهى: أن وزارة أوقافهم، قد رأت أن جميع مشكلات المسلمين قد حلت، وكل قضاياهم على ما يرام، ولم يبق أمامهم إلا التقريظ، والثناء، والدفاع عن: يزيد القرود، والفهود، شارب الخمر، وقاتل النفس المحرمة، وقاتل سيد شباب أهل الجنة، وسبط رسول الله(ص)، الإمام الحسين(ع)، وأهل بيته وصحبه، فنشرت هذه الوزارة كتاباً في تقريظه والدفاع عنه، بعنوان: حقائق عن امير المؤمنين يزيد بن معاوية.

وليت الإمام أحمد بن حنبل حاضر في هذا الوقت، لينظر إلى من يدعون احترام آرائه، كيف يدافعون، ويقرظون رجلاً قد حكم في نفسه بكفره، وخروجه عن الإسلام[27].

وليت عمر بن عبد العزيز، الذي ضرب من وصف يزيد بأمير المؤمنين عشرين سوطاً[28]، حاضر أيضاً، لنرى كيف يؤدب شيوخ هؤلاء وحكامهم، على جرأتهم ووقاحتهم هذه.

ولعل تقريظهم ودفاعهم عن الطاغية يزيد، قد جاء لأجل رد الجميل ليزيد، وشكره على ما فعله بالحسين وأهله وصحبته ثم بأهل المدينة في وقعة الحرة المشهورة، وعلى ما فعله بالكعبة، ومكة، حينما نصب المنجنيق على أبي قبيس، وذلك معروف ومشهور، ولا يكاد يخلو منه كتاب يؤرخ للأحداث في عهد يزيد الطاغية.

ومهما يكن من أمر: إننا نجد التطابق الواضح ايضاً، بين السياسة الوهابية من جهة وبين السياسة الحجاجية اليزيدية الأموية من جهة أخرى.

فهؤلاء كالحجاج، وكسلفه يزيد، وكسائر الأمويين، لا يقيمون للكعبة وزناً، ولا تمنعهم حرمتها من رميها بالمنجنيق، كما فعله الحجاج وغيره، بل لقد رماها الحجاج بما نربأ بأنفسنا عن ذكر اسمه[29].

وأنفذ الوليد الخليفة الأموي رجلاً مجوسياً، ليبني له على الكعبة مشربة للخمر كما أنه قد ذهب في عهد هشام إلى مكة، ومعه خمر، وقبة ديباج على قدر الكعبة، وأراد أن ينصبها عليها، ويجلس فيها، فخوّفه أصحابه من ثورة الناس، حتى امتنع[30].

وبالنسبة لمقام إبراهيم، فلقد كان الحجاج يريد أن يضع رجله عليه، فيمنعه ابن الحنفية ويزجره[31].

وكان خالد القسري يمسي زمزم أم الجعلان[32]، وله أيضاً قضايا صريحة في إهانة الكعبة الشريفة[33]. وتتبع أمثال هذه الموارد لا مجال له في عجالة كهذه.

الاتجاه الثاني: تعظيم خصوم الإسلام:

وإذا كنا نعلم، أن من عادة الناس إذا أرادوا تكريم شخص، وتخليد اسمه، معظماً ممجداً: أن يطلقوا اسمه على إحدى المؤسسات أو الجامعات، أو على أحد الشوارع الرئيسية، وما إلى ذلك مما يدخل في هذا المجال.

فإن أبا سفيان بن حرب، الرجل الذي أنفق عمره، وكل ما قدر عليه من نفيس وعزيز في حرب الإسلام، ونبي الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم. وإن كان قد أعلن ـ مكرهاً ـ بالشهادتين في فتح مكة ـ أن أبا سفيان هذا ـ لم يقدم للإسلام، ولا للمسلمين أية خدمة أو نفع يذكر، يستحق به تعظيماً، وتمجيداً، دون سائر الصحابة الأخيار، الذين قدموا كل نفيس وعزيز في سبيل إعزاز هذا الدين، وظهور الإسلام على أعدائه ومناوئيه.

ولكننا نجد أن أبا سفيان هذا يستأثر من حكام الحجاز بكل عناية وتقدير، واهتمام، فيطلقون اسمه على أحد الشوارع الرئيسية في مكة، التي انطلق منها لمحاربة هذا الدين، والقضاء عليه في مهده.

والغريب الملفت هنا: أن هذا الشارع يقع في منطقة شعب أبي طالب، ناصر النبي الأعظم(ص)، والمدافع عن الإسلام والمسلمين بلسانه، ويده، وبكل ما يملك.

وهب أن لهم بعض العذر في تعظيمهم لأبي سفيان، لأنه جد سلفهم وإمامهم يزيد الطاغية، قاتل الحسين ومفتعل وقعة الحرة، ومنتهك حرمة البيت، والذي يصدرون الكتب في تعظيمه، والدفاع عنه.

ولكن ليت شعري، بماذا يكون الاعتذار عنهم في تعظيمهم لأعدى أعداء الدين وأشد الناس على نبي الإسلام، أعني أبا لهب، الذي نزلت فيه سورة قرآنية كاملة، لتخلد ذمه وتعلن خزيه، ولتبقى قرآناً يتلى على مر السنين والدهور ؟!

نعم.. بماذا يمكن الاعتذار عنهم على إطلاقهم اسم أبي لهب اللعين هذا على أحد الشوارع الرئيسية في أقدس بلد، يريد الله له أن يكون رمزاً للسلام والإسلام، وللإيمان والتقوى، والنبل والفضيلة والطهر، والهداية. وما هو وجه التناسب بين هذا البلد الإلهي المقدس، وبين أبي لهب المشرك عدو الله والدين والإنسانية ؟

الاتجاه الثالث: الجرائم والموبقات:

أما فيما يرتبط بما يتمتع به هؤلاء من استقامة وتقوى، على صعيد العمل والممارسة. فإننا نجدهم أيضاً أبعد ما يكونون عن روح التقوى، والعمل الصالح.

والغريب في الأمر: أنهم مهما حاولوا إخفاء هذه الحقيقة، فإنها تأبى إلا شيوعاً وانتشاراً وقد ظهر ولا يزال يظهر الكثير من تلكم الأفاعيل، على صفحات الجرائد والمجلات العالمية، ومختلف وسائل الإعلام الاخرى.

وبالنسبة إلى التحلل الأخلاقي:

فقد نشرت وثائق كثيرة ومصورة، لكثير من تصرفاتهم المائعة والخليعة، والمنافية لأخلاقيات الإسلام ولتعاليمه السامية.

حتى لقد نشر في بعضها وعلى شاشات التلفزيون أيضاً صور حية للملك الحالي لهذه الفئة، وهو يضع الصليب في عنقه، إلى جانب زملائه الصليبيين الحاقدين، من حكام بريطانيا الشر والبلاء والفساد[34].

هذا عدا عما نشر في كتاب تاريخ آل سعود وكتاب اليماني وآل سعود وغير ذلك من وثائق وحقائق، ولسنا هنا في صدد تتبع واستقصاء ذلك.

وفيما يرتبط بموادة زعماء هذه الفئة، وحكامها، لمن حاد الله سبحانه، وتوليهم لأعدائه، وشدتهم وحربهم لأولياء الله تعالى، منذ ظهور دعوتهم، ونشوء دولتهم، وكذلك تفريطهم بفلسطين، حتى وقعت بأيدي شذاذ الآفاق من اليهود، فإن ذلك لا يخفى على أي مراجع لتاريخ دعوتهم، ودولتهم وسائر مواقفهم سابقاً ولاحقاً. ولذا فلا نرى حاجة للإفاضة فيه.

وأما عن جرائمهم وموبقاتهم وولوغهم في دماء الناس. فتلك حدث عنها ولا حرج، ولا نريد أن نستوعب كل ما سجله التاريخ في هذا المجال. فإنه مما يحتاج إلى مؤلف، بل إلى مؤلفات مستقلة ولكننا نكتفي بالتذكير هنا بما فعلوه في الطائف، حينما دخلوا إليها عنوة في سنة 1217.ق، فقتلوا الناس قتلاً عاماً حتى الأطفال وكانوا يذبحون الطفل الرضيع على صدر أمه، وفتشوا عمن توارى في البيوت، وقتلوه وقتلوا من في المساجد، وهم في الصلاة، وبقيت جماعة تقاوم، تزيد على المائتين وعشرين رجلاً، فأعطوهم الأمان، فلما تمكنوا منهم قتلوهم أيضاً[35].

وكذلك فعلوا بهذا البلد مرة أخرى في سنة 1342[36] بالإضافة إلى أنهم قد قتلوا أهل ينبع أيضاً[37].

الاتجاه الرابع: الوهابية، وأمن مكة:

إن هؤلاء اللذين استولوا بالقوة والقهر على الحرمين الشريفين، بعد أن عانى أهلهما منهم الأمرين، وهلك الكثيرون من أهل مكة جوعاً، عدا من قتل منهم، بسبب حصارهم لها، حسبما قدمناه.

إن هؤلاء، كانوا ولا يزالون، لا يتقون الله في حجاج بيت الله الحرام، وزائري حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ولم ينس الناس بعد، ما فعلوه في أوائل دعوتهم، واشتداد شوكتهم، بحجاج اليمن حيث قتلوهم، وكانوا زهاء ألف حاج، غيلة وغدراً، ولم ينج منهم سوى رجلين أخبرا بما كان[38].

كما لم ينس الناس قتلهم ونهبهم للوافدين إلى مكة[39]، ثم منعهم الناس من الحج، لعدة سنوات، حينما سيطروا على مكة المكرمة، حسبما أسلفناه.

كما أنهم قد قتلوا جملة من بني شيبة، سدنة البيت، كانوا مصطافين في الطائف في سنة 1342[40]، إلى غير ذلك من جرائم ارتكبوها، وعظائم اقترفوها، لسنا في مجال تفصيلها هنا.

وكذلك.. فإن حجاج بيت الله تعالى، لا يزالون يعانون الكثير من الإهانات، والشتائم، بل والضرب المبرح في أحيان كثيرة، إن لم ينته الأمر في بعضهم إلى القتل لممارستهم شعائرهم الدينية، وعدم قبولهم بما يريد هؤلاء إجبارهم عليه بالقهر والجبروت، مما لا اساس له من عقل أو شرع، وإنما يستند إلى محض ترهات وأباطيل. وعلى أساس هذه الأباطيل والترهات، تراهم يعتبرون كل من خالفهم بالرأي، أو بالمذهب مشركاً حلال الدم، ويمكنهم ممارسة شتى أنواع الظلم والاضطهاد، وحتى القتل ضده، دونما وازع أو رادع.

وبالأمس القريب وفي سنة 1400.ق قد هتكوا حرمة المسجد الحرام، وقتلوا من قتلوا، وفعلوا الأفاعيل، في قضية اعتصام جهيمان القيسي وصحبه، مع نسائهم وأطفالهم بالحرم المكي الشريف، وقد اقتحمت الحرم الشريف فرقة فرنسية بقيادة الكابتن (بول باريل) بعد حصار دام أسبوعين، وقتال دام أكثر من ثلاثة أسابيع[41].

ثم ارتبكوا أخيراً جريمتهم النكراء، التي لم يجرأ على ارتكاب مثلها في رحاب الحرم الشريف أعتى الطواغيت، وأشرّ السفاحين، عبر العصور حين قتلوا بصورة فظيعة ومريعة المئات وجرحوا الألوف من المؤمنين الذين لا ذنب لهم، إلا أن يقولوا: ربنا الله وحده، وإلا إنهم يرفعون شعار البراءة من المشركين، ومن اعداء الله سبحانه، تأسياً منهم برسول الإسلام الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، الذي أرسل مبعوثة إلى مكة، ليعلن براءة الله ورسوله من المشركين، في قضية تبليغ سورة براءة المعروفة لدى كل احد.

فيتضح من مجموع ما تقدم: أن أولئك الذين يبيحون لأنفسهم ارتكاب أقبح الجرائم وأفظعها، وأعظم الموبقات وأبشعها، في حق المسلمين الأخيار، والأتقياء الأبرار، في الشهر الحرام، وفي البلد الحرام إن هؤلاء ـ لا يملكون التقوى التي تؤهلهم لأن يتولوا بيت الله، وحرمه الآمن، لاسيما وانهم أيضاً: لا يتورعون عن الصد عن سبيل الله وعن مقدساته، ومهابط وحيه، ويصدون الناس عن المسجد الحرام، ويظلمون الناس فيه أسوأ الظلم وأفحشه.

وقد أصدر الله سبحانه حكمه الصريح والقاطع في حق هؤلاء، وفي حق كل من هو على شاكلتهم حينما قال: ﴿وَمَا لَهُمْ أَلاَ يُعَذِّبَهُمُ اللهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَ الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾[42] صدق الله العلي العظيم.

مسؤولية المسلمين تجاه الحرمين الشريفين:

أما بالنسبة لمسؤولية المسلمين تجاه الحرمين الشريفين، فإن من الواضح: أن الأهمية البالغة لمكة وحساسية موقعها المصيري والرائد في مستقبل الإسلام، والإيمان والإنسان، حتى على مستوى البشرية جمعاء ليعطينا: أن أي تجاهل، أو تغافل أو تفريط بمكة وبمستقبلها، ليعتبر تفريطاً هائلاً وبغيضاً جداً، يمقته الوجدان، وترفضه الفطرة، ويأباه الفكر والعقل الإنساني، ويراه ضربة مميتة، وخيانة كبرى للدين والإنسان على حد سواء.

ولسنا بعد هذا بحاجة للتذكير بالمسؤولية الشرعية الخطيرة، وما يترتب على ذلك من مؤاخذة، وعذاب أليم. فإن ذلك من أبده البديهيات، وأوضح الواضحات.

ولعل تجاهل بيت الله الحرام، والانصراف عن التفكير بمصيره وعدم الجدية في العمل على إنقاذه، من الحالة التي انتهى إليها، لا يمكن إلا أن يكون أحد الموارد التي ينظر إليها التحذير، الذي روي أن أمير المؤمنين عليه السلام أصدره، حينما قال:

"الله الله، في بيت ربكم، فلا يخلون منكم ما بقيتم، فإنه إن ترك لم تناظروا، وإنه إن خلا منكم لم تنظروا"[43].

الوسائل المتوفرة في مجال التصدي:

وأخيراً فإن المسؤولية الشرعية، تحتم على المسلمين ـ كخطوة أولى ـ أن يقوموا بفضح وتعرية هذه الفئة الباغية والحاقدة، التي تبتز المتقين حقهم في تولي شؤون بيت الله الحرام، وأن يعلنوا براءتهم منها، ومن أفاعيلها وأباطيلها المنافية لتعاليم الإسلام، وتعريف الناس بحقيقة هذا الحكم الإلهي في ولاية حرمه وبيته، الذي صدع به القرآن الكريم، وليظهر ـ من ثم ـ بغي هذه الفئة، وفجورها، وابتزازها حقاً ليس لها. وليعرف العالم كله أن هؤلاء لا يمثلون في موقعهم، وفي موقفهم، ومسلكيتهم رأي الإسلام، ولا صفاءه ولا أصالته، ولا هم الأمثولة الصحيحة والسليمة له، ولا التجسيد الحي لمبادئه وأخلاقياته، ومواقفه وأهدافه.

وبعد.. فإن هناك الكثير الكثير من وسائل الضغط والتصدي لهذه الفئة، سياسية منها وغيرها، يمكن الاستفادة منها في مجال إرغامها على التوقف عن الإساءة للإسلام، ولنبيه، ولمقدساته. ولسنا هنا في صدد تقصي ذلك.

وفقنا الله سبحانه للسير على هدى الإسلام، والالتزام بتعاليمه، والعلم على تحقيق أهدافه النبيلة والسامية.

وهو ولينا وهو الهادي إلى سواء السبيل.

25 ربيع الأول 1408

جعفر مرتضى العاملي

 

[1] نهج البلاغة، الخطبة القاصعة، ورقمها: 187.

[2] إبراهيم 37.

[3] آل عمران 96.

[4] الحج 26.

[5] التين 3.

[6] المائدة 97.

[7] إبراهيم 35.

[8] النمل 91.

[9] القصص 57.

[10] الحج 25.

[11] راجع تفسير الميزان، ج14، ص377، عن الكافي.

[12] الأنفال 34.

[13] الحج 25.

[14] كشف الارتياب ص139 وراجع ص430 عن خلاصة الكلام ص230.

[15] راجع: العقد الفريد ج2 ص354 والأخبار الطوال ص346 وتهذيب تاريخ دمشق ج4 ص72 والأغاني تج19 ص60.

[16] راجع في ذلك: النصائح الكافية ص81 والكامل للمبرد ج1 ص222 شرح النهج للمعتزلي ج15 ص242 والبداية والنهاية ج9 ص131 وسنن أبي داود ج4 ص209، والعقد الفريد ج5 ص51 والاشتقاق ص188 ووفيات الأعيان ج2 ص7 والغدير ج10 ص51 وبهج الصباغة ج5 ص291و319و338.

[17] كشف الارتياب ص501/502.

[18] كشف الارتياب ص60.

[19] كشف الارتياب ص61.

[20] كشف الارتياب ص34/35 و450 عن الجبرتي في تاريخه.

[21] راجع: كشف الارتياب ص22/23و59/60/61و358.

[22] المصدر السابق ص27و28و29و30.

[23] المصدر السابق ص32.

[24] المصدر السابق ص22.

[25] كشف الارتياب ص6و9و34و35 عن تاريخ نجد للآلوسي والجبرتي، وغيرهما.

[26] كشف الارتياب ص441.

[27] الاتحاف بحب الإشراف ص68و63.

[28] الصواعق المحرقة ص222 وتاريخ الخلفاء ص209.

[29] راجع عقلاء المجانين ص178 والفتوح لابن أعثم ج2 ص486، وذكروا: أنه رماها بالعذرة والعياذ بالله.

[30] راجع بهج الصباغة ج5 ص340 عن الطبري، والأغاني.

[31] المنصف لعبد الرزاق ج5 ص49 والطبقات الكبرى لابن سعد ج5 ص94، وربيع الأبارر ج1 ص43 وفيه زيادة.

[32] راجع الأغاني ج19 ص60و59 تهذيب تاريخ دمشق ج5 ص82.

[33] راجع الأغاني ج19 ص60و59.

[34] راجع على سبيل المثال مجلة الوحدة الإسلامية، عدد محرم سنة 1408.ق ص30 وعدد صفر سنة 1408.ق من مجلة ISLAMQ AGRISI .

[35] كشف الارتياب ص18و19.

[36] المصدر نفسه ص55.

[37] المصدر نفسه ص27.

[38] المصدر نفسه ص54.

[39] راجع: كشف الارتياب ص27.

[40] المصدر السابق ص55.

[41] راجع مجلة الوحدة الإسلامية عدد2 صفر 1408.ق ص10.

[42] الأنفال 34.

[43] مقاتل الطالبين ص39 وراجع: نهج البلاغة، الكتاب رقم47، بشرح عبده ج3 ص86، والمعرون والوصايا ص151، وتاريخ الطبري حوادث سنة 40 ج5 ص148 والكافي ج7 ص51 وتحف العقول ص198، ومن لا يحضره الفقيه ج4 ص190، والمناقب للخوارزمي ص278 والبداية والنهاية ج7 ص328 وكشف الغمة ج2 ص58 وعنهم في مصادر نهج البلاغة ج3 ص380 و381.

طباعة  ||  أخبر صديقك  ||  إضافة تعليق  ||  التاريخ : 2014/02/06  ||  القرّاء : 12366










البحث في الموقع


  

جديد الموقع



 مسابقه کتابخوانی نبراس‌۱

 لحظات الهجوم الاول على دار الزهراء عليها السلام

 كربلاء فوق الشبهات

ملفات منوعة



 كيف نفهم الموت والشهادة

 التكبير على الميت خمس لا أربع

 إشكال العوام على فضل الله

إحصاءات

  • الأقسام الرئيسية 12

  • الأقسام الفرعية 64

  • عدد المواضيع 696

  • التصفحات 6883704

  • المتواجدون الآن 1

  • التاريخ 19/03/2024 - 11:04





تصميم، برمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net